السودان الان

وصل التواصل إلى ذروته في جنوب كردفان حيث تبدأ زفة العروس من كادوقلي وتنتهي في مناطق التمرد “غناء الحب والسلام”

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

كادوقلي – آدم محمد أحمد
جنوب كردفان تمثل الولاية الأصعب مراس بالنسبة للحزب الحاكم في السلم أو في الحرب، ففي الحالة الأولى يحظى الحزب بمنافسة قوية من قبل الحركة الشعبية، التنظيم الوحيد الذي يؤثر سياسيا على (المؤتمر الوطني) في تلك المناطق التي تعد دوائر خصوصيته، بينما تغطي الحالة الثانية أصوات الرصاص، وكثيرا ما يثني الحزب الحاكم على قياداته في الولاية لكونهم فعلوا المستحيل واستطاعوا تنظيم فعالياتهم ومناشطهم في ظل تلك الظروف.. لعيسى آدم أبكر والي الولاية فلسفة بأن رؤيته منذ أن تولى إدارة الولاية، تقوم على التركيز في الجوانب الداعمة للسلام، أسقط الرجل ذو الخلفية الأمنية مصطلحات كانت تستخدم في المنطقة تنبذ التمرد وتخونه (كالطابور الخامس والمدنسين) وغيرها من العبارات، يؤكد عيسى أن الطريق إلى استقرار المنطقة يمر عبر دعم أواصر التقارب وفتح قنوات الاتصال مع المتمردين.
قرر ألا يمنع التواصل بين الطرفين في المناطق الواقعة تحت سيطرة التمرد ومناطق الحكومة، فهؤلاء بالنسبة لعيسى لديهم الحق في ممارسة حياتهم بكل أشكالها، الأمر بالنسبة له مدخل للحل. يقول الرجل في احتفال للمرأة بيومها العالمي الذي نظم في كادوقلي: “إن المرأة بالولاية عانت من ويلات الحرب لكنها بنت السلام بسواعدها لأنها ظلت تعمل إلى جانب الرجل في كل ضروب الحياة، من أجهزة نظامية وخدمة مدنية”، وأكد أن الولاية تعيش الآن سلاماً وتتصل المرأة بزوجها وابنها في التمرد وتقنعهما بالعودة ونجحت في ذلك، وزاد “امرأة واحدة أقنعت 28 متمرداً عادوا إلى السلام، لأن الرجال قلوبهم رقيقة ويسمعون كلام نسوانهم”، وصل التواصل ذروته في أن زفة العروس تبدأ من كادوقلي وتنتهي في مناطق التمرد.
تعيش كادوقلي نسمات السلام، فأي خطوة تلوح في الأفق في مسار تحريك الملف بين الحكومة والمتمردين، فإطلاق صراح الأسرى من قبل الحركة وقرار الرئيس بإسقاط العقوبات من محكومين تابعين للحركات، كان له صدى طيب داخل المدينة، يقول سالم علي مواطن أربعيني: “أي كلام عن السلام يهمنا لأننا من يدفع ثمن الحرب”، المزاج العام في الجبال تغير.
الناس اليوم، وفقاً للوالي عيسى، باتوا مهيئين أكثر من أي وقت مضى للسلام. لا يقتصر ذلك على المواطن بالداخل لكنه يمتد إلى التمرد، يقول عيسى “كل الذين في قوات الحركة الآن كرهوا الحرب ويريدون السلام”، هذا في الواقع لم يأت من فراغ، وإنما لمعطيات عدة، أولها أن الحكومة أعطت الجانب الآخر الأمان وترجمت ذلك عملياً في قرارات متتالية جددت فيها وقف إطلاق النار لأكثر من مرة، وهذا يؤكد رغبتها الأكيدة لإنهاء الحرب، وهي إشارات وصل مفعولها إلى المراقبين الذين أشادوا بمواقف الحكومة هذه.
ثانياً دعمت الحكومة ذلك بعمل أمني عسكري تداركت فيه بعض الثغرات السابقة، يقول عيسى “ليس مبرراً أن نتركهم يقذفون كادوقلي ونحن نعلم الأماكن التي يستخدمونها”، لاحقاً نجحت القوات المسلحة في تحجيم المسألة وإيقاف تدفق القنابل المميتة نحو المدينة المحصنة بالجبال، يقول الوالي “طمأنت الجميع هنا بأن كادوقلي لن تضرب مرة أخرى، وهذا لا يعني أنني ساحر ولكن لأننا عملنا إجراءات عملية لتفادي ذلك”. لم يكتفِ الرجل بهذا، بل نادى ودعا المتمردين إلى السلام.
وعرض منصبه مهراً للسلام بالولاية، معلناً تنازله عن قيادة الولاية حال طلب المتمردون ذلك، وقال: “نحن تاني ما دايرين حربكم، ولو دايرين مناصب تعالوا شيلوها، إن كان منصب الوالي فأنا مستعد أخليه، ولو دايرين منصب قائد الجيش تعالوا خذوه”. التأكيدات نفسها بثها إبراهيم محمود نائب رئيس الحزب بقوله: “إذا كنتم تريدون المواقع تعالوا خذوها، ولكن الحرب انتهت ولا نريدها، وكل العالم لا يريدها الآن، والأبواب مشرعة ومفتوحة لانضمامكم”.
الحقيقة الثالثة أن المسارين الأمني والسياسي ولغة التهدئة، دعمتها الحكومة بمشاريع تنموية في إطار توفير الخدمات، كمحفزات.. يطرح عيسى الكثير من المشاريع في سفر الإنجازات، ففي خطابه أمام مؤتمر حزبه داخل قاعة مسجد كادوقلي العتيق، كشف الرجل عن الكثير من المشروعات التنموية أبرزها في مجال المياه؛ إنشاء مشروعات لشبكات مياه المدن بتكلفة بلغت حوالى (97) مليون جنيه، وكذا مشاريع كهرباء لتحقيق شعار (جنوب كردفان تودع الظلام)، بتكلفة بلغت (57) مليون جنيه، بالإضافة إلى إنشاء (31) مدرسة جديدة لمرحلة الأساس و(109) فصول بالإضافة لمدارس ثانوية بتكلفة (91) مليون، وفي مجال الصحة إنشاء (4) مستشفيات كبيرة في الدلنج، كلوقي والحمادي بتكلفة (98) مليوناً، ويؤكد الوالي أن نصيب جنوب كردفان من التنمية يفوق الكثير من الولايات، والآن كل الصرف على الولايات توقف إلا كادوقلي.
لدى الوالي تفسير محدد لبعض مظاهر الرفض التي يبديها أبناء الولاية تجاه الأوضاع السياسية والواقع الراهن، بمن فيهم الذين يشاركون في الحكومة، ويقول: “في الواقع إن مشكلة بعض أبناء الولاية نفسية ذرعت فيهم وكانت بادرة الأزمات هجمات (ستة ستة)، لكونها خلقت نوعا من الرعب وعدم ثقة كبيرة بين المواطنين، لأنهم أثناء الهجمة عانوا كثيراً في الكيفية التي سيخرجون بها أبناءهم من جحيم القتال”، ويرى عيسى أن المدينة في فترات شهدت غيابا وهروب أعداد كبيرة.. بحكم خبرته كلواء في الأمن ويحمل دكتوراه في التخطيط الاستراتيجي، ويعتقد عيسى أن مهمته الأساسية تغيير الحالة النفسية السيئة إلى الأفضل، ويضيف: “صحيح إعادة الناس إلى الوضع الطبيعي مهمة صعبة، لكن بحكم التجربة رأينا أن ذلك ممكن، وأن الولاية يمكنها أن تعيش الأمن”.. سرعان ما أتت خطة الرجل أكلها وبدأت الحياة تعود إلى طبيعتها وانتعشت المدينة وانعكس ذلك مباشرةً على عودة الكثيرين، وارتفعت أسعار إيجارات المنازل والمحلات التجارية بعد أن كانت في الوقت القريب مهجورة، وأضاف عيسى: “صدقوني إذا وقع السلام ستكون الإيجارات في كادوقلي بالدولار، وبالتالي أنا أنصح أي شخص لديه أرض هنا يحاول الاستفادة منها”. عيسى يحمل اعتقادا جازما بأن (البزنس) هو الحل لمشكلة الولاية، يعيب الرجل على أبناء النوبة عموماً لكونهم لم يلجوا مجال الاستثمار ورجال والأعمال، لأن ذلك بحسب تقديراته مدخل مهم لتجاوز الكثير من العقبات، ويضيف عيسي: “لا أدري ولاية تدخر كل هذه الخيرات وفيها ذهب يمكنه أن يحل مشكلة السودان الاقتصادية، ولا يستثمر فيها أبناؤها؟”.
في ذلك الزخم، يحرص الحزب الحاكم على تعبئة قواعده في اتجاه السلام، فحمل إبراهيم محمود نائب رئيس الحزب رسائل نوعية لعضوية حزبه، تضمنت الدعوة لقبول الآخر، اتساقاً مع المرحلة المقبلة التي توجت بالحوار. ففي الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحزب دعا إبراهيم محمود حامد نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب، قواعد حزبه إلى التمسك بالمبادئ التي قام عليها الحزب والمتمثلة في إرساء قواعد العدل والمساواة والحق وعدم ظلم الناس والتعالي عليهم، بل يجب احترامهم، منوهاً بأن ذلك يجعل الحزب قريبا من المواطن، وأضاف: “والله ما تتمسكوا بالمبادئ دي لا تنفعكم الدولة ولا الحزب، ونحن نكره الخطأ لكن لا نكره المخطئ”، وأشار محمود إلى أن البقاء في السلطة والاستقرار فيها ليس عبر المال ولا القوة والجيوش وإنما بالمبادئ، مستدلاً بالقذافي الذي كان أكثر مالاً من السودان، وصدام الذي يملك الجيوش، وقال محمود إن البلاد دخلت مرحلة التحول الثالثة وإن المطلوب من عضوية الحزب جمع الناس والإفساح لهم في السلطة، وهي ذات النقطة التي انطلق منها حسب الله صالح رئيس قطاع كردفان والنيل الأبيض بالمؤتمر الوطني، لكونه دعا أعضاء الحزب إلى الغناء من أجل الحب والسلام، منوهاً بأن البلاد مقبلة على فترة جديدة انكسر فيها الحصار وتدفقت الخيرات، وأضاف: “من اليوم ورايح غنوا للحب ولا نريد أن نسمع غناء فيه دماء وأشلاء”، مؤكداً أن الوطن الآن في أحسن ظروفه.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي