اخبار الاقتصاد

خلاف حول اقتصاد الفترة الانتقالية… والبعث يرفض «الرضوخ» لصندوق النقد

مصدر الخبر / الراكوبة نيوز

ميعاد مبارك
الخرطوم ـ «القدس العربي»: في وقت بدأت فيه القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري، ورشة في العاصمة السودانية الخرطوم من الخميس إلى السبت، لمناقشة السياسات الاقتصادية في الفترة الانتقالية المقبلة، رأت قوى سياسية أخرى، أن سياسات البنك الدولي تعيد إنتاج الأزمة الاقتصادية في البلاد.
وقال المتحدث باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، عادل خلف الله لـ «القدس العربي» إن «تكرار الرضوخ للوصفات التقليدية لصندوق النقد الدولي، لا تعبر عن توجه اقتصادي وطني، من أهدافه تحقيق الاستقرار الاقتصادي ومصالح وتطلعات القوى الكادحة في المجتمع والمنتجين السودانيين» مشيراً إلى أن البرنامج الذي يعاد تسويقه هو نتاج للتبعية السياسية والاتفاق الإطاري، على حد تعبيره.
ومع ذلك، تأمل قوى «الحرية والتغيير» أن تمهد الورشة الطريق أمام سياسات اقتصادية ومالية واضحة، تسهم في إصلاح عقود من فشل إدارة الاقتصاد في عهد نظام الرئيس المخلوع، عمر البشير.
وأضاف خلف الله، الذي كان عضواً في اللجنة الاقتصادية لقوى «الحرية والتغيير» قبل خروج حزبه منها، عقب توقيع الاتفاق الإطاري في نهاية العام الماضي، أن «تجربة السودان في البرامج القصيرة للصناديق الدولية قديمة، وأن الرئيس المخلوع، عمر البشير مضى في تطبيق تلك البرامج ومن ثم رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك».
وتابع: «بحكم تجربة حمدوك ومستشاريه في المنظمات الدولية، مضوا في طريق الرضوخ ذاته للصناديق الدولية، ومن ثم تواصل ذلك من خلال سياسات سلطة الانقلاب. مع أن أحد أسباب الانتفاضة هو رفض السياسات الاقتصادية لنظام الإنقاذ ورفع الدعم عن السلع، واستطاعت قدرة الجماهير رغم القمع والتمكين، إسقاط النظام».

«ضرورة إصلاح الاقتصاد»

وزاد: «تجربتنا وكذلك التجارب السابقة، تقول إن الرضوخ لسياسات الصناديق الدولية لن يحل أزمة الاقتصاد، وأي كلام عن إيقاف التدهور الاقتصادي، عبرها، عار من الصحة».
وأقر بـ «ضرورة إصلاح الاقتصاد» لكنه تساءل «من يتحمل مسؤولية سياسات الصندوق» التي قال إن «الموالين والراضخين يروجون لها في ظل ما وصفها بـ الهيمنة الغربية والأمريكية على قوى الاتفاق الإطاري» لأن هذا التوجه، حسب خلف الله «يعبر عن مصالح تلك الدول».
وأوضح أن « 5٪ من السودانيين يستفيدون من تلك السياسات، بينما بقية الشعب السوداني تتحمل أعباءها».
وقال «من غير المأمون المضي قدما في هذه السياسات التي ستدفع بالقوى الكادحة للمزيد من المعاناة وتصعيد الحراك لإسقاط الانقلاب» موضحاً أن الاتفاق الإطاري «تشريع وتكريس لسلطة الانقلاب وسياسات صندوق النقد».
ورأى أن «هناك حلولاً أخرى من دون الرضوخ لهذه الوصفة» التي قال إن الحرية والتغيير تروج لها، موضحاً أنها «وجه آخر للاستبداد الذي يكرس للاستبداد السياسي والاقتصادي».
ولفت إلى أن «صندوق النقد والبنك الدوليين، حددوا لقوى الاتفاق الإطاري أجلاً لتشكيل حكومة مدنية، وإلا سيعاقب الشعب بإلغاء كل الإجراءات السابقة والتي كانت ستوصله في يونيو/ حزيران المقبل إلى نقطة اتخاذ القرار في مبادرة الهيبك».
وتابع: «لقد قالتها واشنطن بوضوح، من لا يوافق سيعاقب ويمنع من دخول الأراضي الأمريكية».

كرة ثلج التدهور

وزاد: «لن تحقق وصفة البنك الدولي استقرارا سياسيا واقتصاديا في البلاد. هناك العديد من الدول التي كانت تعاني من تجارب مثيلة، لم تمض في طريق الرضوخ للصناديق الدولية واستطاعت تنمية اقتصادها مثل تجربة العراق وماليزيا».
وحسب قوله «بتنوع الموارد والقطاعات، وفي ظل سلطة وطنية مؤمنة بإرادة شعبها وتنطلق من سياسات اقتصادية قائمة على حشد الموارد وتنميتها وتحديد التوازن بين القطاعات وتصفية التمكين والفساد، سيكون الاقتصاد قادراً على الانتعاش وتجاوز الأزمة التي بدأت تستحكم منذ عام 1978، أي عندما بدأ السودان الرضوخ لسياسات البنك الدولي، ومنذ ذلك الوقت بدأت كرة ثلج التدهور الاقتصادي في السودان في التدحرج وصولا للأزمة الاقتصادية الراهنة».

قيادي شيوعي يتوقع المزيد من تدهور الأوضاع المعيشية وانخفاض سعر الجنيه

واللافت للنظر، حسب خلف الله، أن «التبعية والرضوخ لهذه الوصفات لا يتمان إلا في ظل الأنظمة المستبدة. الحكومات الديمقراطية، التي تستجيب لإرادة شعبها لا يمكن أن تمضي في هذا الاتجاه».
وتساءل «ما الذي قدمه فلاسفة هذا الاتجاه خلال الفترة الانتقالية السابقة والتي امتدت لعامين؟». ومع ذلك رأى أنه «يمكن للسودان استعادة علاقته مع المجتمع الدولي، ولكن وفق مصالحه وأولوياته التنموية».
وبين أن «هذه السياسات تهدف إلى عدم سيطرة الدولة على الموارد والتغول على القطاع التعاوني» مشيراً إلى أن «الاشتراطات الخارجية الموجهة للتطورات في البلاد بالاتفاق الإطاري تعمل على تصفية ما تبقى من القطاع العام وإعاقة القطاع التعاوني، حيث ستكون الاستثمارات لقطاع خاص أغلبه للدول الممولة لتلك المشاريع».
وبالنسبة للحزب الشيوعي الذي غادر تحالف قوى «الحرية والتغيير» في 2020، فهو لا يزال رافضاً للسياسات الاقتصادية التي تم إقرارها خلال الفترة الانتقالية السابقة.
وقال عضو اللجنة المركزية في الحزب والخبير الاقتصادي، صدقي كبلو، موجهاً انتقاداته لقوى «الحرية والتغيير» إنهم لن «يقولوا الشيء الحقيقي الذي من المفترض أن يقولوه».
ورأى أن «الورشة الاقتصادية الجارية، هي تعبير عما يريدون فعله فعلا، هم والعسكر». إنهم، وفق قوله «يعتقدون أنه بمجرد تكوين الحكومة الانتقالية ستنصب على البلاد المساعدات».
وأوضح: «قد يحدث ذلك أو لا يحدث. توجد أسباب لحدوث ذلك، كون واشنطن مهتمة بالسودان من ناحية جغرافية سياسية بما يتضمن الصراع بين روسيا والصين وأمريكا والغرب في أفريقيا، وقد يؤدي ذلك لدعم كبير. هذا الأمر حدث في جنوب شرق آسيا من قبل إذ تم تقديم دعم أمريكي ضخم، وارتبط ذلك بمسألة النمور الآسيوية».

«آمال في الهواء»

لكن في المقابل «هناك ظروف أخرى تمنع انسياب الدعم، خصوصا الأزمات الاقتصادية العالمية، في الغرب خاصة، ربما أمريكا أفضل حالا، إذ تستفيد من الحرب الأوكرانية» حسب كبلو.
إلا أن السؤال «إلى أي حد يمكن أن يشاركونا في أرباحهم في الحرب؟ أما بلاد الغرب الأخرى فليست لديها قدرة على المساعدة» موضحاً أنه «من دون دراسة الوضع العالمي يبقى أننا نخلق آمالا في الهواء».
وزاد: «لا شك أن سياسات الصندوق ستؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع المعيشية وانخفاض سعر الجنيه السوداني، وستتسبب بزيادة التضخم، بل إن ميزان المدفوعات والميزان التجاري لن يتحسن لأن هذه السياسة التي ينصح بها الصندوق تزيد تكلفة الإنتاج السوداني الزراعي والصناعي، وتؤدي إلى تدهور الميزان التجاري وميزان المدفوعات».
وأضاف: «الطريق الذي يختارونه لن يؤدي إلى نتيجة، وخلال سنتين حكموا فيها البلاد، لم يقدموا الحلول، ولكن تواطؤا ضد قرارات اللجنة الاقتصادية للحرية والتغيير التي لم تنفذ».

تغيير مفاهيم

وتابع: «في رأيي العملية السياسية إذا أدت إلى تشكيل حكومة مدنية، لن يؤدي ذلك لحل الأزمة الاقتصادية. فالحل يحتاج لتغيير مفاهيم عديدة ونظرة أشمل. هل نسير في طريق سار فيها 30 سنة البشير، حيث سارت حكومته في طريق الصندوق، ولم تكسب منه شيئا، أم نغير ذلك؟».
ورأى أن «بداية الحل تبدأ بالرجوع لمقررات المؤتمر الاقتصادي السابق، وبرنامج الإصلاح الداخلي هو بداية حل الأزمة في مجال الإنتاج والتجارة الخارجية والمصارف، بما يشمل الإنتاج الزراعي والصناعي».
وفي سبتمبر/ أيلول 2020، عقدت قوى «الحرية والتغيير» مؤتمراً اقتصاديا قبل خروج الحزب الشيوعي من التحالف، قدم فيه كبلو ورقة، لكن بعد انتهاء المؤتمر لم تعمل الحكومة الانتقالية بتوصياته.
وحسب القيادي الشيوعي «السياسة الاقتصادية يجب أن تكون مترابطة، وفق قراءة للمشهد في البلاد، أما السعي لزيادة الإيرادات عبر زيادة الضرائب وزيادة أسعار المدخلات والخدمات، فلن تدعم تطور الإنتاج ولن تحل أزمة الاقتصاد السوداني».
وزاد: «بالنسبة للتجارة الخارجية يجب تنظيم الشركات ذات الامتياز في البلاد، لضمان تحسين التجارة الخارجية وعائدات التجارة الخارجية، لا بد من حل مسألة تهريب الذهب. كلها قضايا مترابطة لإخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية والتنمية المتوازنة. هناك ما يتعلق بإصلاح الطاقة، ونقترح على الرغم من أهمية إصلاح قطاع البترول، لكن يجب أن نتجه مثل المصريين لإصلاح جذري للطاقة الشمسية».
وأكمل: «الفترة الانتقالية سنتان، يجب أن تضع أسساً صحيحة، أسس الديمقراطية الحقيقية المستدامة، ولا توضع كبرامج انتخابات. كل الحكومات الانتقالية خلفت مشكلات اقتصادية جمة ورثتها من الأنظمة الشمولية وأدت إلى انهيار الديمقراطيات بعدها».
المحلل الاقتصادي، هيثم فتحي، قال لـ «القدس العربي» إن «السياسة المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي وبرامج البنك الدولي والمؤسسات المالية الأخرى، هي المطبقة، والتي تم إقرارها مع بداية الحكم الانتقالي في السودان، وهذه البرامج لا حياد عنها».

سياسة مستمرة

وأضاف: «لا يستطيع الآخرون أن يغيروا فيها، الحكومة وقعت نيابة عن السودان، والآن البرامج تمضي. العقبة أمامها، الإجراءات التي حدثت في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021. ولكنها سياسة مستمرة بدليل أن 3 وزراء مالية مستمرون بالنهج نفسه «.
وأضاف: «البرنامج مستمر، وكل ما طلبه برنامج صندوق النقد الدولي مستمر، ونرى تطبيقه بحذافيره على الرغم من كونه برنامجا قاسيا ولكن تم تنفيذه».
وأوضح أن «ما أشارت إليه ورشة الحرية والتغيير الاقتصادية، برنامج متفق عليه بين الحكومة الانتقالية وبين صندوق النقد. يتغير الشخوص والزمان ولكن تبقى السياسة واحدة. وعند العودة إلى حكومة انتقالية متفق عليها بين القوى السياسية والجيش سوف يتواصل هذا البرنامج، وسوف يعود الدعم المتفق عليه من المجتمع الدولي، إذا كانت الدول داعمة فنيا أو ماليا أو عملت على إسقاط الديون».
وتابع: «هناك العديد من الدول ستعمل على إسقاط الديون. يبقى التحدي الأكبر ما يعيشه العالم أجمع من أزمة مالية على مستوى العالم، وارتفاع أسعار البترول وحرب أوكرانيا وروسيا والتي أثرت كثيرا على المجريات الاقتصادية، وعلى ارتفاع أسعار البترول والغذاء على مستوى العالم». كذلك قال المحلل الاقتصادي معتصم الأقرع لـ «القدس العربي» إن «السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة الانتقالية السابقة، ستتواصل، وأن الحرية والتغيير وأطراف الاتفاق الإطاري لن تتخلى عنها لأنها متعلقة بدعم المانحين الدوليين» مشيرا إلى أن «معظم الدعم المقرر للسودان تم استلامه في عهد الحكومة الانتقالية السابقة».

المزيد من الفقر

وأضاف: «المشكلة أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد في تدهور مستمر بسبب التضخم وانهيار البنية الإنتاجية، الأمر الذي سيقود إلى المزيد من الفقر وعدم استقرار سياسي وتواصل الغضب في الشارع وتراجع لسلطة الدولة».
ولفت إلى أن «صندوق النقد الدولي مدرك تماما للهشاشة الاقتصادية والأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد، وقد كان على استعداد لأن تتدرج الحكومة في تنفيذ وصفته، لكن الحكومة الانتقالية السابقة قررت أنها لا تريد التدرج، وأن تعطي الشعب السوداني جرعة مركزة».
وبين أنه «داخل إطار برنامج صندوق النقد، هناك إمكانيات تفاوضية متاحة للمفاوض لم يستخدمها المفاوضون السودانيون، تتعلق بالحماية الاجتماعية، الأمر كان يحتاج مقدرات فنية» وفق الأقرع، الذي رأى أن «الخيارات متاحة في الصدد، وليست إما أن تدخل في عداء مع صندوق النقد، أو تنفذ السياسات نفسها، إنما متاح تغيير السياسات، ومراعاة للفقر وتكون البلاد في الوقت نفسه تعمل ضمن البرنامج».
وأكد أنه «ليس من الصعب صياغة موقف في الصدد، لاستعراضه أمام المؤسسة الدولية، يرتكز حول الهشاشة الراهنة في البلاد وتعزيز الحماية الاجتماعية، وأنه ليس من الصعب الموافقة».
وكانت القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري افتتحت الخميس ورشة اقتصادية في العاصمة السودانية الخرطوم، تختتم اليوم السبت، وسط ترقب لوضع تصور للسياسات الاقتصادية للبلاد خلال الفترة الانتقالية المرتقبة.

توافق المجموعات

وقال القيادي في «الحرية والتغيير» ونائب رئيس حزب «الأمة» الصديق الصادق المهدي، خلال مخاطبته الورشة، إن «الغرض من الورشة الاقتصادية هو توافق المجموعات المشاركة على السياسات الاقتصادية وأولويات الفترة الانتقالية». واشتدت وطأة الأزمة الاقتصادية في البلاد في أعقاب انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حيث ظلت الحكومة تعتمد على الضرائب والجبايات والتي تضاعفت مرات عديدة، وأدت إلى حالة كبيرة من الركود الاقتصادي، في ظل معاناة ألقت بظلالها على الأوضاع المعيشية للسودانيين.

المصدر من هنا

عن مصدر الخبر

الراكوبة نيوز