تقرير: محمد عبد الحميد
وصل نائب رئيس الحزب الاتحادي الأصل جعفر الصادق الميرغني، أمس الثلاثاء، إلى عاصمة دولة جنوب السودان جوبا، لإجراء مناقشات وحوار حول الراهن السياسي ومستقبل السلام الذي يخاطب جذور الأزمة مع رئيس الحركة الشعبية شمال القائد عبد العزيز الحلو. فيما قال بيان المتحدث الرسمي باسم الحزب عمر خلف الله إن حوار الميرغني مع الحلو يأتي في إطار استكمال الجهود المبذولة لبناء السلام الشامل والعادل والمستدام، بينما رافقته خلال الزيارة قيادات حزبية رفيعة المستوى وخلفاء الطريقة الختمية، فيما يلتقي قيادة دولة جنوب السودان موجهاً لها الشكر والامتنان والتقدير على ما تسهر عليه من أجل فتح المنافذ أمام السلام ليعم ربوع بلادنا، فهل يُفلح الميرغني في ضم الحلو للتوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري؟
الدولة العميقة
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بروفيسور صلاح الدين الدومة، أن نائب رئيس الحزب الاتحادي الأصل جعفر الصادق الميرغني يتبع للفلول (الكيزان) والدولة العميقة. ووضع الدومة زيارة الميرغني إلى جنوب السودان لمقابلة رئيس الحركة الشعبية شمال القائد عبد العزيز الحلو، وضعها في موضع الشك والريبة، لأن القصد من الحوار مع الحلو التخريب والتحريض، بحسب قوله.
ويشير أستاذ العلوم السياسية في حديثه لـ (الانتباهة) إلى أن رضوخ الميرغني للتوقيع على الاتفاق الإطاري تكتيكي فقط وليس استراتيجياً. لكنه عاد وأقر بأن عبد العزيز الحلو رغم المرونة التي أبداها في الآونة الأخيرة إلا أنه ليس بالشخص السهل الذي يمكن تحريضه ممن يسمون أنفسهم الكتلة الديمقراطية، بينما وصفهم بفاقدي المنطق. وأكد فشل جولة جعفر الميرغني في وقت دعا فيه قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، إلى النظر بعين الشك والريبة تجاه الخطوة التي قام بها جعفر الصادق.
وأمس الأول قال الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر في مقابلة نشرتها (الانتباهة): (إن ثلاثة ممثلين من الكتلة الديمقراطية وهم جبريل ومناوي وجعفر الميرغني، وقعوا مبدئياً على الإعلان السياسي القديم بعد إضافة بعض النقاط).
زخم كبير واستقطاب
وفي غضون ذلك يقول المحلل السياسي اللواء د. إسماعيل أمين مجذوب خبير إدارة الأزمات والتفاوض، إن الحزب الشيوعي هو من بدأ هذه الرحلة قبل أشهر والتقى الحلو ثم تبعه حزب الأمة القومي، والآن الحزب الاتحادي الأصل يصل جوبا للقاء الحلو. ويرى خبير إدارة الأزمات أن هنالك تنافساً في استقطاب مجموعة الحلو والعودة بنصر سياسي يقوي وضع هذه الأحزاب أو المجموعات السياسية.
ويشير إلى أن تحرك جعفر يأتي بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري، وبالتالي يريد الدخول في زخم كبير وقوة إذا عاد بالحلو في يده اليمنى لفرض أجندته وأخذ القسمة الأكبر من (الكيكة) في (الإطاري) بعد التسوية المقبلة. وأيضاً الحلو أصبح يلعب على هذه الحبال التي تتودد إليه ويفرض منفستو الحركة الشعبية وربما يؤدي إلى فتح اتفاق جوبا مرة أخرى، أو فتح اتفاق منفصل خاص به، وفي الطريق عبد الواحد محمد نور.
ويؤكد لــ (الانتباهة) أن هذه التحركات من غرائب السياسة السودانية، أي تحركات أحزاب ليست لها علاقة بالحكومة، والحكومة تنظر بلا تعليق ولا تستطيع الحديث لأنها جلست مع الميرغني في مصر والخرطوم تفاوض وتجادل من أجل انضمام الميرغني هنا أو هناك. وهذا بحسب إسماعيل قد أربك الساحة، كما يتناقض هذا الأمر مع شعارات الثورة وتوجهاتها.
مشهد مرتبك
وقال المحلل السياسي: (إننا أمام مشهد سياسي مرتبك وغير مستقر، وبالتالي الحلو له الحق في فرض أجندته على الجميع وفق رؤاه، وسيعود لسقف كبير جداً في التفاوض ربما يرهق رؤساء الحركات التي وقعت بجوبا وتوقعوا أنهم فازوا بالغنيمة. وسيأتي عبد الواحد على ظهر الباخرة الإسرائيلية ليفاوض بدعم إسرائيلي، وربما يجد له حاضنة سياسية من أحزاب الداخل أو من المكون العسكري، ويأتي على رأس التطبيع ويجد له مكاناً ومنفذاً لتطبيق أجندته التي تتمثل في التعويضات الفردية).
وشهدت الخرطوم يوم الإثنين الخامس من ديسمبر 2022م التوقيع على الاتفاق الإطاري بين المكون العسكري في مجلس السيادة الحاكم في البلاد وقوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي) ومجموعات متحالفة معها، لإنهاء الأزمة السياسية في السودان وإعادته إلى الحكم المدني، وسط حضور دولي وإقليمي كبير لأطراف أسهمت في التوصل إلى هذا الاتفاق.
ومن جانبه يؤكد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية د. عبد الرحمن أبو خريس أن الزيارات التي تمت للحلو من قبل لم تُفلح في ضمه لعملية السلام، وبالتالي يرى أن زيارة جعفر الميرغني ستوضع مع سابقاتها لأنها لن تأتي بجديد، لأن مشروع الحركة الشعبية علماني وضد العروبية في ما يعرف بمشروع السودان الجديد الذي يناقض التركيبة الاجتماعية للشعب السوداني ومبادئ الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل.
فمن الصعب ــ حسب أبو خريس ــ في حديثه لـ (الانتباهة) التنازل عن الممسكات الآيديولوجية للحركة الشعبية التي خاضت من أجلها الحرب لصالح أي حزب. وأضاف أن الحلو إذا ما جاء سيكون سقف التفاوض معه عالياً جداً، داعياً الأحزاب للتريث حتى يتم انتخاب حكومة تكون لها صلاحيات الجلوس مع كل الأطراف الحاملة للسلاح، لأن التعامل بالتجزئة مع تلك الحركات يعطيها كينونة ووضعية.
المصدر من هنا