السودان الان

“48 ساعة مع سلفا” بدأ رئيس جنوب السودان زيارته للخرطوم بالانحناء أمام علم السودان، وتعهد بتنفيذ الاتفاقيات الثنائية التي وقعها الجانبان خلال الزيارة تمهيدا للطريق نحو السلام والاستقرار المنشود

مصدر الخبر / صحيفة اليوم التالي

الخرطوم – أميرة الجعلى
عقب هبوط الطائرة (الرواندية) كان رئيس الجمهورية المشير البشير في انتظار ضيفه رئيس حكومة جنوب السودان الفريق سلفاكير ميارديت، لكن رئيس الدولة المستقلة عن السودان في العام 2011 يتجاوز فرضية كونه ضيفاً ويعيد انحناءته أمام العلم السوداني مثلما يفعل (جندي) عائد من معركته منتصراً، لم تكن هي المرة الأولى التي ينحني فيها سلفاكير أمام العلم السوداني، ففي زيارته السابقة فعل ذات الأمر مما يجعل ما حدث نهار الأربعاء مجرد تجديد (الوفاء) للماضي ومؤكد أنها محاولة لرصف الطريق في اتجاه المستقبل، احتاج الفريق سلفاكير لخمس دقائق قبل أن يهبط داخل مطار الخرطوم في صالة كبار الزوار في رحلة الثماني والأربعين ساعة، فيما احتاج الصحفيون لقضاء ما يقارب الساعة وقوفاً في باحة المطار حين كان الرئيس يتحدث.. وهو يستعد للمغادرة بدا الفريق وكأنه يخرج كل الهواء الساخن من رئتيه في سبيل السعي لتطهير الأرواح مما علق بها والاتجاه بالسودانين نحو المستقبل.
1
حين هبوطه في المرة الفائتة في مطار الخرطوم كان سلفاكير قادراً على تحويل اهتمام الجميع عن القضايا التي تتمحور حولها ازمات الدولتين إلى نقطة أخرى بدت مختلفة تماماً. اختار سلفاكير ساعتها أن ينحني للعلم السوداني وأرجع خطوته إلى أنها تقدير للبلاد التي كان جزءا من تكوينها الاجتماعي وللأرض التي طالما دافع عنها، لذلك هو ينحني أمام الراية السودانية.. الخطوة اعتبرها البعض محاولة توظيف العواطف لخدمة أهداف السياسة وسرعان ما تجاوزوها نحو نقطة أخرى لكن في ذات الأربعاء التي كان يدخل فيها السودان القديم حقبة زمنية جديدة يأتي سلفاكير وبذات مواقيته القديمة ويكرر انحناءته أمام العلم السوداني في تجاوز آخر للبرتكول الرسمي في ما يتعلق بسلوك رؤساء الدول.. عقب الانحناء يواصل سلفا مسيرته في اتجاه ما جاء من أجله ولتنفيذ برامج رحلته المعلنة وهو يمضي في شوارع الخرطوم مستعيداً ما مضى ومحاولاً رسم تفاصيل ما سيأتي.
2
يوم الخميس كانت صحف الخرطوم تخرج باتفاق بين (الحكومتين) على إيقاف دعم الجماعات المسلحة حيث تعهد الرئيسان خلال جلسة المباحثات المشتركة بعدم دعم مجموعات معارضة تهدد السلم والأمن في البلدين، وأعلن المشير عمر البشير رئيس الجمهورية عدم السماح للسياسيين والقادة الجنوبيين المقيمين في الخرطوم بممارسة أي أنشطة سياسية أو عسكرية ضد دولة الجنوب إلى جانب دعم السودان لكل مساعي توحيد الجنوبيين. بالمقابل تعهد الرئيس سلفاكير بعدم استضافة بلاده لأي مجموعات معارضة تهدد السلم والأمن والسلم في السودان، مجددا رغبة بلاده في حسن الجوار مع الخرطوم، وأكد التزام حكومته بتنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين منذ العام 2012م. وقال إنه سيشرف بنفسه على تنفيذ الاتفاقيات..
المباحثات في يومها الأول أكدت أنه على الخرطوم أن تنام وهي آمنة من شرور تأتيها من جوبا، وذات الأمر ينطبق على الثانية حين يتعلق الأمر بجارتها الشمالية ولم تكن من عبارة تخرج ساعتها غير عبارة (الوقت للتعاون) والبناء على المشتركات وما أكثرها.
3
عقب انتهاء جلسة المباحثات اتجه رئيس جمهورية جنوب السودان إلى مقر إقامته في فندق كورنثيا بشارع النيل وهو المكان الذي عقد فيه اجتماعاته مع كل من رئيس مجلس الوزراء القومي الفريق بكري حسن صالح والتقى أيضاً برئيس المجلس الوطني إبراهيم أحمد عمر فيما كان مدهشاً حضور الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي علي الحاج، وبالطبع كان مثيراً حضور رئيس نادي الهلال أشرف الكاردينال الذي قابل رئيس حكومة الجنوب متنازلاً عن (طاقيته) الشهيرة وكأن رجل الأعمال يقول ساعتها (طاقية الضيف تكفي).
في سياق متصل وقعت دولتا السودان عدداً من الاتفاقيات في مجالات مختلفة وهي الاتفاقيات التي تعهد رئيس الجنوب بتنفيذها على أرض الواقع باعتبارها الطريق نحو السلام والاستقرار المنشود.
4
منتصف نهار الأمس كان الرئيسان يجلسان في القصر الجمهوري حيث نصب المكان لقيام المؤتمر الصحفي المشترك باعتباره آخر ما تبقي في برنامج زيارة الثماني والأربعين ساعة حيث ابتدر الحديث المشير عمر البشير مرحباً بشقيقه سلفاكير في وطنه ومعتبراً أن هذه الزيارة تمثل نقطة فاصلة بين (عهدين) وأن السودان تجاوز كل ما مضى وأنهم سيمضون الآن نحو المستقبل، معلناً نهاية كل ما يعكر صفو الجو بين الخرطوم وجوبا، ومعتبرا أن الزيارة قد حققت غاياتها المنشودة وأن القادم هو وضع ما جاء فيها موضع التنفيذ وأكد على خصوصية العلاقة مع الجنوب، خصوصية تقوم على تغليب خيار السلام. نهاية حديث المشير البشير كانت مدخلاً لأن يتحدث الضيف في حضور وسائل الإعلام، حيث بدأ سلفا حديثه باللغة الإنجليزية قبل أن يتحول للحديث باللغة العربية التي تفيد برغبته في إخراج الهواء الساخن وتحديداً حين تعلق الأمر باتهامات لحكومته بإيواء معارضة سودانية، حيث قال موجها حديثه لرئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم احمد البلال الطيب: “نحن في الجنوب مفلسين وستة شهور ما صرفنا للجيش بتاعنا وما عندنا عربات للجيش فكيف ندعم حركات التمرد المعارضة السودانية؟.. ثم انا (سلفا) عارف وإنت يا أحمد البلال الطيب عارف نارس المعارضة الجنوبية هسع قاعدين وين”.. ثم أضاف أنه بإمكانه أن يسرد قائمة بالأسماء الموجودة الآن في الخرطوم ممن يعارضون الحكومة في جوبا.. وقتها كانت قاعة المؤتمر تدخل في حالة من الصمت قبل أن يعاود سلفا حديثه مثل من يضع اعتذاره على أن لغته العربية ليست (طلقة) كما يجب، ومعها ذات الابتسامة التي هبط بها في الخرطوم.. ما يفهم ساعتها أن الرجل حاول إيصال رسالة بأن ما في بلاده من أزمات كاف لأن يمنعها من المساهمة في مفاقمتها بدعم المعارضة في الخارج. وكمن لا ينسى، سرعان ما يستعيد سلفاكير تفاصيل ما جرى في قصر السلطة في جوبا ويربطه بنائبه السابق وغريمه الحالي قائد المعارضة رياك مشار حيث قال إنه منحه دبابة مصفحة من أجل تلافي الموت ولكنه استغلها في الوصول إلى غابة التمرد.
غادر سلفاكير الخرطوم بذات الطائرة (الرواندية) التي جاء بها وهي خطوة لا تخلو من رسائل حاول سلفا إيصالها بأنه الآن أبعد من تأثيرات (كمبالا ونيروبي) وراغب بشدة في إعادة الموذج الرواندي في جوبا بعيداً عن حالة الموت المستمر.

يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي

عن مصدر الخبر

صحيفة اليوم التالي