السودان الان

المسكوت عنه.. سباق مثير نحو الزعامة.. صراع المراغنة (1-2)

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

التقارير


أغسطس 9, 2021

محمد المبروك
[email protected]
لقد جدّ جديدٌ تحت قبة السماء. لم يعتاد الرأي العام السوداني على انكشاف المسرح وانزياح الحُجَب عن صراع بين قادة البيت الميرغني، لأن الطريقة الختمية اعتادت حل نزاعاتها الداخلية وراء الكواليس بعيداً عن أعين المراقبين والفضوليين وفقاً لــ”الأعراف المرعيّة”. كان ذلك في زمانٍ مضى وانصرم. الآن تغيرَ كل شيء بتغير الأكوان والسنن و”مَن ذا الذي يا عزُ لا يتغيرُ”.
شهدت الفترة الأخيرة إشهاراً علنياً لهذا النزاع ذي الطابع السياسي، في المقام الأول، ويتمحور ويتركز حول مقعد قيادة المكوِّن السياسي للطريقة، الحزب الاتحادي الديمقراطي(الأصل)، واندلع ما يشبه حرب البيانات بين السيدين جعفر الميرغني والسيد الحسن الميرغني خاصة بعد مهرجان الوحدة الاتحادية بين الاتحادي الأصل والحزب الاتحادي المسجل في قاعة الصداقة (يونيو 2021) وقد رفضت مجموعة السيد الحسن الميرغني هذه الخطوة ببيان منشور قالت فيه إنّ هذه الوحدة لا تمثل الحزب الاتحادي الأصل بقيادة مولانا الميرغني، واللافت للانتباه في هذه المرحلة الحساسة هو دخول طرف خارجي على خط وحدة الاتحاديين إذ رشحت معلومات عن دعم مصري وإماراتي لحدث قاعة الصداقة في يونيو، ولكن تصريح السفير السعودي في الخرطوم نهاية يوليو المنصرم والذي قال فيه إنّ الحسن الميرغني هو الأقدر على توحيد الاتحاديين أعاد خلط أوراق الموقف العربي من مشروع وحدة الاتحاديين والذي تقف خلفه الدول العربية الثلاث بقوة إذ بدا وكأن الدول الثلاث ترجئ رمي ثقلها وراء أحد السيدين بعد وربما تفضل نهاية سريعة لهذا الخلاف بين الشقيقين الحسن وجعفر الميرغني.
من الجلي، أنّ الخلاف داخل البيت الميرغني قد زادت وتيرته بعد أن انفكت قبضة السيد محمد عثمان الميرغني، قليلاً، عن دفَة القيادة بحكم تقدمه في السن بالتزامن مع وجود قادة الجيل الجديد المتحفزين للانفراد بقيادة الطريقة والحزب. هذا رغم أن الحزب الكبير يمكن أن يتسع لقيادتهم جميعاً. سنجد أنّ المنازعة على قيادة الحزب ذات صلة وثيقة بموقع القيادة الدينية للطريقة الختمية، وسنلاحظ أنّ السباق المثير الذي جرت وتجري وقائعه هذه الأيام ينحصر بين اثنين من أبناء البيت الميرغني، وهم السادة جعفر والحسن أبناء مرشد الطريقة الحالي مولانا محمد عثمان الميرغني، ثم يلاحقهما في ذات المضمار السيد إبراهيم الميرغني من بيت ختمية مراغنة شمبات، والرابع هو تاج السر الميرغني ابن زعيم الختمية في الشرق السيد محمد سر الختم االميرغني.
إبراهيم الميرغني أول من أطلق سباق قادة الختمية الجدد
ربما كان السيد إبراهيم أحمد الميرغني أول من كسر الصندوق الذي يحجب داخله المراغنة أبناءهم عن عامة الشعب، وخرج إلى الشارع العام منذ أن كان طالباً بالقاهرة. بدأ الميرغني الصغير يتحسس خطواته داخل حقول الاتحاديين المتباينة الشجر والثمار، ولم يكن الحال الاتحادي والختمي معقداً ومتشظياً كما هو الآن، ففي نهاية التسعينيات وبعدها، وهو الزمان الذي بدأ يظهر فيه إبراهيم الميرغني، كان الحزب الاتحادي الديمقراطي متحداً تحت قيادة مولانا محمد عثمان الميرغني قبل أن يبدأ رحلة التشظي الطويلة التي فجرها مؤتمر المرجعيات 2004م في القاهرة.
على غير المعتاد من أبناء البيت الميرغني الكبير، كان إبراهيم الميرغني يكتب في منشورات الاتحاديين بالقاهرة حيث يدرس الجامعة، ويغشى اجتماعاتهم ويكتب المقالات السياسية في المواقع الإلكترونية ويتعرض للنقد الحاد من قراء هذه المواقع. وحين يعود للسودان يغشى منتديات الاتحاديين في جامعة الخرطوم ويتعرض لما يتعرض له من نقد لسيرة الأسرة الميرغنية حيث يتخذ الطلاب الاتحاديون موقفاً ناقداً من وجود الطائفية في الحزب.
“مضى زمن طويل، ولكن أذكر أن الأشقاء في الطريقة الختمية غضبوا واستهجنوا تعرض السيد إبراهيم لهجوم مركز وقاسٍ من أشقاء الجامعة يتعلق بطريقة سيطرة المراغنة على مفاصل الحزب ولكنه، والحق يقال، استبسل في الدفاع عن موقف المراغنة السياسي وعن وجود الطريقة الختمية في الحزب. الختمية ظنوا أنني تعمدت وضع السيد إبراهيم في موقف محرج ولكني كنت أريد لطلاب الجامعة الاتحاديين أن يستمعوا للصوت الختمي الجديد وأن ينتبهوا إلى الطريقة الختمية أضحت تتوافر على إنتلجنسيا صاعدة من داخل البيت الميرغني. وددتٌ لو يتقدم السيد إبراهيم في العمل السياسي الحزبي ويتدرج مع أشقائه الطلاب لا عن طريق رافعة البيت الديني ولكن كل ذلك لم يحدث .. حاله حال كل أمنيات التسعينيات التي قضيناها، بتركها.” نقلتُ هذه الفقرة من مفكرة قديمة من أيام الطلب في جامعة الخرطوم.
فيما بعد، برز إبراهيم الميرغني في المشهد السياسي، وظهر في القنوات الفضائية يناقش ويجادل. في البدء لم يكن ذلك بالأمر الاعتيادي فلا زال أمر المراغنة السياسيين في الذهن السياسي العام مرتبط بالغموض الذي يحيط بهم بعيداً عن الأضواء .. يعيشون داخل صندوق يخصهم. مع مرور الأيام برز السيد الحسن محمد عثمان الميرغني وظهر في المجال العام، ثم لحق بهم ابن عمهم السيد تاج السر محمد سر الختم الميرغني وأخيراً ظهر السيد جعفر محمد عثمان الميرغني، وهكذا اكتمل مربع الختمية الجديد، إذ يشكل هؤلاء الأربعة المتنافسونَ رهانات الطريقة الختمية الجديدة بعد أن تقدم العمر بمرشد الطريقة السيد محمد عثمان الميرغني، وأصبح سؤال من سيخلفه مطروحاً بين المراقبين وبين الاتحاديين أنفسهم.
الحسن الميرغني والدواعش
داخل المضمار الختمي الطويل، تجري عمليات فرز وسباق بين جعفر والحسن وإبراهيم وتاج السر على اختلاف قرب وبعد كل واحدٍ منهم من مقعد الخلافة السياسية والدينية للحزب والطريقة. على أمل أن يثري هذا التدافع، التنافس، ساحتنا السياسية فقيرة الخيال، نركز الأضواء على حظوظ كل واحد من هؤلاء الأربعة، وسنرى إن كان ثمة سبيل لتسوية أو صيغة لتقاسم الميراث السياسي والديني أم أنه صراع صفري نتيجته رابحُ وخاسر.
بصورة عامة، قبل أن نخوض في التفاصيل الدقيقة، نعرف أنّ السيد محمد عثمان الميرغني قرر المشاركة في نظام الإنقاذ في العام 2012 م. ورغم رفض عدد كبير من جماهير الحزب وقادته لهذا القرار، ولكن مولانا الميرغني أصرّ على المشاركة ودفع بابنه السيد جعفر الميرغني-لأول مرة- للقصر الجمهوري ليصبح مساعداً لرئيس الجمهورية، أما أبنه الثاني السيد الحسن الميرغني والذي سبق جعفراً، بسنوات، داخل العمل الحزبي الاتحادي فقد قيل يومها إنه يرفض قرار المشاركة في نظام الإنقاذ. لا تغري تجربة السيد جعفر الميرغني كمساعد لرئيس الجمهورية بالتناول والتداول إذ لم يكن فيها شيئاً جديداً يُذكَر، ولم يقدم فيها السيد جعفر مجهودا أو إنجازاً ذي بال، وربما لم يكن راضياً أصلاً بهذا الدور، ولكنها كانت إشارة مهمة من البيت الميرغني حول مسألة الخلافة. مفاد الإشارة، ساعتئذٍ، أنّ الميرغني الأب يقدم السيد جعفر للناس خليفة له في الجانب السياسي على الأقل. وفي ذات الأثناء كان الحسن يظهر في فعاليات الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل كقائد سياسي حزبي، وهكذا يمكن أن نفهم أن مولانا يريد لو يكرر تجربة السيد علي الميرغني-طيب الله ثراه- والذي كان حالفه التوفيق في تسوية طموحات نجليه المرحوم أحمد الميرغني ومولانا محمد عثمان الميرغني، إذ شغل السيد أحمد الميرغني منصباً سياسياً في حكومة مايو عضواً في الاتحاد الاشتراكي، ثم في التعددية الثالثة أصبح رئيساً لمجلس رأس الدولة(مجلس السيادة) ممثلاً للحزب الاتحادي الديمقراطي، وتفرغ شقيقه الأكبر السيد محمد عثمان لشؤون الحزب السياسية وشؤون الطريقة الختمية الدينية. ولكن في حاضرنا اليوم، وكما يبدو جليّاً، فشلت هذه الصيغة في ضبط التوافق بين الشقيقين الطامحين سياسياً(الحسن وجعفر) فانفجر الصراع بينهما كما نرى هذه الأيام.
سارت الأمور داخل الحزب خلال الأعوام 2012 و 2014م بوجود السيد جعفر في القصر الجمهوري مساعداً للبشير والسيد الحسن مسؤولاً حزبياً بمسمى مسؤول الشؤون التنظيمية وهو الموقع الذي لا يزال يتمسك به حتى اليوم. ثم جاء العام 2015م وفيه كانت الانتخابات العامة حيث رفضت قيادات حزبية خوضها وأصرَّ السيد الحسن الميرغني على قرار خوض الحزب للانتخابات.
تفجّرت الأوضاع الداخلية للحزب الاتحادي الأصل على ضوء خلاف عاصف حول المشاركة في انتخابات 2015 م بين السيد الحسن الميرغني وبعض قادة الحزب. حسم الحسن الخلاف بشكل حاد وأعلن فصل جماعي لكل المختلفين معه وأبرزهم قيادات حزبية شهيرة عرفت بموالاتها لوالده الميرغني الكبير ومنهم علي السيد المحامي، طه علي البشير، البخاري الجعلي، وعلي نايل وآخرون بلغ عددهم 17 قيادياً. لم يشفع لهؤلاء القادة ولاؤهم للميرغني الأب ودفاعهم الشرس عن خيارات الأسرة الميرغنية في مواجهة قادة الاتحاديين مثل الراحلين محمد الأزهري وسيد أحمد الحسين وغيرهما ممن اختلفوا مع السيد محمد عثمان في غير ما محطة اتحاديّة حين كان الحزب موحداً.
الملاحظ أنّ السيد جعفر الميرغني لم يتدخل مطلقاً، لا خيراً ولا شراً، في تلك الخلافات التي وجدت صدى إعلامياً كبيراً خاصة بعد وصف الحسن للقيادات المفصولة بوصف “الدواعش”. وهو وصف قاس دفع أحد المفصولين للرد عليه بالقول: “سنسمو على ما أصابنا من مراهقي السياسة ومتعثري المصارف والبنوك من رشاش”- ربما نعود لتفكيك هذه العبارة الملغمة فيما بعد.
الأسلوب الحاد الذي تعامل به السيد الحسن الميرغني مع مخالفيه داخل الحزب كشف عن شخصية حادة ومندفعة نحو حسم الخلافات بالقوة التنظيمية ففقد كثيرا من التعاطف خاصة وسط شباب الحزب الذين كان بعضهم ينظر إليه كسيد محدث وسياسي شاب مجدد يقبل الرأي الآخر ويمكن أن يحدث فرقا في الحزب العجوز ولكنه سرعان ما تحول إلى ديكتاتور تحت التدريب بحسب تصريح القيادي الاتحادي المرحوم الشيخ حسن أبو سبيب قائلاً: “أعترف بأننا ساهمنا في تحويل الميرغني إلى ديكتاتور.” تلك العاصفة لم تنتهِ بسلام، فقد خرج الـ17 قيادياً وكونوا ما عرف بمجموعة “الأسكلا” التي نشطت خارج الحزب زماناً ثم انتهت إلى انضمام أبرز قياداتها إلى الحزب الاتحادي-العهد الثاني(تأسس عام2015) وهو الجناح المنشق من الحزب الاتحادي الأصل بعد قراره بمشاركة نظام الإنقاذ في 2012م.
والآن، ربما تظن عزيزي القارئ أنّ حظوظ السيد الحسن الميرغني في خلافة والده في قيادة الحزب قد تناقصت كثيراُ وأنّ حظه قد نفد. لا الأمر لم ينته بعد .. هناك عوامل أخرى يجب أخذها في الاعتبار.

 




المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي

اخبار السودان عاجل الان
موقع اخبار السودان ينشر اخر الاخبار السياسية العاجلة المباشرة و الاقتصادية  والفنية  لحظة بلحظة ومن جميع المواقع كل دقيقة خبر جديد

تنــوية هام : موقع اخبار السودان لايتبنى الآراء التى تتضمن قسم كتابات ولا الاخبار المنشورة ، الموقع عبارة عن محرك بحث اخباري فقط ولا يتحمل المسؤولية عن إي محتوى منشور  اقرا اخلاء مسؤولية

جميع الحقوق محفوظة © 2017-2025 www.sudanakhbar.com اخبار السودان Sudan News Inc Privacy Policy DMCA اتصل بنا اخلاء مسؤولية من نحن