الخرطوم – عبدالرحمن العاجب
ظل الوضع متأزماً، داخل الحركة الشعبية- قطاع الشمال، منذ مارس الماضي، بعد قرارات مجلس تحرير جبال النوبة، التي نصب فيها عبد العزيز الحلو رئيساً مؤقتاً للحركة الشعبية، وأقال بموجبها مالك عقار رئيس الحركة، وياسر عرمان الأمين العام للحركة، الأمر الذي فاقم من حالة الانقسام التي تعيشها الحركة منذ وقت طويل، وهو ما رفضه عقار واعتبره انقلابا. فيما أفرز الصراع مجموعتين داخل الحركة، الأولى يقودها عبدالعزيز الحلو ومناصروه، والثانية يقودها مالك عقار رئيس الحركة وياسر عرمان الأمين العام للحركة وأتباعهما، وازداد الأمر سوءاً بعد الاشتباكات التي وقعت بين أفراد الجيش الشعبي بإقليم النيل الأزرق، بعد أن بلغت الأزمة داخل أروقة الحركة الشعبية ذروتها، وأصبح رفاق الأمس أعداء اليوم، يصوبون أسلحتهم لبعضهم بعضا.
“1”
أدى تطور خلافات الحركة الشعبية إلى وقوع مواجهات مسلحة، ذات طابع إثني بين قبائل (الإنقسنا) و(الأدوك) و(البرون) بالنيل الأزرق، ومخيمات اللاجئين بجنوب السودان جراء حالة الاستقطاب التي أفرزتها انقسامات الحركة الشعبية، بعد إقالة مجلس تحرير النوبة لرئيس الحركة مالك عقار وأمينها العام ياسر عرمان، وتنصيب عبد العزيز الحلو رئيسا في يونيو الماضي، وأدت الاشتباكات إلى قتل العشرات، ونزوح عدد كبير من سكان المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية، في ولاية النيل الأزرق إلى منطقة (مابان) في ولاية أعالي النيل بدولة جنوب السودان.
“2”
وتفاقمت حدة الخلافات وسط قادة الحركة الشعبية- قطاع شمال، في أعقاب تجدد المواجهات بالنيل الأزرق بين فصائل موالية للقائد عبد العزيز الحلو، وأخرى تتبع لمالك عقار. وبحسب بعض مصادر واسعة الاطلاع فإن مواجهات عنيفة وقعت مطلع الأسبوع الحالي، بعد توغل قوات تتبع لعقار في المنطقة التي تسيطر عليها قوات موالية للحلو، وأوقعت تلك الصدامات قتلى وجرحي، كما حدث نزوح كبير للمواطنين من مناطق (أبونغرو) و(يابوس) واصطدمت هذه القوات مع قوات اللواء جوزيف تكا في يابوس، وتكبدت القوة المهاجمة خسائر في الأرواح بلغت (43) فردا، وتم الاستيلاء على (90) بندقية كلاشنكوف، و(9) مدافع (آربجي7)، و(9) رشاشات. وأفاد المتحدث باسم المجموعة بأن قواتهم طاردتهم حتى لاذوا بمعسكرات اللاجئين مخلفين وراءهم (20) قتيلا وجرح (30) آخرون.
“3”
وفي الضفة الأخرى، اتهم مالك عقار عبد العزيز الحلو بتحريض مجموعة (الأدوك) الذين سبق وطالبوا قيادة الحركة بطرح حق تقرير المصير للانضمام لدولة جنوب السودان كأقلية مسيحية مضطهدة. وأوضح عقار، في بيان تحصلت عليه (اليوم التالي)، أن الحركة الشعبية الحالية قامت بإدماج ثلاث وحدات هي (النيل الأزرق، القطاع الشمالي، وجبال النوبة/ جنوب كردفان)، وأن الحلو أخل بهذه الموازنات، وقسم الحركة على المستوى القومي ومستوى جبال النوبة، وحرض مجموعة الأدوك في النيل الأزرق، وأشار إلى أن ما حدث في (يابوس) خلال اليومين الماضيين جاء كنتيجة مباشرة بعد أن حاول نائب الرئيس أن يفرض قيادة جديدة على شعب النيل الأزرق.
“4”
وفي سياق متصل بالمسألة، كشفت قيادات بارزة، في قبائل (الأدوك) بولاية النيل الأزرق عن محاولات لمالك عقار لإعادة المنشقين عنه عقب اتفاقهم مع عبد العزيز الحلو رئيس الحركة الشعبية الجديد. وكشف أسامة دوجو القيادي في قبيلة (الأدوك) بالولاية، في تصريح لــ(المركز السوداني للخدمات الصحافية)، عن محاولات لمالك عقار لضم بعض أبناء قبائل (الأدوك والوطاويط والبرتا) لصفوفه وخرق الاتفاق الذي قاموا بتوقيعه مع عبد العزيز الحلو، مشيراً لتلقي القيادات خطاباً من عقار بضرورة عقد اجتماع في أعالي النيل، الأمر الذي رفضته هذه القيادات. وأبان دوجو أن قيادة الحركة من أبناء النيل الأزرق بقيادة جوزيف أكدوا رفضهم القاطع لأي تفاوض مع مالك عقار، مبيناً أن عقار مارس مع أبناء الولاية أساليب التهميش وقام بتمييز أبناء قبائل بعينها، مشيراً إلى أن محاولات عقار لضم أبناء الولاية تهدف إلى إضعاف صفوف الحلو بجانب مساعيه لبعض المكاسب التي فقدها عقب الانشقاق الذي تم مؤخراً مع عبد العزيز الحلو.
“5”
ودعا تقرير لمنظمة (كفاية) الأمريكية لفتح تحقيق مستقل وتوقيف المتورطين في أعمال العنف المميتة جراء النزاع بين قيادات الحركة الشعبية- شمال، بمخيمات اللاجئين ومناطق سيطرتها بالنيل الأزرق. وأوصى التقرير الذي نشرته المنظمة (الجمعة) الماضية قيادة الحركة الشعبية ببدء تحقيق فوري في الأحداث المبلغ عنها بشأن هجمات على مدنيين في مناطق خاضعة لسيطرة الحركة، لتحديد الأشخاص المسؤولين عن هذه الهجمات، فضلًا عن ضبط الجناة. وطلب التقرير الذي أعده كبير مستشاري المنظمة (سليمان بلدو) السماح بإجراء تحقيقات مستقلة عن أوضاع حقوق الإنسان في ظل أعمال العنف المندلعة، والسماح بوصول المنظمات إلى مناطق الحركة بدون أي قيود لتقييم الاحتياجات وتحديد آليات توصيل المساعدات.
“6”
وفي ذات السياق، ناشد كبير مستشاري المنظمة (سليمان بلدو) قيادات الحركة الشعبية لتوجيه جميع القوات الخاضعة لها بالوقف الفوري للعنف في كافة المناطق، بما في ذلك جبال النوبة وولاية النيل الأزرق ومخيمات اللاجئين بجنوب السودان. وقال بلدو: “على الحركة السماح بإجراء تحقيق مستقل من قبل منظمات حقوق الإنسان في الظروف التي تولدت عنها المعارك التي دارت رحاها بين وحدات جيش الحركة في النيل الأزرق وأدت إلى صدامات قبلية عنيفة بين اللاجئين في مخيمي دورو وجندراسا في أواخر مايو.. وينبغي أن يخضع لمحاسبة رادعة كل من كشف التحقيق تورطه في هذا العنف”.
“7”
وفيما يبدو أن الأحداث داخل أروقة الحركة الشعبية بدأت في صورة أزمة سياسية داخلية بين القادة، ولكنها بحسب ما أشار إليه بلدو في تقرير المنظمة أصبحت تهدد الآن بتقويض مفاوضات السلام مع الحكومة السودانية، كما أنها تعرقل المساعدات الإنسانية، وأضاف قائلاً: “وقع اللاجئون الفارون من النزاع في النيل الأزرق إلى جنوب السودان في مرمى الاشتباكات القبلية والمواجهات التي تجري بين وحدات منقسمة على نفسها في جيش الحركة. وفي السياق، قال المدير المؤسس لمنظمة (كفاية) جون برندرغاست: “ينبغي للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية ذات النفوذ أن تُشارك بشكل بناء في تسوية هذا النزاع، وألا تقف موقف المتفرج، وأن تعالج الوضع الإنساني المتفاقم في المنطقتين، وأن تنشط المباحثات مع الحكومة السودانية”.
“8”
وطالب تقرير منظمة (كفاية) الجهات الفاعلة على المستوى الإقليمي والدولي بحمل فصائل الحركة الشعبية لحل الخلافات بينها بطريقة سلمية، وأوصى التقرير هذه الجهات بالنظر في تقديم دعم لوجستي عند الطلب للسماح بعقد المؤتمر القومي للحركة الشعبية في الوقت المحدد له، إلى جانب مساعدة الجهات الإنسانية بالمنطقتين في التعامل مع الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان المتضررين، وأكد أهمية تسهيل عمل المبادرات المحلية لبناء السلام المجتمعي الذي ساهم بشكل مستقل في احتواء تصعيد أعمال العنف في مخيمات اللاجئين والمناطق الخاضعة للحركة في النيل الأزرق والذي يساعد أيضاً في الحفاظ على السلام الاجتماعي في جبال النوبة.
“9”
ونبه التقرير إلى أن الحركة الشعبية لتحرير السودان- قطاع الشمال، مثلت في السنوات الأخيرة نواة قوية ومتماسكة عسكريا وسياسيا لتحالف المعارضة السودانية المسلحة، لكنه عاد وذكر أن استقالة عبد العزيز الحلو عن منصبه كنائب رئيس للحركة في أوائل مارس الماضي، كشفت الحجاب عن نقاط الضعف على المستوى السياسي للحركة. ويذكر أن مؤسسة (مشروع كفاية) هي مجموعة أمريكية لمكافحة الممارسات الوحشية وتسعى إلى وضع حد لارتكاب الأعمال الوحشية الجماعية في مناطق النزاعات الأفريقية الملتهبة.. ولكن ما بين هذا وذاك، سيظل طائر الشؤم يصيح، بعد مطالبة منظمة (كفاية) الأمريكية بفتح تحقيق مستقل وتوقيف المتورطين من قيادات الحركة الشعبية في أعمال العنف التي وقعت بالنيل الأزرق، إلى أن يحسم رفاق الأمس أعداء اليوم صراعهم الدائر حاليا.
“10”
الحركة الشعبية المنقسمة على نفسها لمجموعتين، بدأت الخلافات تتصاعد بداخلها، رويدا رويدا، منذ خسمة شهور، وبدأ الصراع يطفو على السطح، وبلغت الأزمة ذروتها بعد قرارات مجلس التحرير الثوري لإقليم جبال النوبة، وأفرز الصراع مجموعتين داخل الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان- قطاع الشمال، الأولى يقودها الحلو، والثانية يقودها مالك عقار وياسر عرمان، وبسبب هذه الخلافات أصبح رفاق الأمس أعداء اليوم يتبادلون الاتهامات فيما بينهم، وفي ظل تبادل الاتهامات المتبادلة بين المجموعتين اتهمت مجموعة الحلو (مالك عقار، وياسر عرمان) بخيانة مشروع ورؤية الحركة والجيش الشعبي بعد عقدهما صفقات سرية مع جهات قالت إنها معلومة، بغرض التخلي عن حمل السلاح والجيش الشعبي، فيما اتهمت مجموعة عقار وعرمان مجموعة الحلو بقيادة انقلاب على الشرعية، وخيانة مشروع الحركة.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي