تقرير: محمد جمال قندول
خرج عضو مجلس السيادة ورئيس الحركة الشعبية مالك عقار أمس الاول بحديث عن عدم ايفاد حركته أي من اعضائها للمشاركة في اجتماعات قوى الحرية والتغيير مجموعة المركزي، في اشارة إلى الامين العام لحركته ياسر عرمان.
ومنذ اجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر الماضي والشعبية ترسم مظهراً سياسياً متناقضاً ما بين الرجلين، حيث ان عقار لم يبارح كرسيه بالقصر الرئاسي فيما انحاز رفيقه عرمان لمجموعة المركزي المناهضة لتوجهات اكتوبر، الأمر الذي رسم سلسلة من التساؤلات حول مصير ومسار الحركة الشعبية السياسية واصطفافها مع رئيسها الموجود في المنصب السيادي بموجب اتفاقية سلام جوبا، ام ان عرمان قادها لمجموعة الائتلاف؟ ويبدو ان الحركة التي جنحت للسلام بعد ان حملت السلاح سنين عدداً تنازعت ما بين موجهات مالك الواضحة في مواصلة سلام جوبا بعيداً عن اطروحات الساسة وملعبها واشواق ياسر للديمقراطية وتجاربها.
بيانات مضادة
رئيس الشعبية وامينها تبادلا بيانات مضادة اشعلت وتيرة الخلاف بشأن موقف الحركة من مشاركتها في اجتماعات مجموعة المركزي وسط توقعات بان تنشأ مفاصلة أخرى ولكنها ليست جديدة، وباعادة التاريخ إلى الخلف نجد ان الحركة الشعبية الام شهدت خلافات وانشقاقات منذ الثمانينيات بخروج كاربينو على الراحل جون قرنق، ثم انقسم عنها رياك مشار نائب رئيس جمهورية الجنوب حالياً وايضا فاولينو، وبعد انفصال الجنوب انشق عقار نفسه عن الحلو قبل ان يخرج جلاب ايضاً من مجموعة مالك مغاضباً، وأخيراً بوادر الانشقاق التي بدأت تلوح في الافق بين عقار وعرمان.
عضو مجلس السيادة مالك عقار خرج امس بصفته رئيساً للحركة في بيان، واكد ان الشعبية ليست جزءاً من اجتماعات قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، ولم ينتظر عرمان كثيراً ليرد عليه ببيان مضاد ذكر فيه ان البيان المنسوب لرئيسه مؤسف ولن يحظى بتأييد الغالبية الساحقة من جماهير الحركة، ودعاهم للتعبير عن هذا الرأي بصورة مباشرة.
وبالتزامن مع الاحداث التي طرأت على مشهد الحركة خرجت انباء تفيد بتقديم وزير الحكم الاتحادي بثينة دينار استقالتها من منصبها. وهناك مواقع صحفية نسبت خروج دينار من الحكومة لتدوينة على صفحتها عزت فيها الوزير المستقيلة قرارها الى انحيازها لمطالب الثورة والسلام.
علاقة فاترة
قيادي بالحركة الشعبية رفض الحديث عن هذا الطرق لـ (الانتباهة) وعزا ذلك لجهة انهم يريدون السيطرة على الخلاف قبل ان يتفاقم ويتطور الى انشقاق، فيما ابلغ مصدر ذو صلة الصحيفة بان العلاقة بين عقار وعرمان شهدت فتوراً خلال الاشهر الماضية رغم الاجتماعات التي كانت تجمعهما، مضيفاً ان الخلاف بدأ تحديداً منذ اكتوبر حينما رفض عقار تسييس موقف الشعبية والتركيز على انفاذ مطلوبات السلام، فيما كان واضحاً انحياز ياسر لمجموعة المركزي الامر الذي اظهر صورة الحركة مرتبكة سياسياً.
وهناك متابعون ذهبوا الى ان بوادر الخلاف بين الرجلين طبيعية، وذلك لموقف الحركة الذي اثار استغراب الجميع بوجود رئيسها مع العسكر بالقصر وامينها مع المجموعة المعارضة، مما افرز حالة من التناقض والغموض والاضطراب في الموقف السياسي للشعبية وسبب لها حرجاً بالغاً.
أمر متوقع
(كان متوقعاً).. هكذا ابتدر القيادي السابق بالحركة الشعبية احمد موسى افادته لـ (الانتباهة) وقال ان الخلاف طبيعي لجهة التباين في الرؤى والمواقف بين الرجلين التي تفاقمت بصورة واضحة خلال اكتوبر الماضي بسبب موقف عرمان المنحاز لمجموعة المركزي، ويشير موسى الى ان الحركة الشعبية ستتأثر حال حدث انشقاق، مستدلاً بالحضور القوي لعقار شعبياً بالنيل الازرق، بينما لعرمان تأثير في قطاع مثقفي الحركة.
بيد ان للخبير الامني والعسكري (م) اللواء امين مجذوب رأي مغاير، حيث يرى ان مفاصلة عرمان لن تؤثر في مستقبل الحركة خاصة انه كادر سياسي ولا سيطرة له، على حد تعبيره، مقارنة بعقار الذي يمتلك الاستحواذ على الجنود والسلطة على الارض، وتابع امين وقال: (الخلاف يجب ان يقود الى حل او يغادر احدهم مقعده).
مصدر امني فضل حجب اسمه رسم لـ (الانتباهة) سيناريو مرتقباً، وذلك باتجاه عرمان لانشاء حزب سياسي وانهاء صفته بالحركة، وذلك في سبيل البحث عن حضور سياسي بمعزل عن الشعبية وبصورة جديدة وادوات حديثة مواكبة لمجريات الراهن.
صراع السياسة والسلطة
(المقارنة بين الرجلين غير منطقية وغير عادلة)، هكذا يصف المراقبون منطق الميزان بين عقار وعرمان. وبالعودة الى الخلف نجد ان شخصية الاول عسكرية وميدانية ولا يتحدث كثيراً ولا وجود لتصريحات على لسانه، وظل هكذا منذ ان برز قيادياً بالشعبية وبعد ان اصبح والياً للنيل الازرق، قبل ان يتمرد على الحكومة في اعقاب انتخابات 2010م، فيما عرف بمقولته الشهيرة حينها (يا الهجمة يا النجمة)، والهجمة كان معنياً بها الهجوم والنجمة كان يقصد بها رمزه الانتخابي الذي جاء به والياً بالانتخاب بالنيل الازرق، وبعد الثورة حينما عاد الرجل الى السودان الذي غادره بعد هجومه الشهير بالنجمة لم تكن تصريحات عقار عدائية حتى لحظة التوقيع علىي اتفاق سلام جوبا الذي جاء به عضواً بالسيادي عن الجبهة الثورية، ولم يكن يتحدث عن السياسة، وكان له دور بارز في الافراج عن امينه عرمان الذي اعتقل على خلفية اجراءات الخامس والعشرين.
وعلى النقيض برز عرمان اعلامياً بصورة مكثفة منذ وصوله الخرطوم بعد الحادي عشر من ابريل 2019م، حيث ظل دائم الترديد والتعبير عن مواقف الحركة، وكان عضواً في وفد التفاوض في سلام جوبا وكذلك في مركزية الائتلاف الجامع بين قوى الحرية وحركات الجبهة الثورية، وبعد اكتوبر الماضي اظهر ياسر عداءً شديداً للمكون العسكري وانتقاداً للسلطة والحكومة التي يجلس على احد مقاعدها رئيسه في الحركة الشعبية مالك عقار، مما رسم مسارين لانطباعات المتابعين عن مواقفها، مما اظهر صراع السلطة لعقار ونفوذه داخل الحركة، وكذلك اماني الحريات وعهود الديمقراطية السياسية لعرمان.
مفاصلة جديدة
ويذهب القيادي بالشعبية السابق احمد عمر موسى إلى ان الانقسام حال حدث يكون التعبير الابلغ لوصفه المفاصلة السياسية بعد انتقال صراع الرئيس والامين العام للعلن، وان كانت في الخفاء لفترة ليست بالقصيرة.
ويتابع موسى ويقول انه رغم تمتع الاثنين بالخبرة السياسية الكبيرة غير انهما شديدا العناد السياسي، حيث ان عقار وعرمان حال اصر كل منهما على موقفه سيقود الامر الى مفاصلة مرتقبة، وزاد محدثي قائلاً: (المشهد الحالي الضبابي للحركة لن يسمح للاثنين بالاستمرار من واقع التباين في المواقف).
فيما يذهب المحلل السياسي د. عمار زكريا الى تصنيف الخلاف بالايديولوجي، وذلك بدعم عرمان مجموعة المركزي بتوجيهات من اليسار، فيما يدعم عقار الخط الثوري الذي حمل من اجله السلاح، وهو ما افرز صراع اجندة بين مالك وياسر، مع الاشارة الى ان الاول يمضي في الخط العام للحركة بينما يطمح عرمان الى تحقيق اجندته عبر الشعبية.
بيد ان زكريا يرى ان الانشقاق وارد ولكنه صعب، وذلك لجهة ان الرجلين جاءا بالانتخاب عبر مؤتمر عام، وبالتالي لا يستطيع الرئيس ان يفصل الامين العام، مشيراً الى انه حال انشق عرمان وخرج على الحركة فإن مغادرته لن تؤثر، وذلك لجهة ان مقاليد السيطرة العسكرية والمالية والسلطوية لدى عقار.
اصطفاف المواقف
وتيرة الحياة السياسية بالبلاد لم تعد تبرز وصف الانشقاق بالاحزاب والحركات ضمن بند (الجديد) او (المؤسف)، فالتاريخ السياسي للبلاد شاهد على مرور كل القوى السياسية والحركات المسلحة بالانشقاق، غير ان مراقبين ربطوا بيان عقار الذي اثار ازمة حقيقية داخل الشعبية وخلف ترجيحات الانشقاق بين جناحين، بما تمر به الساحة السياسية من متغيرات وترقبها لقرارات من البرهان قد تغير موازين المشهد.
واشتدت وتيرة الصراع بين المكون العسكري ومجموعة المركزي خلال الاشهر الاخيرة، في وقت ظل فيه عرمان شديد الانتقادات للعسكر، فيما باشر ومازال عقار مهامه بمجلس السيادة، الامر الذي قاد مراقبون الى ان البيان الاخير بمثابة تأكيد لموقف الحركة ووجودها في مسار واحد مع المكون العسكري واصطفاف مواقف بين الرجلين على واقع المثل الشهير (كل زول يفرز عيشتو)، وبالتالي كان لزاماً على عقار بصفته عضواً في السيادي ممثلاً عن الجبهة الثورية ورئيساً للحركة الشعبية ان يوضح موقفه ويصطف بشكل واضح مع مسار، خاصة ان التسريبات تشير الى قرب صدور قرارات حاسمة قد تكون نتاج مبادرات عديدة تمضي وتخرج بحل للازمة قبل منتصف اغسطس الحالي، او يخرج البرهان بتوجهات جديدة بصبغة عسكرية. وما بين القيل والقال ينتظر الفاعلون بالمشهد مجريات السياسة خلال الايام المقبلة، وقطعاً الحركة الشعبية جزء فاعل بموجب مسار اتفاقية السلام.
ويسترجع الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء (م) امين مجذوب تاريخ الحركة الشعبية وانقساماتها، ويقول إنها نتاج التوليد الخاطئ للتنظيم الذي خرج من رحم الحركة الشعبية لتحرير السودان، وبعد الانفصال تمخض واقع جديد، وكان يصعب الاستمرار بمعزل عن الحركة الام، وذلك من واقع انها افرزت دولة جديدة، الامر الذي جعل من الصعوبة بمكان استمرار نهج الحركة الام ومفاهيمها بالسودان، وهو ما نتج عنه انشقاق الحلو وخروج جلاب. وصدقت التوقعات في ازمان ماضية بانشقاق جديد بين عقار وعرمان، وهو ما بدأ يتحقق فعلياً الآن بالصراع البائن باشواق عقار الى الجنوب والانقسنا وتقرير المصير، واماني ياسر بالديمقراطية والاشواق للرفاق السابقين، واضاف مجذوب ان وضع الحركة خلال الاشهر الماضية قاد الى تساؤلات ملحة مثل هل تتبع للحرية والتغيير نفسها ام انها جزء من الائتلاف.
مقالات عرمان
ونشط عرمان خلال الفترة الماضية في نشر مقالات دورية بالاسافير والمواقع الصحفية يرسل من خلالها رسائل. وخلال مقالة شهيرة بعنوان (الحركة الشعبية الميلاد الثاني) كانت ثمة اشارات مهمة للرجل بنية مغادرة تجربة الشعبية وانشاء جسم خاص يعبر عن اشواقه، خاصة ان عقار هو الرئيس ولديه مسار النيل الازرق، وهو ما يتنافى مع اطروحات ياسر الباحث عن دور سياسي جديد، وفي وقت سابق اتهم ياسر عرمان بانه يقف خلف تجمع (الديسمبريين) الذي خرج بعد اكتوبر الماضي وجمع مزيجاً من شباب الثورة وقوى ثورية.
مراقبون لا يستبعدون ان يتجه ياسر عرمان الى انشاء جسم سياسي من واقع أن وجوده في الخرطوم خلال آخر ثلاث سنوات قرب الامين العام للحركة الشعبية من قوى سياسية عديدة جعلته يخلق علاقات واسعة، الأمر الذي عزز داخله النزعة القيادية السياسية التي من الصعب ان يطبقها في الحركة، وبالتالي الافضل ترجمتها الى حزب سياسي جديد في محاولة لايجاد موطئ قدم في المشهد السياسي عبر وجود منفصل.
اما مالك عقار فيبدو انه يريد ان يواجه تحدياته بعد تحديد موقف الحركة التي تبرأت من اجتماعات مجموعة المركزي، وذلك بايجاد معالجات لازمات فعلية يقابلها الرجل في اقليم النيل الازرق بعد الاقتتال القبلي الذي تم قبل اسابيع واتهم فيه عقار نفسه، وكذلك معرفة موقعه من الاعراب في المرحلة الجديدة التي بدأت معالمها تخرج باتجاه رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان لانشاء مجلس اعلى للقوات المسلحة وكذلك تشكيل حكومة جديدة خلال الشهر الجاري، وبالتالي معرفة استحقاقات حركته في المرحلة المقبلة.
وعن استقالة بثينة دينار كشف مصدر لـ (الانتباهة) انها ليست بمعزل عن الاحداث الاخيرة التي رسمت تبايناً في المواقف بين الرئيس والامين في الشعبية، وان دينار من القيادات المقربة لياسر عرمان، كما انها اقرب كذلك لتيار اليسار، وان الاستقالة المتداولة ليست بسبب انحيازها للثورة كما ذكرت، وانما سياسية في المقام الاول.
المصدر من هنا