خالدة ود المدني ـ عطبرة
تؤكد وزارة الاستثمار والصناعة والسياحة بولاية نهر النيل بأن المستثمر يجب عليه أن يدخل بالبوابة الحكومية حتى نستطيع حمايته وفق قانون الاستثمار، وليس عبر الحيازات. فيما يرى المستثمر أن الجهات الحكومية هي السبب الرئيس وراء احتكاكات بين المستثمر ومواطن المنطقة، والذي يعتقد أن المستثمر يأتي لنزع أراضية وليس لإصلاحها وتنمية المنطقة مع الحفاظ على حقوقه المادية.
تقع منطقة الأتبراوي التي نحن بصدد الحديث عنها على امتداد نهر أتبرة شرقا، وتحاذي حدود ولاية كسلا غربا، وإداريا تتبع لمحلية الدامر، وتبلغ مساحتها خمسة ملايين فدان، ينحصر نشاط سكانها على الرعي والزراعة، ولكن عقب قيام خزان خشم القربة أضحى مجرى النهر موسميا وضرب جفاف ثمانينيات القرن الماضى أطنابه ما أدي إلى انحسار أنشطتها، بالتالي انقرضت الثروة الحيوانية، وفي العام 1986 كانت المنطقة بالكاد تعتمد على الإغاثة الأمريكية، وعندما رفعت شعارات الاعتماد على الذات في عهد الإنقاذ، دفع أهالي المنطقة بمذكرة لنائب الوالي آنذاك، واقترحوا فيها انعقاد مؤتمر تحاوري للاستفادة من المنطقة، ومن ثم تكليف أفراد من الأمم المتحدة لتنمية أدنى نهر عطبرة الـ(في إن دي بي) لتبني الفكرة، والوصول لصيغة ترضي الجميع وتعم الفائدة غير أنها تعثرت خطاها.
وفي العام 1992 عقب سياسة التحرير الاقتصادي حاول أهل المنطقة تكوين كيان شعبي طوعي للمساهمة مع الأجهزة المركزية والولائية في ديمومة النهر، وحسب قول بعض أهالي المنطقة فإنهم بالفعل اجتمعوا مع المحافظ ووافق على فكرة المؤتمر التي ـ أيضا ـ لم تجد حظها في التنفيذ.
في مجرى الحديث يقول الزين النوراني رئيس لجنة القرى المتضررة وأمين رابطة أبناء نهر عطبرة السابق: فوجئ مواطنو القرى المحاذية لشارع عطبرة سيدون ببعض المسوحات والآليات تقف جوار منازلهم بتاريخ 3/1/2012، حينئذ ذهبنا فورا إلى الوحدة الإدارية وكانت الإجابة على لوحة إعلاناتها حسب قانون التصديقات الزراعية، واستطرد: وهنالك علمنا بأن المشروع تخطى الحواجز القانونية كون تلك الأراضي لها ملاك، لذات السبب رفض مدير الوحدة الإدارية التوقيع على شهادة خلو النزاع، بالمقابل تبنى المدير التنفيذي للمحلية عملية التوقيع متجاوزا أختام اللجان الشعبية، والتي بدورها تمثل السلطة الشعبية الأولى في الحكم المحلي، معتمدا ختم الوديان الذي لا ندري كيف تم تصديقه؟، وأن المنطقة الواقعة بين هجيليجة جوار عطبرة والحلقي جوار سيدون ومساحتها تبلغ (4500) فدان تمنح للمستثمرين بموجب هذا الختم، وبالفعل اكتملت كل الإجراءات وتم تصديقها لأحد المستثمرين على بعد نصف كيلومتر من القرى، وبذلك أصبحت التجاوزات إجرائية وإنسانية، حيث نزع حق التمدد السكاني للأهالي، بجانب الخدمي والرعوي
ويمضي قائلا لـ(اليوم التالى): من خلال استفسارنا لمدير الاستثمار بالولاية أفادنا بأن هنالك (25 %) يطلق عليها الرضي الأهلي، يستحقها المجاور والراعي والمحتطب والزارع لهذا المشروع، وكان يجب على الجهات المعنية استخراج خريطة قبل التصديق، أما الآن فعلى المستثمر التنازل عنها ونحن لا زلنا قيد الانتظار، وبلاشك في الأثناء حدثت بعض الاحتكاكات داخل القرى ما جعلهم ينخرطون في قضايا جنائية ومدنية أودعت بعضهم في السجن باعتبارهم حجر عثرة في مسيرة الاستثمار، ونحن أهالي المنطقة نقول للحكومة وللمستثمر بصوت واحد: مرحبا بالاستثمار نحن ليس ضده، بل ظللنا نحلم باخضرار هذه الصحارى التي كنا نكتفي بزراعة جزء من منخفضاتها الصغيرة، التي تمتلئ بالمياه في موسم الخريف، وحسب الأعراف الاجتماعية والإدارة الأهلية أصبح يطلق على هذه المساحات أسماء بعض الشيوخ، بالتالي لابد من استئذانهم قبل زراعتها، ويتساءل النوراني: هل يبرر ذلك استخراج ختم لبعض الأشخاص وبموجبه يُلغي ختم اللجان الشعبية؟، ولماذا لم تتحاور حكومة الولاية مع سكان المنطقة بدلا من صدع وتفريق أهلها الذين يحرصون على وحدتهم عادة؟، ويضيف: مازالت ضبابية المشهد تقلقنا من فينة لأخرى، ورغم ذلك سعدنا بقرار الوالي الوسيلة عندما لقي تلك الأختام غير القانونية، مع أنه لم تتم مراجعتها حتى الآن وتصحيح مسار الاستثمار بموجب هذه الثورة الجديدة، كما نطمع في قيام مؤتمر تشاوري يجمع قيادات المنطقة وشيوخها برئيس الجمهورية.
في موازاة ذلك وضح لنا المستثمر الزاكي أحمد العبيد قائلا: في الأصل نحن قصدنا منطقة أخرى للاستثمار، وتدخل شيخ محمد كدباس بتوجيهه لنا أن نستثمر في أراضي أهالينا لكي يستفيدوا بدلا من غيرهم، ما يعني أننا مستثمرون فقط ولسنا متطفلين على أراضي غيرنا كما يظن البعض، وبالفعل ذهبنا إلى منطقة الأتبراوي برفقة وفد من أبنائها ومنهم العمدة ويحيى رئيس المجلس التشريعي آنذاك، وتم تحديد المساحة وعلى الفور أخذنا شهادة خلو النزاع من قبل العمدة واللجنة الشعبية، ومن ثم ذهبنا إلى مدثر عبد الغني وزير الاستثمار وقتها لتكملة بقية الإجراءات وفقا للقانون، وأكد الزاكي: أولا اتفقت مع أهالي المنطقة بمنحهم (25 %) ووافقوا بكل ترحيب وتسمى هذه الخطوة (بالرضى الأهلي)، وكان ذلك قبل أن تتدخل جهات لها أغراض سياسية أوغيرها، واستطرد: وبالفعل استجاب بعض أهالي المنطقة لذوي الأهداف السيئة، وبدأوا بالتخريب وأتلفوا أشياء تخص المشروع وأحرقوا لنا آليات بقيمة مليار ومائتي جنيه، وفي الصدد دخل السجن أكثر من 15 شخصا، وقدرت الغرامة حينها بأربعة مليارات جنيه، وفي الأثناء بادر عمد المنطقة باستدعائنا وطلبوا منا السماح والتنازل عن القضية، كوننا أبناء بلد واحد وبالفعل تنازلنا وخرج الجناة من السجن، ومن ثم قرروا أن يتفق أهالي المنطقة فيما بينهم على تقسيم الـ(25 %) على النحو التالي: (15 %) منها للأهالي الأصل و(10 %) لبقية الفئات كحق مواطنة، وأضاف الزاكي مفصلا: وبناء على قول الوزير تنازلنا لهم عن (3.500) فدان بالرضى الأهلي، وهذا الكلام تم الاتفاق عليه قبل عامين وأهالي المنطقة الآن يحمون ممتلكات المشروع بأنفسهم بعد أن أدركوا أننا لم نتغول على أراضيهم بشكل غير قانوني ولم ننوِ ظلمهم مطلقا، بل قصدناهم لتعم الفائدة وهذا المشروع سيعود عليهم بعدة فوائد ملموسة، ونحن كمستثمرين لابد لنا أن نحرص على سلامة الإجراءات القانونية دائما تجنبا لأي عائق أو خسارة ناجمة، ولا نعادي إنسان المنطقة التي نذهب إليها بل العكس جئنا لتنميتها خدميا وسياسيا واجتماعيا، وبذلك وعوا بقيمة دخول الاستثمار لمنطقتهم واعتذروا لسوء فهم الأمر في بدايته، ورحبوا بنا كثيرا وسطهم وفي تقديري هذا دور الحكومة كان يجب عليها تبصير الأهالي حالما قصدها مستثمر ما، وبلا شك نحن نسعى لتطوير مشاريعنا وبالتالي للمنطقة بأكملها، وتابع الزاكي قائلا: الآن بدانا العمل ولا توجد مشاكل مطلقا بيننا ومواطن المنطقة، وبخصوص تكملة إجراءات الـ(25 %) ستتم خلال عشرة أيام فقط، وبذلك نعتبر أن الأمر انتهى بحمد الله وفضله، وربما كان السبب الرئيس في هذه الاحتكاكات هو تقصير الجهات الحكومية كما أسلفت في تبصير المواطنين بأهمية الاستثمار وما يعود عليها من إيجابيات، كذلك عدم تقنين الأراضي الحيازة لبعض القبائل والتي بحوزتهم عرفيا دون تسجيل رسمي منذ عهد الإنجليز حيث وزعوها لهم تلك للرعي وهذه للزراعة، وبذلك لهم الحق في التمسك بها وفق الأعراف، أما إذا كانت مسجلة رسميا لم ولن يصطدم المستثمر مع المواطن ويخسر ماله ووقته كما حدث معنا، وختم الزاكي المستثمر المعني في هذه القضية: يجب على الحكومة أن تجهز خططها الاستثمارية خالية من كل الموانع تلافيا لمثل هذه الأحداث، ومن خلال ما حدث لمشروعي أدركت بتقصير الجهات المعنية في هذا الجانب، ولكن الآن حكومة الولاية وتحديدا وزارة الاستثمار والصناعة والسياحة بدأت في تصحيح مسار خطتها الجديدة وهذا مؤكدا يشجع المستثمرين على الإقبال.
إلى ذلك يقول معتصم الطاهر محمد المدير العام لوزراة الاستثمار والصناعة والسياحة بولاية نهر النيل، قضية نزاع الأراضي توجد في كل مكان، لكنها نشطت بعد اتفاقية نيفاشا، ومن المحامد أن مناطقنا هذه تحل فيها النزاعات بالتفاهم والتراضي، ومعلوم منذ عهد نميري أن مجمل الأراضي حكومية وفق القانون، ما لم تكن (ملك حر) أو مسجلة بعقد أو شهادة بحث، لكن عرفيا الناس ينتفعون بالأراضي الحكومية المجاورة لمساكنهم وقراهم ولا ضير في ذلك، يمارسون عليها بعض الأنشطة من زراعة ورعي واحتطاب وغيره، واستطرد معتصم: أما في ما يخص قضية أراضي الأتبراوي فقد أتينا إليهم وأخبرناهم بأن لهم (25 %) من مجمل الأراضي كما اتفق معهم المستثمر مسبقا، وستسجل بشكل رسمي باسم حكومة السودان لصالح المواطنين في المنطقة المعنية ويسمى هذا الاتفاق (بالرضي الأهلي أو المحلي)، وتخص تفاصيل تقسيمها القرى فيما بينها ولا شأن لنا فيه، ويطبق هذا النص في كل مشاريع الاستثمار المشابهة. وأردف قائلا: أما إذا اتفق أهل المنطقة وكونوا جمعيات تعاونية وطلبوا الأراضي بشكل رسمي قبل المستثمر لصارت لهم وبلا شك هم أولى بها، لكنهم يرفضون الدفع وفي ذات الوقت يعتقدون أن الأراضي امتداد طبيعي لهم إذا لماذا لم يستغلوها وفق إجراءات رسمية؟، وبذلك يستفيدون منها، وفي الصدد أنشأنا محكمة استثمار يمكن لأي شخص أن يذهب إليها ويحتج، بدلا من حرق وإتلاف آليات المستثمرين كما حدث في موقع المشروع، واستطرد معتصم: يجب أن يدخل المستثمر بالبوابة الحكومية حتى نستطيع حمايته وفق قانون الاستثمار، وليس عبر الحيازات، وطبعا هناك أناس في نهر عطبرة يدعون أن الوديان ملك لهم، وأن أهالي بعض القرى أتوا نازحين إليهم، ونحن فكرتنا أن الأراضي كلها حكومية، ولا يعقل لفئات امتلاك ملايين الأفدنة وأخرى لا تمتلك شيئا، ونوه مدير الاستثمار قائلا: من كان له وادٍ فليقدم على تسجيلة بشكل رسمي حتى يدرج في الخريطة، وعندما يأتي المستثمر نخبره بأن هذا الوادي ملك لهذه القبيلة أو الفئة، وختم مدير الاستثمار: نحن الآن بصدد خطة لإعادة هيكلة المشاريع الاستثمارية وتجهيز خرط وتقديمها لكل مستثمر مقبل دون أن يتعرض لأي معوقات.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي