الخرطوم – بهرام عبد المنعم
تطور العلاقات بين السودان وإثيوبيا، يكاد يُرى بالعين المجردة، خاصة وأنها وصلت إلى مرحلة متقدمة من التنسيق والانفتاح والتعاون، خاصة في المجالات الاقتصادية والزراعية.
حسنًا، مؤخرًا أعلنت هيئة النقل العام الإثيوبية، عن إطلاق خط بري دولي (تجريبي) لنقل الأشخاص عبر الحافلات بين أديس أبابا والخرطوم، بمعدل رحلتين في الأسبوع.
ويقول تسفاي بلاشو، وهو مدير دائرة عمليات النقل العام في الهيئة، إن ربط أديس أبابا والخرطوم بوسائل النقل العام، سيعمل على تعزيز علاقات التعاون في مجالات التجارة والاستثمار والسياحة، حسب وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية.
وأوضح بلاشو أن الرحلة بين أديس أبابا والخرطوم ستسغرق يومين، بتكلفة تقدر بـ(60) دولاراً للفرد الواحد، وبمعدل رحلتين في الأسبوع.
وبالنسبة إلى بلاشو، فإن رحلات النقل البري التي ستنطلق لربط البلدين، تمثل فترة تجريبية لمدة شهرين. وتوقع أن تتواصل الرحلات بعد انتهاء الفترة التجريبية بصورة منتظمة بين البلدين، مشيراً إلى أن تنفيذ مشروع النقل العام بين البلدين تم إقراره قبل ثماني سنوات.
ووقع السودان وإثيوبيا في أكتوبر الماضي على مجموعة اتفاقيات مشتركة، في مجالات الطرق والنقل والسكك الحديدية والموانئ والزراعة والصناعة والتجارة، في ختام اجتماعات اللجنة الاقتصادية العليا الرابعة بين السودان وإثيوبيا.
كما وقعا في فبراير 2015 اتفاقية لتعزيز التعاون في مجال النقل البري لتنشيط تنقل الأفراد والسياح والتبادل التجاري والاستثماري، وشمل الاتفاق تفاصيل متعلقة بمستوى البصات والتعرفة الجمركية والهجرة.
وتستخدم إثيوبيا، غير المطلة على أي بحار، الموانئ السودانية في تصدير واستيراد البضائع بالإضافة إلى موانئ جيبوتي.
وطبقًا لرئيس تحرير صحيفة (العلم) الإثيوبية، أيوب قدي، فإن إثيوبيا حالياً في حاجة إلى الزيت والقمح، وتستورد هذه المواد من الخارج، وإذا تم إنتاجها في السودان لاشترت إثيوبيا من السودان.
ويقول أيوب في مقالة مبذولة على الأسافير، إن إثيوبيا تصرف بليوني دولار لتوريد الزيت والقمح، وكذلك السكر، وإذا تم توفيرها في السودان لاشترت إثيوبيا بسعر أقل، خاصة أن هذه الطلبات تزيد يوميًا، لأن كثافة إثيوبيا (85) مليون نسمة، إذن نرى هناك إمكانية كبيرة بين البلدين يمكن استغلالها في مجال التبادل التجاري.
أما الكاتب مصطفى جامع، فيرى أن العلاقات السودانية الإثيوبية في تطور وتحسن مطّرد في السنوات الخمس الأخيرة، بعد أن كانت متدهورة في أعقاب وصول الرئيس عمر البشير إلى الحكم في السودان بانقلاب عسكري على حكومة الأحزاب الائتلافية عام 1989. وكان النظام الجديد قد تبنى، في سنينه الأولى، سياسة مثيرة للجدل، أدَّت إلى فرض العقوبات الأمريكية عليه في تسعينيات القرن الماضي.
وساءت علاقات السودان، في تلك الفترة، مع غالبية جيرانه، ومن بينهم إثيوبيا، إثر اتهامات وجهها النظام للحكومة الإثيوبية بدعم متمردي الجنوب، فيما اتهمت أديس أبابا الخرطوم بالوقوف وراء محاولة اغتيال الرئيس المصري، في حينه، حسني مبارك، على أراضيها في 1995.
وفي مطلع الألفية الجديدة، أخذ النظام الحاكم في الخرطوم في إجراء تغييرات سياسية كبيرة، كان أهمها ما عُرف بالمفاصلة التي تم بموجبها إقصاء الزعيم الإسلامي الراحل، حسن الترابي، ورفقائه المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين، بتياراتها المختلفة، فكانت النتيجة تحسُن العلاقات مع دول الجوار بشكل تدريجي، خصوصاً بعد أن أخذ النظام في تخفيف اللهجة العدائية التي تحمل شعارات ثورية توسعية.
وفي السنوات العشر الأخيرة من حكم رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل، ميلس زناوي، كانت العلاقات السودانية الإثيوبية قد وصلت مرحلة متقدمة من التنسيق والانفتاح والتعاون، خصوصًا في المجالات الاقتصادية والزراعية. أما العلاقات بين الشعبين، فقد استمرت مترابطة لم تتأثر حتى في أحلك الظروف السياسية، نسبة للتداخل الكبير بين القبائل والإثنيات المختلفة بين البلدين، ولذلك، نجد أن الثقافات والعادات والتقاليد متقاربة إلى حد كبير بين شعبي إثيوبيا والسودان.
وأصبحت، أخيراً، إثيوبيا وجهة مفضلة للمستثمرين السودانيين، فقد صرح سفير أديس أبابا لدى الخرطوم، أبادي زمو، بأن السودان يحتل المرتبة الرابعة في الاستثمارات الأجنبية في بلاده، موضحًا أن كل المجالات مفتوحة للسودانيين للاستثمار، عدا قطاع الاتصالات والبنوك والأراضي.
ويمكن السر في ذلك أن الحكومة الإثيوبية توفر بيئة جاذبة للاستثمار، وإجراءات ميسرة سهلة، خالية من البيروقراطية العقيمة، مع وضوح قانون الاستثمار، بجانب الاستقرار الأمني والسياسي الذي تتمتع به الدولة الإثيوبية.
ويلحظ المراقب ارتفاع نسبة الرحلات الجوية بين البلدين، حيث تسير الخطوط الإثيوبية ثلاث رحلات يوميًا بين الخرطوم وأديس أبابا، إضافة إلى رحلة واحدة يومية للخطوط السودانية ورحلات متفرقة لشركات خاصة أخرى، كما أن بعضها يفضل الرحلات البرية من البلدين وإليهما.
ولا يزال الأمر يحتاج إلى مزيد من الجهد، إذ يبقى حجم التبادل التجاري متواضعاً بين البلدين، (400) مليون دولار، مقارنة بين العلاقات السياسية والاقتصادية المتينة، خصوصاً، في ظل النهضة الشاملة التي تشهدها إثيوبيا في شتى المجالات، ومنها سد الألفية الذي يسير العمل فيه بخطى حثيثة، على الرغم من الجدل القائم بشأنه.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي