السودان الان السودان عاجل

جريدة لندنية: هل يشرّع السودان بقبوله “الاتفاق المرحلي” الملء الثاني لسد النهضة

الحكومة السودانية أبدت استعدادها للقبول باتفاق مرحلي شريطة التوقيع على كل ما سبق التوافق عليه من القضايا الفنية بشأن ملء وتشغيل السد.

الخرطوم – بينما توشك إثيوبيا على بدء الملء الثاني لسد النهضة بالمياه، بداية يوليو المقبل، يشهد ملف الأزمة الثلاثية تطورات متسارعة، ربما تقود إلى اتفاق ما في اللحظات الأخيرة يغلق الباب أمام أي خيار آخر، سوى التفاوض.

وكشف السودان الأحد عن تلقيه من إثيوبيا مقترح “اتفاق مرحلي” بشأن ملء وتشغيل السد، معربا عن استعداده للقبول به من دون الكشف عن تفاصيله.

إلا أن عضوا بوفد التفاوض السوداني حول السد، طلب عدم نشر اسمه، أوضح لوسائل إعلامية أن “المقترح الإثيوبي يتكون من جزأين، الأول خاص بالاتفاق الجزئي للملء الثاني، والثاني خاص باتفاق التشغيل وتبادل المعلومات في المستقبل”.

وأبدت الحكومة السودانية الأحد استعدادها للقبول باتفاق مرحلي شريطة “التوقيع على كل ما سبق التوافق عليه من القضايا الفنية بشأن ملء وتشغيل السد، ووجود ضمانات سياسية وقانونية وبمباشرة من المجتمع الدولي، وأن يستمر الالتزام الجزئي من قبل إثيوبيا حتى الوصول إلى اتفاق شامل وقانوني وملزم”.

وأضاف مسؤول حكومي في حديث مغلق مع إعلاميين بالخرطوم، أن الشروط تتضمن كذلك “أن لا يشمل الاتفاق المرحلي اتفاق تقاسم المياه، بجانب وضع مدى زمني للتوصل إلى اتفاق شامل حول أزمة السد لا يتعدى 6 أشهر، والتوقيع على كل ما تم الاتفاق عليه في الفترة السابقة”.

إثيوبيا تنتصر في معركة الملء الثاني للسد، لكن ستخلق بيئة وسمعة سيئتين تعقدان التفاوض في المراحل المقبلة

وبحسب المراقبين، فإن المقترح الإثيوبي المدعوم من الاتحاد الأفريقي، هو تطبيق حرفي لمبادرة أميركية.

لكن المتحدث باسم الوفد السوداني عمر الفاروق نفى في تصريحات صحافية علم بلاده بوجود دعم من واشنطن ولا الأمم المتحدة للاتفاق في صورته الراهنة، فيما التزمت مصر الصمت بشأن ما أعلنته الخرطوم حول مقترح الاتفاق المرحلي الإثيوبي.

وردا على سؤال بشأن التنسيق بين الخرطوم والقاهرة حيال مقترح الاتفاق المرحلي، أجاب الفاروق “هناك شكل من أشكال التنسيق، لكن ما أريد أن أركز عليه هو أن مصر لا تتضرر من الملء الثاني”.

واستطرد “بينما المتضرر المباشر هو السودان، بشهادة وزير الخارجية المصري سامح شكري، ولذلك نحاول قدر الإمكان أن نتوصل إلى صيغة مرضية للأطراف الثلاثة”.

وتخشى الخرطوم من تهديد مباشر يشكله ملء السد الإثيوبي على سد “الرصيرص” (سوداني على النيل الأزرق)، وعلى مشروعات الري ومنظمات توليد الطاقة والمواطنين على ضفة النيل الأزرق.

وخلال السنوات العشر الماضية عُقدت العشرات من الجولات التفاوضية بين إثيوبيا ودولتي مصب نهر النيل، السودان ومصر، دون التوصل إلى اتفاق نهائي مع تبادل للاتهامات بشأن المسؤولية عن تعثر المفاوضات.

وحتى لو لم يتم التوصل إلى اتفاق ثلاثي بشأن الملء والتشغيل، تُصر أديس أبابا على تنفيذ الملء الثاني للسد، الواقع على النيل الأزرق، وهو الرافد الرئيس لنهر النيل.

بينما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي للحفاظ على سلامة منشآتهما المائية، ولضمان استمرار تدفق حصتيهما السنوية من مياه النيل، وهي 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار للسودان، وفق اتفاقيتي 1902 و1959، اللتين تراهما إثيوبيا مجحفتين بحقها.

وتتهم مصر إثيوبيا باعتمادها نهجا يدلّ على نيتها لممارسة الهيمنة على نهر النيل وتنصيب نفسها كمستفيد أوحد من خيراته وسط تعنّت أديس أبابا وتصعيد خطابها بشأن قضية السد.

واعتبر عبدالمنعم أبوإدريس، وهو باحث سوداني في شؤون القرن الأفريقي في حديثه لوسائل إعلامية، أن “المقترح الإثيوبي يهدف إلى إخراج السودان وإثيوبيا من المأزق”.

وبرأيه فإن إثيوبيا تريد تحقيق عدة أهداف من هذا المقترح، منها “شرعنة الملء الثاني، وترحيل أزمة الاتفاق النهائي، وكسب وقت في بناء السد، وتخفيف الضغوط الدولية عليها، كما أن الاتفاق في الوقت الراهن يُكسب حكومة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ورقة داخلية بأنها ماضية في مشروع السد.

إثيوبيا تريد تحقيق عدة أهداف في عقد الاتفاق مع السودان
إثيوبيا تريد تحقيق عدة أهداف مع السودان
ويعد مأزق السودان في الملء الثاني؛ لأنه لن يتأثر بعد ذلك، فسيكون منسوب مياه النيل في أرضه قد أخذ مستواه وثبت عليه، وعلى ذلك يمكنه إدارة منشآته المائية.

وعرضت إثيوبيا في أبريل الماضي توقيع اتفاق مرحلي مع السودان لتبادل المعلومات حول ملء السد، وآخر للتشغيل المستمر، لكن الخرطوم رفضته.

وأرجعت الخرطوم رفضها آنذاك إلى أن “معظم القضايا تحت التفاوض وأهمها آلية التنسيق وتبادل البيانات، وسلامة السد والآثار البيئية والاجتماعية مرتبطة ارتباطا وثيقا ليس فقط بالملء الأول، وإنما بكل مراحل الملء والتشغيل طويل المدى، وبالتالي لا يمكن تجزئتها”، وفق بيان رسمي.

وأشار خالد عبدالعزيز، وهو محلل سياسي سوداني، إلى أن “المقترح الإثيوبي بخصوص الملء الثاني هو تقنين للأمر الواقع، وفي كل الأحوال إثيوبيا ستقوم بالملء الثاني، وكل أوراق الضغط لحكومة السودان ومصر لم تنجح في زحزحة الموقف الإثيوبي”.

وأردف عبدالعزيز في تصريحات صحافية أن “الحكومة الإثيوبية تستخدم موضوع السد كرافعة استنهاض للشعور القومي الإثيوبي في ظل أزمات داخلية حادة”.

وفي تقديره فهي تحاول الهروب من النزاع الداخلي عبر المشروع القومي للإثيوبيين، وهو سد النهضة، باعتباره قضية هوية في المقام الأول أكثر من قضية مياه.

وتبعا لذلك تريد إثيوبيا فرض سياسة الأمر الواقع بالضغط على السودان، باعتبار أنه أكثر تضررا من الملء الثاني، خاصة في الخزانات ومخزونه من المياه لهذا العام والعام المقبل.

وبالتالي ليس أمام السودان خيار، فإما تسوية جزئية للملء الثاني أو يتضرر ضررا شديدا في حال ملأته إثيوبيا في فترة زمنية قصيرة، وهذه الشروط أقرب إلى شروط المنتصر.

واستنتج عبدالعزيز “إثيوبيا تنتصر في معركة الملء الثاني للسد، لكن ستخلق بيئة وسمعة سيئة في تعقيد التفاوض في المراحل المقبلة؛ لأنها ستكون قد أملت شروطها على دولتي المصب”.

وسواء تم الاتفاق على الملء الثاني أم لا، ستفرض إثيوبيا شروط الأمر الواقع وستُعقّد التعاون المشترك المستقبلي بين الدول الثلاث بشأن كهرباء السد، والمشاريع المستقبلية الأخرى.

عن مصدر الخبر

جريدة العرب اللندنية