تعد عبارة الضبط والربط اشهر ما يميز المؤسسات الامنية والعسكرية والشرطية في تاريخها العريق.
والانضباط او الضبط والربط لديهم يعني الالتزام باللوائح الصارمة الصادرة من الثقافة النظامية الدقيقة المنادية بضبط السلوك العام لمنتسبيهم في اطار اللوائح. ما حدث بالامس بساحة الحرية ورغم انه لم يمثل كل وحدات الشرطة التى تواجدت بالساحة، ومهما انطوى على جملة من تظلمات يعرف في القانون كتمرد على اللوائح وبالتالي على المهنة.
فقد شهدنا ما بعد الثورة تقاعس وانسحاب وسماع عبارات مسيئة كما (ما قلتو مدنية) في احلك لحظات الحاجة لدى المواطن للامن او الحماية الامنية. وكنا قد سمعنا من القائد العام للشرطة طلبا للحصانة حتى يتم تفعيل القوات وقرأنا احيانا عن ضبط منسوبين لها بعدد من الجرائم في انحاء عديدة بالبلاد.
ولكن لم نتوقع ان يهتف المنتسبون في وجه قيادتهم الممثلة في وزير الداخلية والقادة الكبار بهتاف(ما دايرنك)واضافة عبارة (تلاتين تلاتين).
القول بالعبارة الاولى قد يبدو مفهوما وتعبيرا دالا على الرغبة في تنحي الوزير. والهتاف الاول يربط رباطا منطقيا بالمطالبة بالتنحي كرمزية تظلم اساسه ومكمنه السيد الوزير وبذهابه ربما نفهم ارضاءا ومحوا لاسباب الاحتجاج. ولكن العبارة الثانية القائلة: (ثلاثين ثلاثين) تشوبها شبهة سياسية تصل ما بين نوايا قوى مضادة للثورة ومنسوبي الشرطة. فاين الحقيقة يا ترى؟ هل ثمة علاقة بين ما توصلت اليه اجهزة الدولة ولجنة التفكيك على وجه الخصوص عن جماعات النظام السابق ونواياهم للقيام بعمل مناهض ما ضد الحكومة وما قامت به فصائل من قوات الشرطة بالامس؟ هل ثمة تنسيق وحلقة وصل بينهما؟
تصريحات قيادات شرطية لجريدة السوداني اليوم اكدت وجود ذلك الرباط والارتباط. وبهذا الاعتراف تتاكد هواجس قوى الثورة واتهاماتها للجهاز الشرطي بانه لا يزال يحمل في طيات تكوينه اعدادا كبيرة من الفلول والمرتبطين بالمصالح السياسية للنظام البائد. وهم وفي حفاظهم على مواقعهم بسبب عدم اعادة تكوين الجهاز واجراء التعديلات المطلوبة به بتسريح المنتسبين الضالعين في العلاقة السياسية الآثمة وعدم اعادة الضباط الوطنيين المحالين للصالح العام من الانقاذ.
الشرطة ليست الشرطة المهنية التي كانت في غابر العهود والتي يتجاوز عمرها المائة عام، والشرطة ليست الشرطة قبل او بعد الاستقلال. الشرطة تظل وفي العديد من مكوناتها بؤرة للفساد على مستوياتها القيادية منذ مجئ الانقاذ وتولي وزراء لها اشتهروا بالفساد المطلق امرها كعبد الرحيم حسين واحمد هارون بادارتهم خزائن اموالها وتخطيط جرائم متنوعة، منها جرائم الابادة بدارفور . لقد تلوثت ايادي جهاز الشرطة، وغرقت سمعته في بحر من الاتهامات، وتدنى مستوى المهنية بين منتسبيه بعد ان اطاحت الانقاذ بافضل كوادره وتخلصت من الضبط والربط.
خطاب حمدوك وقرارات مجلس الوزراء الاخيرة لم يات ببيان عن الرؤيا التفصيلية لاجراء ما اسماه باعادة هيكلة الاجهزة الامنية والعسكرية والشرطية، ولم يكشف على الآليات التى سوف يتم استخدامها لاجل تحقيق تلك الهيكلة، بل مضى في نشر سياسات التبشير المعتادة منذ بداية عمل الجهاز التنفيذي لما بعد الثورة.
الثوار والثائرات واسر الشهداء والضحايا والمفقودون يظلون في انتظار القرارت التي تعيد لهم حقوقهم على احر من الجمر وفي مقدمتها التخلص من القتلة والمدانين بداخل هذه الاجهزة وتجريدهم من الحصانات وتقديم كل من ثبت ضلوعه في ارتكاب الجرائم لساحات المحاكم. دون ذلك لن ينتصر الجهاز التنفيذي للثورة التي اتت به ولن يهدأ بال المواطنين المروعين بفاحش الاعمال من المتفلتين وما يرسله تلفتهم من رسالة مركزية واضحة تقول ان شرطتنا ليست بخير وتحتاج مثلها مثل غيرها من مؤسسات امنية وعسكرية الى اصلاحات عميقة باسرع ما يكون الاصلاح.
[email protected].com