تقرير: عمر البكري أبو حراز
إدارة أمريكا لعلاقاتها الخارجية تتم في مسارات متعددة متوازية لا تتقاطع، لكنها في النهاية تصب في مستودع واحد كامل الترتيب الزمني، والأمني، والاستراتيجي، والاقتصادي، وهو مستودع الرئاسة التي تتلقى خلاصة المعلومات والتحليلات والتوصيات في كل مسار عن كل بقعة من بقاع العالم، وذلك عبر مؤسسات ووكالات متخصصة لا يوجد تشاور أو تنسيق بينها، حتى لا تتأثر توصيات كل مسار بتوصيات المسار الآخر، وتقوم مؤسسة الرئاسة بتجميع التوصيات وتحليلها ومضاهاتها ليصدر القرار النهائي، لذلك قد تبدو من الوهلة الأولى تناقضات بين القرار الرئاسي وبين توجهات بعض المسارات، وهو ما حدث مؤخراً في أمر تنفيذي جديد صدر في 6 مارس 2017 تحت مسمى (حماية الدولة من دخول الإرهاب الأجنبي الى أمريكا)، الغى بموجبه الرئيس ترامب الأمر التنفيذي رقم 13769 الصادر في 27 يناير 2017م، والذي تعطل تنفيذه بتدخلات قضائية.. في هذا الأمر التنفيذي الجديد أعاد ترامب حظر دخول مواطني ست دول بدلاً عن سبع وهي ايران، وليبيا، وسوريا، والسودان، واليمن، والصومال وأخرج العراق من الحظر.
إعادة إدراج اسم السودان في الحظر مرة أخرى، قد يبدو متعارضاً مع خطوات التطبيع الأخيرة، والمتمثلة في الرفع الجزئي المشروط للعقوبات الاقتصادية، ومع بوادر وصول وفود أمريكية من الخارجية ورجال أعمال زاروا السودان الأسبوع الماضي.. حقيقة لا يمثل الأمر التنفيذي الجديد ردة أو نكوصاً عن خطوات أمريكا الجادة في التطبيع مع السودان، إذ يشير الأمر التنفيذي الجديد في الفقرة (4) من أسباب إدراج اسم السودان في قائمة الحظر على مواطنيه من دخول أمريكا كما يلي: (تم تحديد أن السودان دولة راعية للإرهاب منذ العام 1993م؛ بسبب دعمه لمجموعات إرهابية تشمل حزب الله وحماس.. تاريخياً أتاح السودان ملاذاً آمناً لتنظيم القاعدة ومجموعات إرهابية أخرى تتلاقى وتتجمع وتتدرب في السودان.. بالرغم من توقف دعم السودان لتنظيم القاعدة وإبداء تعاونٍ مع الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، إلا أن هناك عناصر من لب القاعدة وعناصر مرتبطة بداعش ما زالت نشطة في السودان)، أُخذت هذه الفقرة من تقارير لوزارة الخارجية الأمريكية في عامي 2015 و2016م- كما ذكر الأمر التنفيذي الأخير..
وتحدد الفقرة (f) السادسة من الأمر التنفيذي أن الرئيس ترامب يصدر أمراً مؤقتاً بحظر مواطني الدول الست من الدخول الى أمريكا خلال تسعين يوماً، يتم فيها إعادة النظر في الحظر بدراسة حالة كل دولة متفردة وتطورات التزامها بمحاربة الإرهاب.. عليه فإن هذا الأمر الأخير غير مزعج ولا يتعارض مع خطوات التطبيع مع السودان والتي ستتم في 8 يوليو 2017م، إذا واصل السودان في تطبيق خطواته الإصلاحية الحالية حسب متطلبات قرار أوباما في يناير الماضي.
والآن أمام هذا التطور الكبير نحو التطبيع الكامل، يتعين على الحكومة الاختيار الواضح دون لبس أو تردد لطريق واحد من اثنين: إما الرغبة الجادة في مواصلة خطوات التطبيع مع أمريكا ومصالحة المجتمع الدولي وصولاً الى سلامة واستقرار السودان، أو التردد وجرجرة الأرجل تحسباً لأي ضغوط داخلية أو خارجية من دول غير أمريكا وأوروبا مثل الصين، وايران، وروسيا، وفي هذه الحالة يجب العودة الكاملة الى صمود الإنقاذ لأكثر من عشرين عاماً تحت شعارات (أمريكا قد دنا عذابها** ونأكل مما نزرع* ونلبس مما نصنع)، ونعود الى دعم حماس وحزب الله وإيران لأنه لم يعد هناك متسع من الوقت للمناورة وركوب سرجين لما تملكه أمريكا ودول أوروبا من وسائل عالية الدقة في رصد أية تحركات بشرية، مالية أو تدريبية لعناصر إرهابية، إذ أن ذلك يهدر وقتاً غالياً وتعود عقوبات أمريكا كاملة بعد يوليو 2017م.
مواصلة مسار التطبيع تتطلب الآتي:
أولاً: بسط الحريات كاملة والسماح غير المقيد لأنشطة الأحزاب السياسية داخل وخارج دورها.
ثانياً: وقف كل الحروبات والمواجهات الداخلية والتفلتات الأمنية في دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، عبر التوصل العاجل لاتفاق مع الحركات الدارفورية والحركة الشعبية قطاع الشمال، وتجاوز خارطة الطريق المعقدة، ولو أدى ذلك الى التنازل عن هيكلة الحكم الحالي الولائي وإعادة الحكم الفدرالي التام في ستة أقاليم كبرى- كما كانت سابقاً- وهي دارفور، وكردفان، والخرطوم، والأوسط، والشمالي، والشرقي مع إضافة اقليمين جديدين هما جنوب كردفان والنيل الأزرق، إعمالاً لاتفاقية السلام الشامل في بندها الخاص بالمشورة الشعبية للمنطقتين، الذي يمنحهما ذلك التميز، ويجب أن لا يشكل استفتاء دارفور الأخير بالابقاء على الولايات الخمس عقبة في إعادة دارفور الى اقليم واحد متسقاً مع باقي الأقاليم.. تعديل قرار الاستفتاء أهون وأقل أثراً من تعديل الدستور الذي تم من قبل وسوف يتم لاحقاً.
ثالثاً: المساهمة الإيجابية العاجلة في حل مشكلة جنوب السودان، وإعادة الاستقرار إليه حتى يعود انسياب البترول عبر الشمال بما يساهم بدرجة كبيرة في رفع المعاناة اليومية للمواطنين، إضافة الى التفكير الجاد في إعادة الوحدة بين الدولتين في شكل كنفدرالي.
رابعاً: خفض المصروفات الحكومية على هياكل الحكم المترهلة في ثماني عشرة ولاية وباقي الإنفاق الحكومي وتخصيص عائده للخدمات الضرورية مثل المياه والتعليم، والصحة، والنفايات.
خامساً: رفع المعاناة اليومية يتطلب دعومات كبيرة عاجلة من دول الخليج خاصة في سلع البترول، والدقيق، والأدوية مع زيادة الاهتمام بمراكز العلاج الحكومية، أو توسيع دائرة وقيمة التأمين الصحي ليشمل كل المراكز والمستشفيات الخاصة.
سادساً: إزالة الجفوة والتوترات الحالية مع جمهورية مصر، وذلك بإزالة كل الأسباب التي أدت إليها سواء أكانت موضوع سد النهضة أو حلايب، أو اتهام مصر للسودان بإيواء عناصر إسلامية معارضة لمصر، وكذلك على مصر وقف دعم المعارضة السودانية والعمل الإيجابي لإنقاذ دولة جنوب السودان دون الانحياز الى أي طرف من الأطراف المتصارعة.
سابعاً: إبعاد المشاركة في الحكومة الجديدة من معايير المكافأة للأحزاب والمجموعات، التي شاركت في الحوار الوطني، وقصر تلك المكافأة على التمثيل في المجلس الوطني والمجالس التشريعية والحكومات الولائية.
حكومة الوفاق الوطني يجب أن تكون قليلة العدد عالية الكفاءة والتخصص.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة آخر لحظة