لا بد من إنشاء مناطق صناعية للجلود للتصنيع المحلي
حوار: محمد إسحاق
قطاع الجلود من القطاعات التي أهملت كثيراً في الآونة الأخيرة نسبة لعدم التطور في مجال الصناعات الجلدية المحلية، الأمر الذي أدى إلى تصدير الجلود كمادة خام بدلاً عن تصديرها مادة مصنعة لأجل التنافس مع الصناعات الخارجية وتحديداً مع الدول المتطورة صناعياً، وهنا يعاني قطاع الجلود من عدة مشكلات متمثلة في توقف عدد كبير من المدابغ ومصانع الأحذية وغياب الرؤية لإنشاء مناطق صناعية للجلود حتى تصدر كمنتجات مصنوعة وتساهم في الحد من الاستيراد، كل ذلك الإهمال والتهميش من الدولة قد تترتب عليه آثار سالبة منها عملية تهريب الجلود السودانية إلى الدول المجاورة بكميات كبيرة جداً وتباع بأرخص الأثمان، ويبدو أن عملية تهريب الجلود ظهرت في ظل غياب دور الدولة في عملية رقابة الحدود بين هذه الدول المجاورة، وفي حوار أجرته (اليوم التالي) مع رئيس الاتحاد الأفريقي للجلود والمنتجات الجلدية صلاح عبدالله العوض فإلى مضابط الحوار..
حدثنا عن قطاع الجلود في السودان؟
السودان يمثل موقعاً استراتيجياً مميزاً، ولديه ثروات قومية خاصة الثروة الحيوانية وتباين في المناخ وثروة حيوانية ضخمة من الأغنام والأبقار والأبل والماعز والضأن والثروة السمكية وجلود الحيوانات الوحشية والسودان لديه ثروة حيوانية ضخمة تقدر بـ١٣٠ مليون رأس ولديها طرق معبدة ومدابغ للجلود تستوعب على مستوى أفريقيا والسودان بجانب مراكز لتحسين جلد الخام ومركز للتكنولوجيا لتدريب الفنيين وحاضنة تحتضن المنتجات الجلدية ومراكز لتكنولوجيا الجلود في كررى بمبلغ ٢ مليون يورو ساهمت ولاية الخرطوم منها بمليون يورو لاستخراج المنتجات الجلدية.
أبرز المشاكل التي تواجه قطاع الجلود؟
المشاكل التي تواجه قطاع عديدة منها غياب دور الدولة وغياب الحافز للمنتجين وغياب التسويق ووجود المستثمرين الأجانب في هذا القطاع وعدم الضرائب والجمارك والقيمة المضافة والأتاوات التي تؤخذ من حصيلة الجلود حتى نصل إلى مرحلة الإنتاج وارتفاع في أسعار الدولار.
هل تطور السودان في مجال صناعة قطاع الجلود؟
نحن ما زلنا في مربع الألف لم نتحرك خلال ١٠٠ عاماً التي مرت علينا لم نتحرك من هذا المربع لأسباب عدة، منها عدم وجود رؤية واضحة من اتحاد الصناعات ووزارة الصناعة التي لن تسمح لها الدولة بفرض هيبتها ومكانتها بالكامل في مجال الصناعة يعني لا يوجد توجيه ولا يوجد حافز وعقوبات لذلك صناعة الجلود لم تتطور حتى الآن محلياً، لذلك نحن محتاجين إلى قرارات قوية وصارمة من الدولة لمنع بتصدير الجلد الخام وتحفز الناس لتصنيع المنتجات الجلدية ومنع عملية الاستيراد للأحذية البلاستيكية التي تكلف للدولة أموالاً طائلة ونتجه إلى تشغيل المصانع والورش المغلقة ونصدر منتجات جلدية.
أين مساهمة الجلود في عملية الصادر؟
الصادر من المفترض وبأبسط حاجة أن نصدر مليار دولار سنوياً وللأسف نحن الآن نصدر فقط حوالى ١٥ مليون دولار سنوياً في حين الذي من الأفضل أن نصدر سنوياً مليار دولار ونشغل عمالة كبيرة ومهندسين وفنيين ومصانع للمنتجات الجلدية تصنع محلياً في السودان ومشاركات أجنبية تأتي إلى السودان لتشاركنا لأن هذا المنتج في النهاية يتم تشغيله بأيدي وخبرات أجنبية، لكن غلاء العمالة والضرائب العالمية يمثل السبب المانع في ذلك.
وما المانع في ذلك؟
عدم وجود سياسات واضحة من الدولة ونحتاج منطقة صناعية متخصصة للجلود تضم جميع الاحتياجات الجلود من جمارك وبنوك وورش ومدابغ ومصانع أحذية ومصانع للكيماويات والسوق الحر ومخازن للمستثمرين وإعادة التدريب ودخول المنظمات العالمية لتساعدنا في الشراكات الأجنبية وأن يكون لدينا عرض جميل للمشاركة في المعارض العالمية ومساهمة للمنتجات في التصنيع المحلي، والآن توجد جلود للدخول في التصنيع المحلي لأسباب تعود إلى أن المصانع والمدابغ معظمها متوقفة والسبب الآخر المنتجات البلاستيكية الموجودة في السوق المحلي انتهت من صناعة الجلود لأن الناس أصبحوا يشترون الجلود المشطفة بأسعار عالية من صناعة البلاستيك.
ما هي الأسباب التي أدت إلى توقف المدابغ؟
الأسباب نحن في السودان لم نتطور في مجال صناعة الجلود والدول تطورت في مجال صناعة الجلود والمستهلك أصبح يريد الجلود المشطفة ومنتجات جلدية ونحن في السودان تخلفنا كثيراً بالرغم وجود تجار الجلود والعلماء والمياه العذبة والكهرباء الرخيصة والعمالة والشمس المشرقة وكل شيء لتطوير صناعة المنتجات الجلدية في أقل وقت ممكن.
في الفترة الماضية كانت الجلود تصنع منها أحذية القوات المسلحة؟
في هذا الموضوع كانت وزارة الصناعة في عهد المهندس علي أحمد عثمان وزير الدولة آنذاك ركز في تشغيل قطاع وشركات النسيج ورأى أن البلاد تستورد أحذية العسكر (البوت) بكميات كبيرة وأنه من الأفضل أن نشغل مدابغ الجلود والورش وبدأ برنامج العمل ولكن للأسف تولى إدارة مدبغة النيل الأبيض مستثمر أجنبي وقام بإلغاء جميع التعاقدات والورش وأصبح العمل محتكراً فقط لمصنع واحد في السودان أي أنه أوقف جميع الورش والمصانع الجلود ومصانع الأحذية في الوقت الذي كانت صناعة الجلود في طريقها إلى التطور في زيادة صناعة خلاف الأحذية العسكرية وكان يمكن أن يصنع أحذية للطلاب وللعمال وللمدارس وللموظفين والآن صناعة البوت العسكري مستمرة بالمصنع لكن محتكرة فقط لمصنع مدبغة النيل الأبيض وتحت إدارتها أجانب ومن المفترض إعطاء فرصة للآخرين للمنافسة في هذا المجال ونحن لدينا في السودان ٥٠٠ مدبغة ومصانع.
كيف نطور من صناعة الجلود محلياً؟
صناعة الجلود لا تحتاج إلى رأس مال هي عمل ساهل لكن تحتاج إلى تكاتف كل الناس وبشرط أن الدولة تمنع تصدير الجلد الخام منعاً باتاً حتى ينتقل الناس إلى مرحلة أعلى منها الجلد يكون جاهزاً للتصنيع والمرحلة بعدها هي مرحلة تكوين الجلد للحصول إلى منتجات جلدية كالأحذية والجكتات والجونتات والمفروشات للسيارات والمنازل والطائرات وهذه كلها لا تحتاج إلى إمكانيات فقط تحتاج إلى إدارة لدى الدولة ونحتاج إلى تجهيز المدابغ في منطقة واحدة وأيضاً نحتاج إلى شراكات أجنبية لتساعدنا في تطوير ونهضة صناعة الجلود.
هناك عملية تهريب الجلود إلى الدول المجاورة كيف تتم محاربتها؟
المنتجات الجلدية خاصة الأبقار معظمها تهرب إلى دولة نيجيريا وأنا أفتكر أن لديهم حق في ذلك لأن السودان لا يمتلك مدابغ لتستوعب كميات الجلود في الوقت الحالي ما لم نشغل المدابغ المتوقفة ونمنع استيراد الأحذية ولا بد من تصنيع الجلود محلياً وما لم نعمل بتحسين الجلود والحيوان الحي لأن فيه أمراض تصيب الحيوانات كالجدري والقراد ومن الضروري معالجة الحيوان الحي وهناك منظمات لديها استعداد كمنظمة الفاو أن تساهم بـ١٠ مليون دولار وكثير من المنظمات والشركات لنستفيد من منتجاتها ونطور الجلد الخام ونطور في المنتجات الصناعية الجلدية جميعها.
هناك هدر في كثير من الجلود بسبب أخطاء سلخ الجلد هل هناك تدريب للسلاخين؟
طبعاً السلخ نحن نسبياً في الجلد الماعز أفضل لأن الجلد أساساً في الذبيح الكيري بيحصل ليه انتفاخ في الجلد ومن ثم يحصل عملية جر الجلد ولكن جلد البقر لا يستطيعون ذلك إلا عن طريق عملية السلخ داخل المسالخ وهناك عملية الكي يفقد الجلد القيمة المضافة لذلك نحتاج إلى تدريب، أما جلود الإبل عندها فائدة كبيرة ونجد أن هناك ظاهرة خطيرة تهدد فقدان عدد كبير من الثروة الحيوانية هي عملية ذبيح الإناث بنسبة ٩٩% بسبب أن أسعار الإناث أرخص من الذكور ولا بد للدولة من منع هذه الظاهرة بذبيح الإناث من الضأن وبهذه الطريقة يأتي يوم من الأيام لم نجد اللحوم للتصدير في البلاد بسبب ذبيح الإناث ونستورد اللحوم ولذلك لا بد من فرض رقابة مشددة بتدخل الأمن لمنع عملية ذبيح الإناث مهما كان الأمر.
حدثنا عن مساهمة قطاع الجلود في الناتج المحلي للقيمة المضافة؟
مساهمة قطاع الجلود في القيمة المضافة هي ٣٥% فقط من الناتج المحلي ونحن نستورد منتجات الأحذية ما بين ٥ إلى ٨ مليار دولار سنوياً وفي شهر أو يوم بنستقبل٤٠ حاوية ٤٠ قدم من الأحذية البلاستيكية من الدول المجاورة بدلاً أن نصنع ذلك محلياً ونصدر إلى الدول المجاورة بدلاً أن نستورد من دول المجاورة ليست لديها مدابغ الجلود.
ما المانع بتوقيف استيراد المنتجات البلاستيكية؟
هذه سياسة الدولة والآن هناك تجارب ماثلة مثل دولة إثيوبيا كانت مثلنا لكن الآن تطورت وأصبحت شركاتها الأجنبية شغالة وأصبحوا يبيعون المنتجات الجلدية من ٢ إلى ٣ مليار دولار سنوياً من المنتجات الجلدية تعمل بصورة كبيرة علماً بأن وضعنا نحن أفضل من إثيوبيا فهي ليس لديها ميناء ونحن لدينا ميناء وإثيوبيا جلودها صغيرة الحجم، بينما نحن جلودنا كبيرة وسكان إثيوبيا أكبر من تعداد السودان من حيث السكان كما أن نحن لدينا فرص ونخرج سنوياً عدداً كبيراً من الطلاب بدرجة البكلاريوس والدبلوم في مجال الجلود من جامعة السودان.
كم عدد المدابغ للجلود الموجودة في السودان؟
لدينا (٢٩) من المدابغ تعمل منها فقط ٤ أو ٥ والبقية متوقفة بسبب جائحة كورونا وهناك من الدول الخارجية لا يريدون للسودان أن يتطور في هذا المجال كما هناك أشخاص تملكوا المدابغ في السودان وأصبحوا يذهبون ويصنعون إلى خارج السودان خوفاً من السودانيين إذا نحن وصلنا إلى هذه المرحلة قطعاً سنقطع أكل عيشهم فلذلك لابد من تشغيل المدابغ المتوقفة وإنشاء مناطق صناعية خاصة في السودان.
هل هناك اتجاه لإنشاء مناطق صناعية بالبلاد؟
المنطقة الصناعية موجودة وهناك مقترح والدراسات موجودة والمدابغ موزعة ومجهزة في كل من منطقة الجيلي وهناك منظمات وشركات أجنبية مستعدة لتساعدنا ولا بد أن نجمع المناطق الصناعية في مكان واحد للتخلص من التلوث البيئي ونساعد المدابغ كلها للعمل وإنشاء معاهد لمساعدة الناس وإنشاء منظومة كاملة للمناطق الصناعية وتشغيل عدد كبير من بيوت الخريجين وفاقدي التعليم.
المصدر من هنا