السودان الان

مأزومة ومكتومة.. ثمة توتر بين القاهرة والخرطوم لا ينبغي أن يطول.. فهل نتوقع قمة سودانية مصرية على هامش القمة العربية بعمان؟

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

القاهرة – صباح موسى
تشهد العلاقات المصرية السودانية هذه الأيام أزمة تبدو مكتومة تظهر تجلياتها في أخبار كثيرة وتبادل اتهامات.. الملفت فيها أن معظمها على لسان (مصادر)، فهل هذه الأخبار تسريب من جهات مسؤولة أم أنها انعكاس لحال القاعدة العريضة في الخرطوم والتي تشن اتهامات كبيرة تجاه القاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك ما يشبه الحملات على (الفيس بوك) تنتقد الموقف المصري من السودان. ويقول المراقبون إن ردود الفعل جاءت كنتاج لما جاء بوسائل الإعلام المصرية عن السودان. وفي كل الأحوال، ثمة اتهامات متبادلة على المستوى السياسي بين البلدين، فهل يمكن أن نتنبأ بهنات جديدة لهذه العلاقات في مقبل الأيام؟
بداية الأزمة
بدأت الاتهامات بخبر تصدر الصحف المصرية عن أن السودان يأوي عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، وأن عناصر إرهابية تتلقى تدريبات داخل الخرطوم، وهو ما نفته الخرطوم على الفور بأنها لا يمكن أن ينطلق من أراضيها أي ضرر لمصر، وجاءت صعوبة الخبر في أنه نُشر بعد قرار رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، بما فسره الرأي العام والمراقبون على أنه مؤشر على أن مصر لا ترضى برفع هذه العقوبات، وأنها تعمل للتشويش على القرار، وما أيد هذا الحديث هو تأخر القاهرة عن تقديم المباركة للخرطوم عن رفع العقوبات، حيث جاءت التهنئة متواضعة من الجارة الشقيقة على لسان مسؤولين في الخارجية المصرية، في وقت كان ينتظر فيه السودان تهنئة من الرئيس السيسي نفسه أو من وزير الخارجية سامح شكري، على أقل تقدير. بيد أن الإعلاميين المصريين يردون على ذلك بأن خبر وجود عناصر إرهابية مصرية تتلقى تدريبها بالسودان، كان بياناً من النيابة العامة المصرية واعترافات لمتهمين، وأن الإعلام هنا كان ينشر نص تحقيقات وليس اتهامات، كما فهم الجانب السوداني.
تسريبات كثيرة
الأجواء السودانية توترت تجاه مصر بعد تسريبات كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، بأن القاهرة لا تريد خيراً للسودان، وهنا بدأت حملات كبيرة ضد مصر ونداءات بمقاطعة كل المنتجات المصرية ورصد كل الأخطاء المصرية عبر التاريخ تجاه السودان، ولعبت جهات كثيرة من وراء حجاب لتأجيج هذا الغضب تجاه مصر، وانتشرت أخبار كثيرة تدين مصر، الأمر الذي زاد من غضب السودانيين، ويأتي حديث الرئيس البشير بأن القاهرة تدعم حكومة جنوب السودان بالسلاح، وهنا انتفض الداخل المصري برفض هذه التصريحات، وانتشرت تقارير إعلامية مصرية بأن التقارب مع جنوب السودان إنساني وليس أمنياً، للظروف التي تعيشها جوبا من مجاعة، ونفت حكومة جنوب السودان من جانبها هذا الحديث تماماً وسط صمت من جانب الحكومة المصرية، وفسر المراقبون ذلك بأن القاهرة لا تريد أن ترد على اتهامات حتى لا تؤجج الساحة وخصوصاً مع السودان البلد الأقرب.
استهجان مصري
ما زاد من لهيب الأزمة هو خبر أن المخابرات المصرية تكثف من اتصالاتها مع ممثلي الحركات المسلحة السودانية بالقاهرة، وهو ما تعامل معه الإعلام المصري بالاستهجان، متعجبين من هذه التصريحات، مؤكدين أن القاهرة لا يمكن أن تنتهج هذا الأسلوب. الخبر جاء مجهولاً ولم يذكر مصدراً، فقط نص على أنه تفيد معلومات ولكنه نشر على نطاق واسع وتصدر عناوين أكثر من خمس صحف سودانية.
لا توجد أزمة
على الجانب الرسمي عندما سئل عبد المحمود عبد الحليم، السفير السوداني بالقاهرة، عن وجود أزمة مكتومة بين البلدين جراء هذه الأخبار، أكد أن العلاقات المصرية السودانية جذورها راسخة ومتينة، نافياً وجود أزمة مكتومة بين البلدين في الفترة الحالية. وقال عبد المحمود في لقاء مع عدد من الصحفيين المصريين مؤخراً، إن هناك اهتماما كبيرا جدا من الجانبين المصري والسوداني بالمصالح المشتركة والمصير المشترك، وهناك اهتمام بأن أمن مصر لا ينفصل عن أمن السودان، وأمن السودان لا ينفصل عن أمن مصر، مضيفا أن هذا لا يعني عدم وجود اختلافات في وجهات النظر هنا أو هناك، وهذا أمر طبيعي وربما يحدث ذلك بين أعضاء الأسرة الواحدة، مشيرا إلى توقيع الرئيسين على وثيقة للشراكة الاستراتيجية في اجتماعات اللجنة العليا الأخيرة بين البلدين، وقال إنها لم تأخذ حقها من التناول الإعلامي والاستقصاء في صحافة مصر والسودان على حد سواء، رغم أنها في غاية الأهمية، حيث تحتوي على منظور العلاقات التاريخية بين البلدين في كل المجالات، لافتا إلى وجود بعض الأمور التي يسعى الجانبان لمعالجتها، وهي أمور وصفها بـ(البسيطة). واقترح عبد المحمود آلية لجمع الصحفيين المصريين والسودانيين مع بعضهم بعضا عبر موقع إلكتروني، مجددا الطلب بضرورة ميثاق شرف إعلامي بين صحفيي البلدين، لتعزيز التناغم بين الصحفيين السودانيين والمصريين، ووعد بتنظيم ملتقى باسم (النيلين) مع الإعلاميين المصريين، سيدعى له شخصيات سودانية، وذلك لمناقشة القضايا المشتركة، لإزالة ما يتكون من سوء الفهم بين الجانبين، كما سيتم تنظيم زيارات متبادلة بين الصحفيين من مصر إلى السودان والعكس.
رغم نفي عبد المحمود إلا أنه أشار في طيات حديثه إلى وجود اختلافات في وجهات النظر، قال إنها بسيطة ولكنه أظهرها في الحديث.
لا يوجد رد
على الجانب الرسمي المصري لم نتمكن من الحصول على حديث يوصف شكل العلاقة بين البلدين هذه الأيام، وهو كما فسره المراقبون بأن القاهرة دائماً في وقت وجود أزمات مع السودان تفضل العزوف عن الحديث وتترك العمل واللقاءات المتبادلة تعكس شكل العلاقة من جانبها، وهذا أسلوب دائماً ما تتخذه القاهرة لعدم الانجرار إلى تبادل تصريحات ربما لا تؤدي إلا إلى تأجيج الأزمة.
سنظل بلداً واحداً
يوسف أيوب، رئيس التحرير التنفيذي لليوم السابع المصرية، كتب مقالاً عن الأحداث الأخيرة بين البلدين قائلاً: “تابعت خلال الأيام الماضية حالة غريبة تسيطر على الأحاديث والحوارات، سواء في الأوساط السياسية والاجتماعية أو الإعلام السوداني، تحاول في مجملها استعداء مصر لأسباب غير مفهومة، وغير مبررة أيضًا، منطلقة في مجملها لشائعات تحملها وسائل التواصل الاجتماعي، أو محاولات تحريض معروفة المصدر وشخصيات تتمنى اليوم الذي تنقطع فيه أواصر الأخوة بين شعبي وادي النيل، مضيفاً رغم أن الحقيقة واضحة للعيان، بأن مصر لم ولن تقبل أبدًا الإساءة لأحد من أشقائها، خاصة السودانيين المرتبطين معنا بعلاقات اجتماعية وتاريخية يصعب تجاوزها أو تناسيها، إلا أن أشقاءنا في السودان للأسف الشديد لم يحاولوا تحري الدقة، واختاروا أن يسيروا خلف هذه الشائعات ويحققوا للمغرضين أهدافهم، فرأينا هذه الحالة التي لا يمكن أبدًا أن تكون معبرة عن علاقة الشعبين، وتابع أيوب: “من حق أشقائنا في السودان أن يغضبوا إذا لحقهم أذى من مصر، لكن من حقنا عليهم أن يتبينوا الحق من الباطل، وعليهم أن يدركوا جيدًا أن مصر قيادة وشعبًا لا يمكن أبدًا أن تسيء للشعب السوداني ولا للقيادة السودانية، حتى وإن كانت هناك قضايا عالقة بين البلدين تحتاج لحوار ونقاش مستمر حتى نصل فيها إلى اتفاق وتوافق”، وقال: “نحتاج إلى حوار وتوافق حول كل القضايا، منها التناول الإعلامي، فكم من مرة سمعت غضب الأشقاء من الإعلام المصري، محملينه مسؤولية كبيرة مما يحدث”.
خطاب إعلامي
وقال أيوب ربما نتذكر ما قاله الرئيس البشير قبل عدة أشهر في القاهرة، بأن الناس أصبحوا على دين إعلامهم، وهي إشارة واضحة إلى أن الإعلام، وتحديدًا المصري، هو السبب في توتير العلاقات بين البلدين، وسمعت كثيرًا عن محاولات واقتراحات لصياغة خطاب إعلامي في البلدين يحفظ العلاقة بينهما، لكن كانت كلها مجرد أحاديث وأمانٍ لم ترقَ إلى الفعل حتى الآن، وربما يكمن السبب الحقيقي وراء ذلك أن الإعلام ليس هو المسؤول عن التوتر، إن وجد، لأن القضية في الأساس سياسية، فالمتابع للإعلام المصري خلال تناوله للعلاقة مع الخرطوم، سيجد أنه ليس منشئًا للحدث وإنما ناقلاً له أو معلقًا عليه، لذلك إذا كان لا بد من حل فهو في يد السياسيين، مضيفاً على السياسيين، وتحديدًا في الخرطوم، أن يتنبهوا لذلك جيدًا حتى نحافظ على ما تبقى من علاقة، خاصة أننا ندرك أن هناك أطرافًا إقليمية وقوى في القاهرة والخرطوم لا يعجبهم التوافق الذي ظهر بين البلدين خلال العامين الماضيين، فكانوا يتوقعون أن تسوء العلاقة بعد 30 يونيو، لكن جاءت القيادة المصرية الجديدة، لتؤكد اهتمامها بالجوار الاستراتيجي لمصر، وخاصة السودان التي نرتبط معها بعلاقات وثيقة تاريخية واجتماعية، ولا عجب أنه منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم التقى بالرئيس عمر البشير، أكثر من (15) مرة، سواء في القاهرة أو الخرطوم أو خلال مشاركة الرئيسين في مناسبات إقليمية ودولية، وهو ما أثار حفيظة المغرضين، فراحوا يبثون سمومهم هنا وهناك، وقد سمعت من أصدقاء متابعين للعلاقات المصرية السودانية، أنهم رصدوا خلال الأيام الماضية تحركات من بعض الشخصيات المحسوبة على جماعة الإخوان المقيمين في الخارج، هدفها بث الفتنة، منها على سبيل المثال فيديو تحريضي ويحمل كلمات غير مقبولة تجاه أشقائنا السودانيين الذين اعتبروا هذا الفيديو دليل إدانة لمصر كلها، وراحوا يشنون هجومًا شرسًا على المصريين في وسائل التواصل الاجتماعي، هذا الفيديو وغيره كثير ظهر وسيظهر مستقبلًا، يهدف إلى بث الفتنة بين الشعبين، لذلك يجب أن نكون جميعًا على قدر المسؤولية لإفساد هذه المحاولات الخبيثة، وأن ننتبه إلى أن خطورة الانسياق وراء هذه المحاولات، ووجه أيوب رسالة للشعب السوداني في نهاية مقاله قائلاً: “إن مصر والسودان بلد واحد وسيظلان كذلك مهما حدث”.
صمام الأمان
أما خالد محمد علي، الكاتب والمحلل السياسي المصري والخبير بالشأن السوداني، فقد حذر من تفاقم الحملات الشعبية بين البلدين، مطالباً الحكومة والنخبة والإعلام بالتصدي لذلك. وقال علي لـ(اليوم التالي): “إننا دائماً في العلاقات المصرية السودانية كنا نراهن على العلاقات الشعبية بين البلدين، وأنها صمام الأمان لاستمرار هذه العلاقة”، مضيفاً أن “ردود الفعل من جانب السودان هذه المرة تستند إلى شائعات وأفعال فردية من مصر ولا يمكن أن يكون كل هذا الهجوم على مصر الدولة والشعب بهذه الطريقة، لمجرد خطأ لإعلامي أو اثنين أو مواطن عادي”، مؤكداً أن الإعلام المصري نفسه يرفض أي تجاوزات وصفها بـ(الفردية) تجاه السودان، وتابع: “هذه المرة الهجوم من جانب السودانيين ليس له أي مردود في مصر، قد يكون هناك مهاترات من قبل لكن هذه المرة الإعلام المصري هادئ جداً وليس به تجاوزات، رغم الهجوم المستمر من جانب وسائل التواصل الاجتماعي السوداني”، متهماً جهات ومجموعات بأنها لا تدرك حجم وأهمية العلاقات بين البلدين، وأنها تستمر في النفخ بها وتكبير قضايا صغيرة للاستمرار في تأجيج النيران، موجهاً اتهامه بشكل مباشر للمعارضة في البلدين التي من مصلحتها عدم تطبيع هذه العلاقة بشكل كامل. وعن فرض رسوم وغرامات على إقامات السودانين بمصر، قال علي هناك قانون اسمه (المعاملة بالمثل)، على الخرطوم أن تعامل المصريين في السودان بالمثل إذا كانت فعلاً القاهرة فعلت ذلك، بعيداً عن هذه المهاترات وهذا الهجوم تجاه مصر الدولة والشعب، مضيفاً “وكذلك الحال مع المنتجات المصرية، ما يثبت أنه غير صالح يتم حظره على الفور، فلا يمكن أن نريد إضراراً بالشعب السوداني”، وتابع “أقول ذلك من باب أن تعالج الأمور بهدوء دون هجوم وضجيج، تقديراً لهذه العلاقات الأزلية والعميقة بيننا.
الأزمة شعبية
ويبقى أن هناك أزمة فعلاً بين القاهرة والخرطوم حتى وإن لم ترد القيادة بالبلدين الإعلان عنها، ولكنها موجودة وبشكل أخطر هذه المرة؛ ويجب على الطرفين أن يدركا مكمن هذه الخطورة قبل انفجار الأوضاع بشكل يستحيل عنده التحكم إدارياً، فهل سينزع الرئيسان البشير والسيسي فتيل هذه الأزمة كعادتهما مع الأزمات بين البلدين، هناك القمة العربية بالعاصمة الأردنية عمان في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، فهل نتوقع قمة سودانية مصرية على هامش القمة العربية بعمان، تبدد كل النوايا السيئة لمتربصي العلاقات بين البلدين؟

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي