السودان الان

“ما بعد الشيخ” تظهر في سماء المؤتمر الشعبي مجموعة أطلقت على نفسها “شعبيون من أجل الحريات” وتدفع بمذكرة للأمين العام.. هل هو الانشقاق الجديد؟

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – الزين عثمان
في عام 2012 كانت الساحة تمور تبعاً لما أطلق عليه (مذكرة الألف أخ).. استخدام عبارة أخ في توصيف أصحاب المذكرة، كانت تؤكد أن الإسلاميين هم أصحاب الجلد والرأس.. كانت المذكرة تقرأ في تناص مع (مذكرة العشرة) التي شغلت الساحة في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وأفضت إلى ما عُرف بـ(المفاصلة)؛ حيث ذهب بعدها حسن الترابي إلى المنشية مكوناً حزب المؤتمر الشعبي، وبقي الرئيس عمر البشير ومناصروه في القصر الجمهوري تحت راية المؤتمر الوطني.. لم تكن المذكرات المفضية إلى انشقاقات لتقف عند محطة الشيخ الترابي الذي فاصل إخوته في التنظيم؛ ففي عام 2013 كان السودانيون على موعد مع تنظيم إسلامي جديد نتج عن مذكرة طالبت بالإصلاح في الحزب والدولة، ودفعت بغازي صلاح الدين خارج أروقة البرلمان، وحولته إلى زعيم لتيار (الإصلاح الآن) برفقة إسلاميين آخرين. ما ذُكر أنفاً يؤكد أن المذكرات لدى الإسلاميين دائماً ما تكون المدخل إلى الانشقاقات في مؤسساتهم الحزبية.
أمس الأول، كان الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي، الشيخ إبراهيم السنوسي، يقف عند بوابة سجن كوبر مهنئاً منسوبي الحركات المسلحة الذين تم إطلاق سراحهم عقب صدور قرار العفو الرئاسي.. وهو القرار الذي يعده الحزب امتداداً لمخرجات عملية (الحوار الوطني) التي وصلت إلى نهاياتها، وينتظر الآن (الشعبي) آخر ما فيها لحمل منسوبيه إلى مقاعد السلطة مشاركين في تنفيذ ما اتفقوا عليه مع الحزب الحاكم. ربما يبدو الأمر متجاوزاً ما حدث من مشاركة شكلية للأمين العام للحزب في حدث إطلاق السراح، إلى سؤال ظل حاضراً على الدوام هو: هل المؤتمر الشعبي في طريقه لانشقاق جديد؟
حسناً، لكن قبل السؤال حول الانشقاق في حزب المؤتمر الشعبي، فإن ثمة سؤالاً آخر انطلق من ألسنة الكثيرين يتعلق هنا ببقاء الحزب نفسه كمؤسسة عقب رحيل عراب فكرته الشيخ الترابي قبل عام من الآن؛ حيث مضى الكثيرون إلى أن شعبي (ما بعد الشيخ)، لن يكون بذات الحالة التي كان عليها حين كان الترابي موجوداً.. يخرج ساعتها الأمين السياسي للحزب كمال عمر ناثراً عبارة التماسك ومؤكداً على أن بقاء المشروع غير مرتبط بشخص. لكنه في المقابل فإن أبناء الشيخ لن يخرجوا عن تعاليمه المنطلقة من إنجاز مشروع الحرية كقيمة أساسية؛ قالها عمر “نحن لن نغادر هذا الخط، وسنبقى عليه حتى آخر العمر”. لكن الوصول إلى الحلقة الأخيرة لم يكن ليحتاج زمناً طويلاً، فسرعان ما دبت الخلافات داخل حزب الشيخ.. خلافات لم تكن لتخرج عن ذات القيم التي وُصِّيَ عليها دون أن يتم إبعاد الطرف الرئيس، وهو الطرف الحكومي؛ فقد ظلت قضية الموقف من السلطة والمشاركة هي القضية المحورية للخلاف.
تسلم مجموعة أطلقت على نفسها اسم (شعبيون من أجل الحريات) مذكرة للأمين العام المكلف، تبين رفضها للمشاركة في ظل اختلال المعادلة السياسية وتحايل السلطة على قضايا الوطن، بل إن المجموعة اعتبرت الموافقة على قرار المشاركة في السلطة صدمة أخلاقية يجب معالجتها في ظل المتغيرات السياسية على المستوى المحلي ومحاولة النظام الخروج على ما تم الاتفاق عليه في جلسات الحوار  الوطني، ومحاولة العودة إلى تكريس الأحادية في تسيير دولاب السلطة، وهو ما يعني ألا تغيير يمكن انتظاره على المستوى القريب، وعلى الحزب أن يغادر ويحتفظ بموقفه الذي قام عليه.
المذكرة مثلت امتداداً لخطاب ناقم على عمل تسيير الحزب في حقبة ما بعد الترابي؛ فكثيرون من المنتمين إلى فكرة الشعبي يقولون إن مجموعة بعينها تسعى حثيثاً من أجل تحقيق مكاسب ذاتية من خلال إيجاد مقاعد لها في الحكومة القادمة، وعلى رأس هؤلاء (الناجي عبد الله)، الذي طالب الشيخ السنوسي بضرورة ترك مقعد الأمانة العامة وتقديمه للقيادي علي الحاج من أجل إصلاح ما يمكن إصلاحه.. مؤكد أن الناجي كان يرفض السعي المتسارع نحو المشاركة والانكباب عليها، لكن موقفه من المشاركة في السلطة سرعان ما دفع آخرين للوقوف في وجهه، وعلى رأسهم رئيس لجنة إسناد الحوار الوطني (عمار السجاد)، الذي وجه سهام نقده نحو الناجي قائلاً، إنه ليس المسؤول عن تحديد مسار الحزب، بل إنه مضى أكثر من ذلك حين اعتبر الأخير مجرد (غواصة) للمؤتمر الوطني داخل الشعبي، وهي التهمة التي صارت متداولة بكثرة بين فرقاء الشعبي؛ فالكل يقول إن الآخر مخلب قط لتنفيذ ما تريده السلطة والسعي للجلوس تحت مكيفاتها الباردة.
وفي ما يتعلق بمستقبل الشعبي وإمكانيات تفرقه أيدي سبأ، يعلق لـ(اليوم التالي) أحد منسوبي المعارضة، مستعيداً موقف الراحل فاروق كدودة في تسعينيات القرن الماضي المفارق لفرحة الآخرين بانشقاق الإسلاميين، كان الزميل يقرأ ما بين السطور حين يقول كنا نحارب الإسلاميين في السلطة، وبعد مفاصلتهم سنضطر لمحاربتهم في السلطة والمعارضة معاً، وهو ما يحدث حالياً حين نجد أنفسنا مشغولين بهم، ويؤكد في حديثه على أن المؤتمر الشعبي وبإصراره على المضي في مشروع الحوار فقد الكثير وسيدفع الفاتورة من تأثيره المتناقص عقب رحيل صاحب المشروع الشيخ الترابي، ويمكن التأكيد على أنه سيحدث انشقاق فيما تبقى من حزب الترابي.
بالنسبة للناشط الإسلامي المرتبط بالمؤتمر الشعبي في أوقات سابقة، راشد عبد القادر، فإن الشعبي أدخل نفسه في فخ من الصعب عليه الخروج منه، فقد بدأت العملية من تنازل لآخر، ومن انكسار لانكسار،  يصرخون أن هذا خطأ ولكنهم يواصلون طريق الانحدار غير مبالين بأحد، بل يهتفون بالآخرين اتقوا الله.. بطلوا نقد ويستخدمون ذات تابلوهات الآخرين نحن في ظروف استثنائية ومنعطفات تاريخية تتطلب من الآخرين الصمت، حتى العبور بالنسبة لراشد فإن العطار سيعجز عن إصلاح ما تم إفساده دون أن يجرؤ على قول العبارة “الشعبي كمنظومة في ذمة التاريخ”.
وحده الأمين السياسي، كمال عمر، يؤكد على تماسك البنية الداخلية للحزب، وعلى أن قرار المشاركة هو قرار مؤسسات وليس أفراد وسيحترمه الجميع، وأن من ينتظرون الانشقاق سينتظرون كثيراً. بينما يمضي آخرون وفي توصيف يبدو على درجة كبيرة من الحقيقة، يضعون من خلاله مستقبل منسوبي حزب الترابي؛ بعضهم سيذهب إلى السلطة مشاركاً، وفريق سيقف منافحاً فريق المشاركة، وسيختار الطرف الثالث البقاء متفرجاً على ما يحدث، وباحثاً عن توصيف يوازي المرحلة الجديدة.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي