تعاني مدينة الكفرة في ليبيا من دخول آلاف اللاجئين من السودان، بعد أن دفعتهم أهوال الحرب للهجرة إلى ليبيا، حيث أصبحت الكفرة ملاذًا آمنًا لهم.
يأتي ذلك في سياق المخاوف من عدم قدرة المدينة الصغيرة الواقعة في جنوب شرق ليبيا على استيعاب الأعداد المتزايدة من اللاجئين الهاربين من المدن القريبة من الحدود الليبية.
أفادت الصفحة الرسمية للبعثة الأممية بالإنابة بأن الممثل الخاص للأمين العام، جورجيت غانيون، ذكرت أثناء زيارتها إلى الكفرة أن السلطات المحلية والمجتمعات المضيفة في الكفرة وفي جميع أنحاء ليبيا تقدم الدعم بشكل فعّال للاجئين السودانيين.
هناك حاجة ملحة لزيادة الدعم من أجل تلبية الاحتياجات والتحديات الإنسانية المتزايدة، بما في ذلك تقديم الخدمات الأساسية.
أطلقت الأمم المتحدة في ليبيا خطة استجابة للاجئين السودانيين لعام 2024، والتي نظمتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بهدف دعم الجهود التي تقوم بها السلطات والمجتمع المحلي وضمان توزيع المسؤوليات مع دولة ليبيا والسلطات المحلية والسكان الليبيين.
تصريحات رسمية
من ناحيته، أشار عبدالله سليمان، المتحدث الرسمي باسم بلدية الكفرة، إلى أن أعداد اللاجئين السودانيين المتوجهين إلى الكفرة ما زالت تشهد زيادة مستمرة، وذلك في ظل اتساع دائرة النزاع في دولة السودان.
قال: “تمت ملاحظة أن العدد الأكبر من اللاجئين يتكون من النساء والأطفال، وهذا يؤثر بشكل كبير على المؤسسات الخدمية في مدينة الكفرة. لذا، تم توجيه نداء للمنظمات الدولية والحكومة الليبية لتقديم المساعدة لمدينة الكفرة لمواجهة هذا التحدي الخطير”.
وأشار سليمان في تصريحه لوكالة “سبوتنيك” إلى أن المدينة تضم أكثر من 50 تجمعاً للاجئين، بما في ذلك المزارع والمستودعات القديمة، حيث يعتبر أي مكان له ظل ومُحاط بسور مناسباً للإقامة المؤقتة. وهذه القضية تمثل مشكلة كبيرة للاجئين والسكان المحليين في الوقت ذاته.
وشدد المتحدث الرسمي على خطورة الوضع، مشيراً إلى أن المشهد الحالي مؤلم للغاية عند رؤية الأطفال والنساء ينامون تحت الأشجار. وتساءل ماذا سيحدث إذا جاء فصل الشتاء في هذه الظروف، متوقعاً أن تواصل الحرب في السودان مع غياب أي إشارات لحل الأزمة.
بين أن السودان يمر حالياً بفترة الخريف حيث تكون الأمطار نادرة، مما يؤدي إلى تقليل حركة اللاجئين قليلاً، ولكن مع اقتراب فصل الشتاء، من المتوقع أن تزداد أعداد اللاجئين بشكل ملحوظ.
تحدث سليمان عن زيارة وفد الأمم المتحدة الذي قادته جورجيت غانيون مع ممثلين من مختلف المنظمات الدولية، بما في ذلك اليونيسيف ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الهجرة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وقد اجتمعوا مع السلطات المحلية في المدينة واطلعوا على احتياجاتها في المجالات الخدمية والصحية، وتعهدوا بتقديم المساعدات لمدينة الكفرة ودعم السلطات هناك لمساعدتها على مواجهة هذا التحدي الخطير، الذي قد يكون له تأثيرات سلبية على الكفرة إذا زاد عدد السكان إلى الضعف أو ضعف عددهم الحالي.
إمكانيات محدوة
وصف المحلل السياسي جمال شلوف الوضع في مدينة الكفرة بأنه سيء للغاية، خاصة مع تزايد أعداد اللاجئين، وهو ما يصعب تدبره في ظل ضعف النظام الصحي في ليبيا. فالكثير من اللاجئين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة وبرنامج تغذية صحي، وهو أمر يتجاوز قدرات السلطات المحلية التي لا تستطيع التعامل مع هذه الأعداد الكبيرة.
اعتبر شلوف في تصريح خاص لوكالة “سبوتنيك” أن الوضع هناك يتطلب تدخلاً سريعاً وعاجلاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وأشار إلى أنه إذا تُرك هؤلاء اللاجئون وسط زيادة الأعداد، فإن احتمالات حدوث مجاعة سترتفع بشكل كبير.
قال: “يبقى العائق الأساسي في أي مشروع تابع للأمم المتحدة هو العقبات الإدارية والبرتوكول والبيروقراطية المعقدة. وما يحتاجه اللاجئون هو تدخل سريع لا يتجاوز الساعات أو الأيام، في حين أن الأمم المتحدة ستستغرق وقتًا طويلاً بسبب بروتوكولاتها البطيئة.”
أكد المحلل الليبي أن العدد يتزايد يومياً نتيجة استمرار الحرب ومخاوف الأهالي من تصاعد الصراع، مشيراً إلى أن ليبيا تُعتبر ملاذاً آمناً لهم. وأضاف أن العدد قد يتضاعف بشكل كبير، محذراً من أنه إذا لم تتدخل المنظمات الدولية بشكل عاجل، فإن الوضع قد يصل إلى كارثة حقيقية.
مؤشرات خطيرة
يقول المحلل السياسي حسام الدين العبدلي إن الصراع والمعارك في السودان مشتعلة، ولا يوجد أي أمل في حل قريب. وقد فرّ عدد كبير من اللاجئين من السودان، وفقًا للإحصاءات الدولية التي تشير إلى خروج أكثر من مليون وثمانمائة ألف لاجئ نحو دول الجوار، بما في ذلك ليبيا. وتوجد في مدينة الكفرة حوالي 40 ألف لاجئ سوداني، بينما يُقدّر عدد سكان المدينة بـ 60 ألف نسمة، مما يعني أن ثلثي سكان المدينة هم من الجنسية السودانية.
أشار العبدلي في تصريحه لـ “سبوتنيك” إلى أن هذا الأمر يعتبر مؤشراً خطيراً يهدد الوضع الديموغرافي، وأن العدد سيصبح قريباً معادلاً لعدد سكان المدينة. ومدينة الكفرة صغيرة ولا تتحمل هذا العدد الكبير من الناس، حيث لا يوجد بها سوى مستشفى واحد، مما يزيد من صعوبة الوضع بسبب نقص الإمكانيات. ومع ذلك، بذلت بلدية الكفرة جهوداً كبيرة في مساعدة هؤلاء اللاجئين، وخاصة النساء والأطفال، إلا أن المدينة عاجزة عن استيعاب هذا الكم الهائل من اللاجئين. ولذلك، يجب أن يكون هناك تعاون من الحكومات الليبية والمنظمات الدولية.
يرى أن المشكلة تتفاقم حيث أن هناك أعداد كبيرة من اللاجئين وصلت إلى مدن أخرى مثل بنغازي وأجدابيا، ولم يتم تسجيلهم في الإحصاء الذي أجرته السلطات في مدينة الكفرة. وأشار إلى أن معظم السودانيين الذين وصلوا إلى الكفرة يسعون إلى الوصول إلى العاصمة طرابلس، حيث الهدف هو الوصول إلى مفوضية شؤون اللاجئين للحصول على اللجوء. وطرح تساؤلات حول سبب عدم منح السلطات الليبية الترخيص لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لفتح مكتب لها في الكفرة، مما كان سيمكنهم من مساعدة الدولة الليبية في إحصاء اللاجئين قبل انتشارهم في باقي المدن، حيث سيكون من الصعب حصرهم ومساعدتهم بعد ذلك.
مخاطر محتملة
أشار إلى وجود خطر كبير من مجموعة كبيرة من اللاجئين الذين يعانون من بعض الأمراض المعدية، والتي تنتشر بسرعة. وهؤلاء متواجدون في أماكن عامة معينة، وينبغي منع أي شخص يحمل هذه الأمراض من العمل في المطاعم والمقاهي لتقليل فرص المخالطة حتى يتم علاجهم أو نقلهم إلى مراكز إيواء متخصصة لتلقي العلاج والحد من انتقال العدوى. كما ينبغي أن تكون هناك متابعة شديدة من قبل أجهزة الأمن مع إجراء الأبحاث اللازمة في هذا الشأن.
وقال: “المشكلة الحالية تكمن في سوء التنسيق، حيث يوجد غموض كبير من الدولة الليبية يتمثل في اشتراط مفوضية اللاجئين تسجيل اللاجئين في مكتبها بالعاصمة طرابلس، وهذا الأمر لا يقتصر على السودانيين فحسب، بل يشمل جميع المهاجرين من الدول الأخرى.”
أشار إلى أن زيارة بعثة الأمم المتحدة والوكالات التابعة لها كانت بناءً على طلب من حكومة الوحدة الوطنية خلال منتدى الهجرة عبر المتوسط، وذلك للذهاب إلى مدينة الكفرة لمتابعة أوضاع اللاجئين هناك. وأعرب عن أمله في أن تكون هذه الزيارة مثمرة لتقديم الدعم الضروري لمدينة الكفرة، حيث أكد أنه سيتم تقديم منح للمدينة من قبل بعض المنظمات الدولية تصل قيمتها إلى 50 مليون دولار لمساعدة اللاجئين.
وأوضح: “دولة السودان هي دولة شقيقة، وهم إخوة لجميع الليبيين، ونأمل أن تتجاوز السودان هذه المرحلة الصعبة، ومساعدة الإخوة اللاجئين من السودان تعتبر واجباً إنسانياً حتى تنتهي هذه المحنة”.
وأكد على أهمية تضافر جهود المنظمات الدولية والحكومة الليبية من أجل تقديم المساعدة في إطار تنظيم أفضل من قبل السلطات المحلية.