السودان الان السودان عاجل

حوار مع استاذ السياسات الخارجية بالمركز الدبلوماسي – وزارة الخارجية الدكتور عبد الرحمن أبوخريس : لعنة الموارد” قد تقود مجلس الأمن إلى تغيير سياسي( جديد) في السودان!

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

# حركة 25 أكتوبر ، ليست إنقلاباً عسكرياً !

# المكون العسكري يعيش حالة أزمة ، وعزلة داخلية ، والمبادرة الأممية أكبر مخرج له.!

# المحاولات المدنية لإزاحة المكون العسكرى كلياً من الانتقالي، تجهل مخاطر الخطوة !

# تجاوب الأحزاب مع المبادرة سيؤدي لتهدئة الشارع بصورة كبيرة !

# مبادرة فولكر تعتبر أقوى المبادرات الدولية لمعالجة الأزمة في تاريخ السودان !
شغلت مبادرة الأمم المتحدة الأمريكية لاحتواء الأزمة السياسية في السودان الرأي العام العالمي بصورة كبيرة خلال الساعات الماضية، وتصدرت عناوين وحوارات قنوات الإعلام الداخلية والخارجية ، وسط تساؤلات عديدة حول أهميتها ، وطرحها في هذا التوقيت تحديداً ، وماذا تمثل الدعوة الأممية لأطراف الصراع في المشهد – السلطة والشارع والقوى السياسية المختلفة – لا سيما الأحزاب ، بل ماهي ظلال وتداعيات الرفض والقبول للمبادرة من القوى المختلفة في لجان المقاومة وتجمع المهنيين ، وفي ذات الوقت؛ هل باتت دعوة (فولكر) الأمل الوحيد للسودانيين في الاستقرار وتجنب المزيد من القتلى، والتشظي بجانب التهديدات بالتفكيك والحرب الأهلية؟، هذه المحاور وغيرها.. في ما يخص الدعوة الأممية ، طرحتها (اليوم التالي) على أستاذ السياسات الخارجية بالمركز الدبلوماسي لوزارة الخارجية الدكتور عبد الرحمن ابو خريس، من خلال هذا الحوار:

حوار – إبراهيم عبد الرازق

*أولاً هل مهدت حالة الصمت في الشارع السياسي وعدم وجود مبادرات محلية في ظهور هذه الدعوة من الأمم المتحدة؟
– ظلت الأمم المتحدة تتابع ما تعيشه البلاد من أوضاع مأزومة منذ تغيير نظام البشير، وحتى أحداث 25 اكتوبر. الذي حدث أنه لم يتحقق الاستقرار السياسي المفضي إلى إنجاح فترة الحكم الانتقالي المستقر..، أخذت الأزمة أشكالاً مختلفة بعد فض الاعتصام، أزمة الحكومة الأولى، ثم تشكيل الثانية بعد اتفاف جوبا وصولاً لظهور (قحت ب)، ثم اعتصام القصر، وأخيراً قرارات 25 اكتوبر 2021 التى أنهت شراكة المكون العسكرى (مع قحت أ) ثم استقالة رئيس الوزر اء بعد قيامه بعدة اتصالات تمثلت فى ثلاث مبادرات لتحقيق الإجماع الوطني، آخرها (ستة + واحد) التي فشلت جميعها، بالإضافة إلى أن مشكلة تمثلت فى البطء وخلط الأوراق والملفات. حمدوك بعد 25 اكتوبر أنه لم يبدأ بالإجراء التنفيذي المباشر بتكوين حكومة كفاءات مستقلة، وانشغل بمحاولات إعادة الإجماع الوطني الذى فشل فى تحقيقه قبل قرارات 25 اكتوبر، عندما كان جزءاً من الحرية والتغيير، وحتى بعد حضور البعثة الأممية للبلاد سعت باتصالاتها إلى البحث عن توسيع المواعين، الآن المهمة الأساسية ل(فولكر) المساعدة على تحقيق التحول الديموقراطي.
*طرح دعوة لحل الأزمة السودانية في هذا التوقيت تحديداً ، ما دلالاته؟
– التوقيت طرح المبادرة جاء بعد تقديم حمدوك لاستقالته واستمرار التظاهرات المنددة باتفاقه مع البرهان، مع تجاوزها لقوى الحرية والتغيير نفسها، حيث تعرض العديد من قياداتها للضرب والاستهزاء من قبل المتظاهرين، مما أظهر تأزماً وتفاقماً للأوضاع، الأمر الذى يؤثر على عملية التحول الديموقراطي ويهدد تنفيذ سلام جوبا، نتيجة لانعدام الثقة لدى عدد من المكونات، مع استمرار حالة الاحتجاجات، والغليان في الشارع. كانت إعادة الثقة بين الأطراف السودانية أمراً مهماً تنشده المبادرة، وصرح به المبعوث الأممي سابقاً.
* كيف تسعى أمريكا لإقامة نظام ديموقراطي في السودان، بينما كانت تحارب الفكرة وسط إجماع مراقبين أنها تضر بمصالحها ؟
– خطاب الحكومة الأمريكية الآن بقيادة (بايدن) الانتخابي يتحدث عن دعم الديموقراطية في العالم، كسياسة تنفيذية وانتخابية يعمل به في الأربع سنوات الأولى من فترة حكمة، صحيح الإستراتيجية الأمريكية في مداها البعيد، وتطبيقاتها على المنطقة العربية والأفريقية لا تدعم قيام نظم ديموقراطية تعتمد رأي الشعوب المناوئة لوجود الكيان الاسرئيلي في هذه المناطق، وخاصة الدول العربية الكبرى كالسعودية ومصر، ما تعتبره يشكل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية المتمثلة فى دعم الوجود الإسرائيلي الحليف الأمريكي، لذلك تعمل على دعم إسرائيل و الحفاظ على أمن إسرائيل لكن هذا لا يتعارض مع استراتيجية الحكومة – بحسب الرئيس الأمريكي المنتخب، أو الأحزاب الأمريكية المختلفة. تختلف الرؤى الاستراتيجية للتعامل مع تجارب التحول الديمقراطي فى المنطقة التى مثلتها فترات الربيع العربي، التى شهدت خذلاناً بيناً لها، وتنكراً لكل المواثيق والأعراف الدولية لدعمها وتحقيق الانتقال الديمقراطي وتعزيزه فى المنطقه، وهذا كشفته مؤشرات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه تجارب الانتقال فى دول الربيع العربي، على النحو الذي جعل الدعم الأمريكي يصل للرئيس السيسي، وليس للرئيس المنتخب محمد مرسي.
* ما الذي يميز هذه الخطوة الأممية نحو السودان عن سابقاتها؟
– مبادرة المبعوث الأممي الألمانى فولكر؛ تعتبر أقوى المبادرات الدولية لمعالجة الأزمة في تاريخ السودان، لأنها مسنودة من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وبتفويض من الأمين العام للأمم المتحدة وبقرار من مجلس الأمن، ودعم من أمريكا وبريطانيا ودول الترويكا ، وترحيب من الإمارات ومصر، هذا بجانب عدد كبير من الدول والمنظمات يمكن أن تنضم لهذه المبادرة لاحقاً. فولكر يقود المبادرة عبر أدواته التى اعتمدها خطاب تكليفه؛ المستند على الفصل السادس المتمثلة فى التفاوض والاتصال السياسي والدبلوماسي والحوار لتحقيق الانتقال الديمقراطي، وهى أدوات تتسق ومهامه الرسمية. هي في تقديري المبادرة الأساسية التى يستند عليها مجلس الأمن الدولى فى قراراته، والتحويلية لقدرتها لإحداث تغييرات سياسية للأوضاع فى اتجاه الاستقرار والانتقال فى حال اتفاق الأطراف ، او اللا استقرار والحرب أو الفوضى، فعلى الأطراف إجراء قراءة واقعية لمسار السياسات الإقليمية والدولية الرامية إلى إضعاف السودان وجعله دولة فاشلة من خلال تدخل الأمم المتحدة الذى لم يحالفه التوفيق فى العديد من التجارب.
* ما الذي تحتاجه المبادرة لتنطلق إلى الأمام ؟
– المبادرة تحتاج التدشين من قبل فولكر بمشاركة من جميع القوى السياسية والكيانات الاجتماعية، تحتاج لتجميد اللاءات الثلاثة، حتى تكتمل الدراسة والتقييم للمقترح وتسجيل وتدوين نقاط التحفظ والرفض لبنودها، حتى تتضح الرؤية للمجتمع الدولي الذي يؤمن بأن الحكومة المدنية لا تأتي إلا عبر الانتخابات، إذا قام فولكر بالضغط على الجهات الممانعة؛ أعتقد أنه سينجح فى إحداث تقاربات بينها والعسكر، إلا إذا اتخذ موقفاً مسبقاً من طرف ضد آخر، ففى هذه اللحظة لا يستطيع إنجاح مهمته، لكن من جانب آخر الحكمة تقول “النار بتحرق الواطيها” تحتاج القوى السياسية الى تغليب روح المصلحة القومية بأهمية إدراك حجم التهديدات التى يعيشها البلد، والتراخي الأمني المتمدد والتراجع الاقتصادى وغيرها، مؤشرات تحتم التناول الجدي للمبادرة الأممية وعدم التراخي فى التعامل معها؛ خاصة أن “لعنة الموارد” قد تصيب أعضاء مجلس الأمن الدولى ويصدرون قرارات ويدعمونها فى اتجاه إنجاز تغيير سياسي قد لا يحقق مصالح القوى السياسية، فهذه فرصة يجب الاهتمام بها والتعامل بجدية؛ حتى لا يفرض على السودان حلول جاهزة ومن الخارج.
* لجان المقاومة تضغط بصورة كبيرة، وأضحت لاعباً مهماً في المشهد، كيف تقرأ نشاطها في الشارع السوداني؟
– الكيانات الجديدة.. مثل لجان المقاومة وتجمع المهنيين ، هي تنظيمات اجتماعية ساهمت في ظهورها بعض الأحزاب ومنظمات أخرى، وفعلاً هي أسقطت النظام، لكنها تفتقر للقيادة الموحدة المعلومة، خاصة فى هذا التوقيت الحاسم.
* لكن هذه اللجان لازالت عصية على التسييس، رؤيتها أكثر وضوحاً ، ومراقبون اعتبروها الأقوى؛ إذ أفشلت مخططاً لنظام عسكري في السودان بالتزامن مع بديل لأبي أحمد في اثيوبيا؟
* يتردد هذا، لكن في تقديري احتمال ضعيف ، لا أعتقد أن تعمل قوى خارجية على تغيير نظامين في وقت واحد في الإقليم، ربما إذا تحقق كان سيخدم بعض المصالح، في ما يلي قضية سد النهضة ، لكن التأويل بعيد بالنسبة لي ، كثر الحديث مؤخراً عن ضرورة إيجاد هيكلة للجان المقاومة، و هي فعلاً نحتاج لإعلان هيكلتها وبرنامجها ونظامها الأساسي ، وليكون لديها رئيسها وأمينها العام والمتحدث باسمها كما يمكن لها أن تتحول إلى تنظيم سياسي يسعى الى السلطة عبر الانتخابات، هذه حقوق مشروعة، خاصة فى ظل رفضها للتعامل مع الأحزاب التى تجاوزتها فى التمثيل فى الحكومة المقالة.
*من الواضح عدم رضا لجان المقاومة عن الطرح الحالي وتمسكهم باللاءات الثلاثة، ما السبيل لإقناعهم؟
– هناك أيدٍ تتحكم بشكل أو بآخر في تحريك لجان المقاومة، لا أتوقع أن تتوقف اللجان عن الاحتجاجات حتى حال إيجاد حكومة منتخبة، ويمكن ملاحظة ذلك الحراك النشط من هذه اللجان قبل 25 اكتوبر لم يكن بهذا الزخم الذي نشهده الآن، لأن الأحزاب كانت حاكمة آنذاك، واليوم تقف معهم الآن في مطالبهم ولتحقيق مصالحها، في تقديري إذا تغيرت مواقف الأحزاب بصورة إيجابية نحو المبادرة والحوار والحل، سيتبع ذلك تغيراً في نشاط لجان المقاومة وسيهدأ الشارع للوصول الى المخرج من الأزمة .
* من الواضح حتى الآن احتفاء المكون العسكرى بالدعوة الأممية ، ماذا تمثل له بتقديرك؟
– المكون العسكري الآن يعيش حالة أزمة ، وهذه المبادرة بمرجعياتها تعتبر أكبر مخرج له، علماً بأنه أكد على حرصه على تسليم السلطة لجهة منتخبة، وهذه الخطوة ستوفر له ذلك، لأنه يعاني من عزلة داخلية لقراراته؛ حيث لم يجد حاضنة تؤيدها، إلى جانب أن هنالك إجماع على أن ماتم في هذا التوقيت انقلاب عسكري، على الرغم من أن القرارات التى اتخذها لم تلغي الوثيقة الدستورية أو شكل الحكم القديم، كما أنها لم تسلم السلطة الإدارية لمنسوبي الأجهزة العسكرية، ولم تنقلب على حكومة منتخبة بالأساس، وإنما حكومة انتقالية توافقية، وهذا ما دفع كثير من القوى الدولية عدم توصيفها بالانقلاب، فلا يمكن توصيف ذلك انقلاباً كامل الأركان، هذا ليس دقيقاً ، لكنها تحدثت عن إجراءات لتصحيح مسار الانتقالية في ما يتعلق بالحكومة الحزبية والوثيقة الدستورية ولجنة التمكين، بدليل أنه أعاد رئيس الوزراء..، المبادرة مهمة للعسكر، لأن مطلقيها معترفين بدور وأهمية المكون العسكري في تحقيق الانتقال الديمقراطي فى 1985/1964 ودوره في حفظ الوحدة والاستقرار بالبلاد والإقليم، بالإضافة باعتباره شريكاً أصيلاً فى الفترة قبل 25 اكتوبر بنص الوثيقة الدستورية التى تسعى قوى الحرية والتغيير إبعاده أيضاً، فكل طرف يوظف قدراته فى إبعاد الآخر المكون العسكرى من خلال سيطرته على مصادر القوة المادية أبعد المكون المدني فى 25 اكتوبر، والآن المكون المدني يوظف القدرة الاجتماعية عبر الشارع لإزاحة المكون العسكرى كلياً من المشهد السياسي الانتقالي، دون إدراك لمخاطر تلك السجالات وتداعياتها داخلياً وحتى إقليمياً ودولياً .
*ماذا لو غابت بعض القوى المهمة عن المبادرة أو تأخرت في المشاركة على الأقل ؟
– الغياب النهائي عن الخطوة الأممية ليس في مصلحة الحزب الشيوعي ولا تجمع المهنيين ولا لجان المقاومة ولا أي مكون سوداني مهما كان حجمه وتاريخه، البلد مقبلة على سيولة أمنية وسياسية تنذر بالتفكك والضياع، فعلى الكيانات السياسية دراسة المبادرة وتقدير الفرص التى يمكن الإستفادة منها فى تحقيق الانتقال الديمقراطي، الى جانب تأثيرات حجم الانسداد في الأفق السياسي وما يفرزة من تهديدات على الاستقرار، والاستفادة من روح الوفاق لتثبيت وجودها في المرحلة الانتقالية وتحقيق خطوات للأمام تؤتي ثمارها لاحقاً عند الوصول للتحول الديموقراطي عبر صناديق الاقتراع.

 

 

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي