بحري – المقداد سليمان
“إلى نور الدين خاطر وابنتي نبيلة والأسرة العزيزة بنيالا حي السريف.. بحمد الله تم الإفراج عنا أنا وزملائي.. ونحن بخير وصحة جيدة، في طريقي إليكم بإذن الله بعد أن أقابل ابنتي آسيا التي تدرس في الجامعة بالخرطوم”.
كانت تلك هي الرسالة الأولى للمفرج عنه صديق خاطر عبر (اليوم التالي) إلى أهله بولاية جنوب دارفور وأسرته وأبنائه بحي السريف في نيالا، بعد إطلاق سراحه أمس (الخميس)، تنفيذاً لقرار العفو الرئاسي الصادر من الرئيس البشير؛ حيث شمل المحكومين بالإعدام والمتهمين في عدد من المعارك، أبرزها معركة أم درمان ضد حركة العدل والمساواة المتمردة في دارفور عام 2008م.
ساحة السجن القومي بالخرطوم بحري اختلف مشهدها أمس (الخميس)، عشر دقائق بعد الثانية ظهراً كانت الأجهزة الإعلامية حاضرة في باحة السجن لتوثيق اللحظة.. عدد من النزلاء كانوا ينشطون في إعداد ورتق الصيوان للاحتفال بالمناسبة، حولهم جنود وضباط السجن. إجراءات التأكد من هوية القادمين لا بدَّ منها، بل كانت حاضرة في البوابة الشمالية للسجن، بينما كان الفريق شرطة أبو عبيدة محمد سليمان، مدير الإدارة العامة للإصلاح والسجون، يقُلب ملفات المفرج عنهم داخل مكتب مدير السجن، قبل أن يلفت الصحفيين إلى أنه على أهبة الاستعداد للرد على أي استفسار بعد الاحتفال.
خرج المفرج عنهم إلى صيوان الاحتفال دفعتين، الأولى بلباس أزرق، وهم المشاركون في معركة أم درمان الشهيرة التي نفذتها حركة العدل والمساواة (2008)، كان من بينهم الدكتور عبد العزيز عشر.. قبل أن تلحق بهم الدفعة الثانية من أسرى معركة قوز دنقو باللباس الأبيض. بعض ذوي المفرج عنهم ومعارفهم شكلوا حضوراً؛ حيث كانوا يتفحصون المفرج عنهم ويلاحقونهم بالسلام وعبارات التهاني.
لا شيء يمكن أن يعبّر عن اللحظة بكمال فرحتها؛ فالزغاريد وبعض روائح البخور كانت تفوح داخل الصيوان الذي امتلأ بالحضور، ليست هناك مساحة للسلام والمصافحة، أو لأي شكل من أشكال التعبير المعتادة؛ فالبرنامج الذي أعد على شرف المناسبة انطلق واستهل الحديث فيه اللواء شرطة سعيد ضحية بخيت، مدير السجن، الذي قدم اعتذاره للمفرج عنهم، وخص التابعين لحركة العدل والمساواة برسائل، طالبهم فيها بالاستفادة من قرار العفو عنهم، وأن يلعبوا دوراً إيجابياً تجاه السلام، ودعوة إخوانهم الذين ما زالوا في الخارج. وقال ضحية إن عدداً من المفرج عنهم يجلسون هذا العام لامتحانات شهادة الأساس والشهادة السودانية، وتظل أبواب السجن مفتوحة لهم للعودة للجلوس للامتحانات في مركز السجن.
وفي كلمته، إنابة عن المفرج عنهم، قال عبد العزيز عشر إن كثيراً من الدول عانت من ويلات الحروب والدمار والفقر والجوع والمرض، لكن بعضها استطاع أن يتجاوز الآلام، وأشار إلى أن رفع السلاح لم يكن هدفاً بالنسبة لهم، لكنه تعبير عن أن للوطن قضية عامة، الأمر الذي يستوجب على الجميع الاتعاظ من الدورس لتعبر البلاد إلى رحاب التنمية والاستقرار والسلام الذي هو الأمل المنشود، وطالب عُشر بأن تكتمل الصورة بإطلاق سراح بقية الأسرى الذين ما زالوا في السجون، سيما إبراهيم الماظ وآخرين.
وقال الفريق شرطة أبو عبيدة محمد سليمان مدير الإدارة العامة للإصلاح والسجون، إنه تم تأجيل إطلاق سراح شخص واحد نتيجة لورود خطأ في اسمه، وسيتم إطلاق سراحه يوم الأحد المقبل، ليصبح المفرج عنهم (259) معتقلاً وفقاً لقرار رئيس الجمهورية، وأكد تعاون المحكومين مع إدارة السجون وتحليهم بالانضباط خلال فترتهم في السجن، وقال إن بعضهم نال درجة الدكتوراه داخل السجن، مثل عبد العزيز عشر، إضافة لمحو أمية عدد كبير منهم، وجلوس عدد منهم لامتحان الشهادة السودانية وشهادة الأساس من داخل السجن، وآخرون يباشرون الدراسة الجامعية من داخل السجن. وأوصى الفريق شرطة أبوعبيدة المفرج عنهم بمواصلة علاقاتهم مع إدارة السجن، خاصة أن إدارة الإصلاح العامة للسجون في أشد الحاجة لخدماتهم، مؤكدا أنهم أصبحوا جزءاً من إدارة السجون.
كانت مشاعر الفرح أكبر من أن يستوعبها نوع واحد من التعبير.. كان ثمة بكاء ودموع وزغاريد من النساء.. كان المشهد مختلفاً عما قبل انطلاقة البرنامج، ورغم ضيق المساحة إلا أن الصيوان اتسع لعناق الأسر مع المفرج عنهم وحاملي الكاميرات، إذ وثق البعض من خلال عدسات هواتفهم الذكية لحظات الاحتفال عن طريق الصور الجماعية وصور (السيلفي) مع المفرج عنهم.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي