اخبار الاقتصاد

جريدة لندنية: أزمة عميقة .. السودانيون ينتظرون وعود الحكومة بوقف انفلات الأسعار

 

تخوض الحكومة الانتقالية السودانية معركة شاقة لامتصاص غضب المواطنين من الارتفاع الهائل في الأسعار من خلال شن حملات متواترة على الأسواق، في خطوة اعتبرها خبراء أنها غير مجدية وتؤكد عجز السلطات عن إصلاح الأوضاع الاقتصادية بالشكل المطلوب.

الخرطوم – تحولت موجة الغلاء إلى أحد أهم التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية في عامها الثالث، ورغم الحملات التي قامت بها لتعديل بوصلة الأسواق، إلا أن قدرات الخرطوم على مواجهة غليان الأسعار يبدو أنها تتضاءل.

وبينما يأمل السودانيون في وقف غليان أسعار السلع الرئيسية، يشتكي التجار من عدم إقبال المواطنين بكثافة على محلاتهم التجارية بسبب ذلك الوضع.

ويجمع التجار على أن الزيادات الأخيرة في أسعار الوقود تسببت في ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج والتوريد وصولا إلى تكاليف نقل البضائع، مما انعكس على أسعار السلع.

ورغم محاولات الجهات الرقابية الحكومية لكبح جماح أسعار السلع، إلا أنها تختفي أمام نسب التضخم الصاعدة في البلاد إلى مستويات قياسية.

وبحسب البيانات الرسمية سجل معدل تضخم أسعار المستهلك السنوي في يونيو الماضي 412.75 في المئة، مقارنة بنحو 378.79 في المئة خلال مايو السابق له.

وكانت إحدى المعالجات التي نفذتها الحكومة، حملة شاملة لمراقبة الأسعار في الأسواق بالعاصمة الخرطوم والولايات المحلية استمرت لمدة شهر، وهناك احتمال بأن تعيد الكرّة متى تطلب الأمر ذلك.

وفي يوليو الماضي، نفذت وزارة التجارة والتموين حملة قومية لمراقبة الأسواق وضبط أسعار السلع، عبر حملات توعية وسط التجار، للإسهام في خفض الأسعار. وتهدف الحملة إلى إحداث استقرار في جانبي الوفرة والأسعار، بجانب تبصير المواطنين بحقوقهم وصولا إلى أسعار معقولة ومناسبة في السوق حسب التكلفة.

ويتألف الفريق المسؤول عن الحملة، من ممثلي الجهاز القومي لحماية المستهلك ونيابة حماية المستهلك، والمباحث العامة ومباحث التموين والجمارك والأمن الاقتصادي إضافة إلى المواصفات والمقاييس وإدارة المستهلك ومجلس تنظيم المنافسة.

وفي تصريحات صحافية سابقة، قال وزير التجارة والتموين علي جدو، إن الحملة تهدف في هذه المرحلة إلى توعية التاجر وحماية المواطن من الجشع والاستغلال ورفع الأسعار.

والحملة، بحسب الوزير، تمنح التجار فرصة تصويب أوضاعهم في ما يتعلق بوفرة السلع وعدم احتكارها وبيعها بأسعار مناسبة “هي حملة عادلة وليست حربا على التجار”.

وتتصاعد أسعار السلع الاستهلاكية بصورة مستمرة على إثر القرارات الاقتصادية التي أقرها السودان خلال الفترة الماضية، حيث طبق سياسة التعويم الجزئي للجنيه مقابل الدولار في محاولة للقضاء على الاختلالات النقدية في فبراير الماضي.

وفي يونيو الماضي، أعلن السودان تحرير أسعار الوقود بشكل كامل، وترك أمر الاستيراد لشركات القطاع الخاص دون تدخل من الدولة. وساهمت هذه القرارات في ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير إلا أن خبراء ومحللين اقتصاديين قللوا من فعالية الحملة في تخفيض أسعار السلع، لاسيما في ظل تبني السودان لسياسة التحرير الاقتصادي.

ويعاني السودان نقصا حادا في النقد الأجنبي وشحا في السيولة وسوقا سوداء ترتفع فيها قيمة الدولار على نحو متزايد، وهو ما يقوض قدرته على الاستيراد ويتسبب في ارتفاع الأسعار أيضا.

وقلل الخبير الاقتصادي علي الله عبدالرازق من جدوى حملات وزارة التجارة الأخيرة، على الأسواق ومراقبة الأسعار. وقال للأناضول “ليس عدلا ولا منطقا اقتصاديا أن تفرض الحكومة أسعارا محددة، في ظل تبني سياسة للتحرير الاقتصادي أو ما تعرف بـ’السوق المفتوحة”. وبرر ذلك، بأنه في ظل فلسفة السوق المفتوحة، فإن آلية العرض والطلب هي التي تحدد السعر في السوق.

ونبه عبدالرازق إلى أن الحكومة، أصدرت قرارات متصلة بإلغاء نظام الدولار الجمركي، وأخرى تتصل بتعويم سعر الصرف خلال الفترة الأخيرة، ما ساهم في أن يتجاوز سعر الصرف في السوق الموازية 450 جنيها لكل دولار. وكان سعر الدولار في السودان يبلغ 42.5 جنيها حتى قبل عامين.

وأوضح عبدالرازق أن سعر الصرف في السوق الموازية، هو سعر الواردات من السلع، بما يساهم بالضرورة، في ارتفاع أسعار السلع المستوردة، إضافة إلى تكاليف أخرى مثل النقل، وهامش الربح، والنقل الداخلي.

وأكد أن أسعار السلع وخاصة المستوردة منها، وأغلبها استراتيجية تدخل في قائمة السلع المعلن تحديد أسعارها من قبل وزارة التجارة، ستتضاعف في الأسواق. وأشار إلى أن القرارات الاقتصادية الأخيرة التي اتخذتها الدولة، ساهمت هي الأخرى في رفع أسعار مدخلات الإنتاج، ولجهة ارتفاع تكاليف النقل الباهظة، بسبب تحرير أسعار الوقود.

الحكومة الانتقالية تجد نفسها في موقف محرج من أجل المضي قدما في برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي وكبار المانحين الدوليين، بسبب المؤشرات السلبية التي ما انفكت تدخل إلى المنطقة الحمراء

في المقابل، رهن الأمين العام للجمعية السودانية لحماية المستهلك ياسر مرغني، نجاح الحملة القومية لمراقبة الأسعار في الأسواق، بتوفير كافة التعيينات الوظيفية للجهاز القومي لحماية المستهلك حتى يقوم بدوره المنوط به. ووصف الحملة بأنها محدودة لجهة أن تأثيرها يزول بانتهاء فترتها “المطلوب حملات مستدامة”.

وتجد الحكومة الانتقالية السودانية نفسها في موقف محرج من أجل المضي قدما في برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي وكبار المانحين الدوليين، بسبب المؤشرات السلبية التي ما انفكت تدخل إلى المنطقة الحمراء.

وتزايدت الضغوط على الحكومة من أجل الإسراع في انتهاج سياسات اقتصادية جديدة للحد من تراجع قيمة العملة المحلية ومحاصرة التضخم وتحقيق معدلات نمو مستقرة.

وتستهدف الحكومة في موازنة 2021 معدل تضخم بحدود 95 في المئة وتحقيق نسبة نمو بنحو 1.7 في المئة بنهاية العام الجاري، لكن بالنظر إلى الوضع الحالي فإنه من المستبعد أن تحقق ذلك الهدف.

وفي فبراير الماضي، عوّمت الحكومة جزئيا العملة المحلية ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار لأكثر من 375 جنيها من 55 جنيها السعر الرسمي قبل التعويم، في مسعى لجسر الفجوة بين السعر الرسمي وأسعار السوق الموازية.

وتبع التعويم زيادة سعر الدولار الجمركي الذي يبيعه البنك المركزي للتجار بغرض استيراد السلع في مارس الماضي، من 15 جنيها للدولار إلى 28 جنيها، الأمر الذي أشعل شرارة موجة جديدة من التضخم.

 

عن مصدر الخبر

جريدة العرب اللندنية