السودان الان السودان عاجل

تتسارع وتيرة إزالة الغابات في دارفور نتيجة الحرب، مما يؤدي إلى كارثة بيئية تتفاقم في أقصى غرب السودان

مصدر الخبر / هذا الصباح

اظهر تقرير لـ “مرصد حرب السودان” عن ظهور ما وصفته بـ “كوارث بيئية” كبيرة في غرب السودان نتيجة الحرب المستمرة منذ عام وأربعة أشهر. ووفقًا للتقرير، فإن نقص غاز الطهي أجبر المواطنين في دارفور على الاعتماد بالكامل على الفحم والحطب لطهي الطعام، مما أدى إلى زيادة قطع الأشجار وإزالة الغابات.

يعود نقص غاز الطهي إلى العام الماضي، عندما تسبب القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، التي كانت حلفاءه السابقين، في إغلاق طرق التجارة مما أدى إلى توقف الموردين عن العمل في بعض المناطق.

دارفور، التي تهيمن عليها بشكل رئيسي قوات الدعم السريع، معزولة عن التجارة مع مركز وادي النيل في السودان ومدينة بورتسودان.

لا تزال بعض السلع المهربة تصل عبر تشاد وجنوب السودان، لكن تكاليف النقل والمخاطر المرتبطة بهذه الطرق تجعلها مكلفة جداً لمعظم التجار.

تحتاج مناطق واسعة من دارفور إلى توفر الكهرباء بشكل منتظم لاستخدامها في الطهي الكهربائي، ويعتبر الفحم والحطب هما المصدران الرئيسيان البديلان للوقود في الطهي.

نتيجة لذلك، زاد الطلب على هذه الوقود، مما أدى إلى ازدهار صناعة الفحم وقطع الأشجار.

أكدت سلوى آدم عبد الله، وهي ربة منزل في مدينة الضعين بولاية شرق دارفور، لموقع “سودان وور مونيتور” أن غاز الطهي لم يعد متوفرًا كما كان في السابق في الأسواق، مما جعلهم يعتمدون تمامًا على الفحم والحطب في طهي الطعام. وأضافت أن نقص الغاز أدى إلى زيادة أسعار الفحم والحطب.

أكدت غادة عبد الله، مواطنة أخرى من جنوب دارفور، أن الغاز أصبح نادرًا جدًا في الأسواق، وأصبح السكان يعتمدون بالكامل على الفحم والحطب في عمليات الطهي، مشيرة إلى زيادة أسعار الفحم نتيجة الطلب الكبير.

وقالت: “إذا اعتبرنا مثال الأسرة الصغيرة أو المتوسطة، قبل الحرب، كان أقل من نصف كيس من الفحم مع الغاز يكفي لمدة شهر.”

الآن، تستهلك نفس الأسرة من ثلاثة إلى أربعة أكياس من الفحم في غضون شهر واحد.

وفقًا لسامية محمد، عضوة في قسم الغابات بجامعة بحري، فإن نقص الغاز ينعكس على مناطق أخرى في السودان أيضًا. وأكدت أن إزالة الغطاء النباتي تؤدي إلى آثار سلبية كبيرة، مثل زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري وتآكل التربة، مما يؤدي إلى تراجع خصوبتها.

أدى زيادة أسعار الفحم في دارفور إلى حدوث منافسة بين السكان المحليين والتجار في عمليات قطع الأشجار بشكل غير قانوني، حيث فقد هؤلاء التجار العديد من مصادر رزقهم الأخرى بسبب النزاع المسلح.

أصبحت تجارة الفحم تجارة رائجة وتحقيق الأرباح فيها سريع.

أدى غياب السلطة في دارفور، بعد سيطرة قوات الدعم السريع، إلى تصاعد تهريب الفحم والخشب إلى تشاد.

قال عمر محمد علي، تاجر ومورد للمواد الغذائية في نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، إنه اضطر للتوقف عن استيراد المواد الغذائية من الخرطوم بسبب الحرب وإغلاق الطرق، وواجه خطر فقدان عمله وترك السوق بالكامل، لولا ما وصفه بفرصة العمل في تجارة الفحم.

في حديثه مع “مرصد حرب السودان”، ذكر علي أن استقدام الفحم من القرى والمناطق الريفية أصبح مصدراً مربحاً للتجارة له ولزملائه التجار الذين فقدوا أموالهم بسبب الحرب. وأوضح أنهم يشترون كميات كبيرة من الفحم من السكان المحليين الذين قاموا بتطوير صناعة الخشب، ثم يتم نقل الفحم إلى المدن لإعادة بيعه بأسعار مرتفعة.

في غضون ذلك، أفاد المواطن عز الدين صديق من نيالا لموقع “مرصد حرب السودان” أن سعر كيس الفحم في المدينة قد ارتفع إلى 11 ألف جنيه، بعد أن كان 2000 جنيه فقط قبل اندلاع الحرب. هذا الارتفاع في الأسعار دفع السكان المحليين إلى زيادة قطع الأشجار لإنتاج الفحم وبيعه للتجار الذين يقومون بنقله إلى المدن وبيعه بأسعار أعلى.

وكشف صديق أيضًا أن الشاحنات التجارية الكبيرة التي تنقل البضائع من تشاد تعود محملة بكميات كبيرة من الفحم إلى تشاد.

السودان هو أكبر أزمة إنسانية في العالم.

بالإضافة إلى ملايين اللاجئين الذين لجأوا إلى الدول المجاورة، هناك نحو 10 ملايين سوداني نازح داخليًا داخل البلاد بسبب النزاع بين الفصيلين المتنازعين.

وقد نتج عن ذلك تقليص عدد السكان في بعض المناطق، بينما شهدت مناطق أخرى زيادة كبيرة.

قال عبد الفتاح حامد، الأستاذ الزائر في مجلس الشرق الأوسط للسياسات الدولية، إن هذه الهجرات تؤثر بشكل كبير على البيئة على المدى الطويل.

ذكر أن تدفق النازحين داخلياً إلى المجتمعات التي تعاني بالفعل من الضعف يسبب تدهوراً في الموارد البيئية المحلية، مما يزيد من التنافس على الموارد المحدودة، خاصةً الأراضي الخصبة والمياه. وقد تؤدي هذه المنافسة إلى تصاعد التوترات والصراعات بين المجموعات المختلفة، والتي تتفاقم بفعل الانقسامات السياسية والقبلية والإثنية الموجودة مسبقاً.

من الأمور التي يمكن ذكرها شرق دارفور، حيث لم يحدث فيها الكثير من الاشتباكات المباشرة بين الأطراف المتقاتلة، لكنها استقبلت الآلاف من النازحين نتيجة النزاع من مناطق أخرى في دارفور وغرب كردفان المجاورة.

وفقًا ليحيى محمد عيسى، المدير الإداري المساعد للغابات في ولاية شرق دارفور، فإن الزيادة الكبيرة في عدد السكان في شرق دارفور أدت إلى تضاعف عملية إزالة الغطاء النباتي، مما تسبب في تراجع مساحات الغابات.

واتهم السكان بالاعتماد على الفحم والحطب في الطهي، بالإضافة إلى استخدام الخشب في إنشاء المنازل والملاجئ للنازحين.

بالإضافة إلى قطع الأشجار، توفيت بعض الأشجار في مناطق من دارفور بسبب الجفاف خلال موسم الجفاف الذي حدث في وقت سابق من هذا العام.

أظهرت الصور التي التقطها “مرصد حرب السودان” في حي الخرطوم بيلي بمدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، مجموعة كبيرة من الأشجار التي جفت وماتت تمامًا، بينما ظهرت أشجار أخرى جفت جزئيًا.

تأثرت الأشجار في نيالا ومدن أخرى نتيجة للقصف والقنابل والرصاص.

ذكر عدد من سكان حي الخرطوم خلال الليل أن العديد من أشجار التين قد جفت بعد انتهاء الاشتباكات العنيفة العام الماضي بين الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تعرض الحي لقصف مدفعي مكثف دام لعدة أشهر.

عندما عادوا إلى بيوتهم بعد انهيار الفرقة 16 مشاة، لاحظوا أن عددًا كبيرًا من الأشجار بدأ يجف بشكل تدريجي، بينما جفّت أشجار أخرى تمامًا.

أشار الدكتور حمدي عبد النبي عبدالله، الناشط في مجال الإشعاع الطبيعي وكيمياء المياه ومعالجتها، إلى أن الانبعاثات والغازات الناتجة عن الذخائر والقذائف قد تكون هي السبب في وفاة الأشجار، وهذا الأمر يتضح في العديد من المناطق في نيالا.

وحذر من أن وفاة الأشجار تؤثر بشكل كبير جداً على البيئة، مما يؤدي إلى زيادة درجات الحرارة، وانخفاض كميات الأمطار، وتفاقم مشكلة التصحر.

حذر حمدي من أن طريق نيالا كاس شهد تدهورًا كبيرًا في الغطاء النباتي نتيجة للقطع العشوائي. يعود ذلك لجوع السكان الناتج عن الحرب التي أدت إلى فقدان وسائل الإنتاج وإغلاق المصانع والشركات وغياب الغاز، مما جعل الناس يعودون للاعتماد على الفحم والحطب للطبخ والتجارة.

ودعا الجميع للاعتماد على الغاز البديل (البيوجاز) الذي يتم إنتاجه من فضلات الحيوانات، وذلك للحد من عمليات قطع الأشجار بشكل عشوائي.

كما عانت الحياة الحيوانية نتيجة للحرب.

تداول النشطاء صوراً لحمام تضرر بسبب القصف في منطقة إمتداد بنيالا.

في مناطق أخرى من دارفور وكردفان، أدت الغارات الجوية إلى مقتل أعداد كبيرة من الحيوانات.

في الوقت ذاته، أدت سيطرة قوات الدعم السريع على محمية الدندر الوطنية في شرق البلاد إلى قلق بشأن احتمال حدوث صيد جائر أو صيد رياضي قد يضر بتجمعات الحياة البرية.

لا يقتصر إزالة الغابات على دارفور وحدها.

نتجت معسكرات ضخمة للنازحين نتيجة الحرب في القضارف وجنوب كردفان وكسلا وولايات أخرى.

حتى قبل اندلاع الحرب الأهلية الحالية، فقد عانى السودان من فقدان مساحات واسعة من الغابات نتيجة لتغير المناخ (توسع الصحراء الكبرى)، والقطع المفرط للأشجار، وتوسع المدن.

وفقًا لتقرير نشرته سكاي نيوز عربية في نوفمبر 2022، فقد فقد السودان أكثر من 60% من غطاء الأشجار خلال الثلاثين عامًا الماضية.

يمكن أن تؤدي الحرب المستمرة إلى زيادة هذا الرقم إلى مستويات أكبر، مما ينتج عنه تغيير جذري وتصحّر في المناظر الطبيعية خلال فترة حياة واحدة فقط.

قدّم تقرير سكاي نيوز مجموعة من التفسيرات حول أسباب إزالة الغابات، منها استخدام الأخشاب في البناء وصناعة الطوب، وإزالة الغابات لأغراض التعدين والتنقيب عن النفط، بالإضافة إلى الحروب والنزاعات في منطقتي النيل الأزرق ودارفور.

يطالب قطاع واسع من السودانيين بضرورة إنهاء الفوري للحرب في البلاد، استجابة للاحتياجات الإنسانية العاجلة والملحة التي يعاني منها السودانيون، مما أدى إلى دفع ملايين منهم إلى حافة المجاعة، وسط مناشدات من المجتمع الدولي والإقليمي لوجوب جلوس الأطراف المتحاربة للتفاوض.

لقد ناشد كل من أدلى برأيه إلى مرصد حرب السودان في هذا التقرير بضرورة إنهاء الحرب قبل أن تصل إلى مرحلة تدمير الغطاء النباتي، مما سيترتب عليه عواقب وخيمة ستؤثر على الأجيال القادمة.

وحذر البروفيسور عبد الفتاح حامد، الأستاذ الزائر في مجلس الشرق الأوسط لشؤون الدولية، من أن الأضرار البيئية الناتجة عن الصراع تمتد إلى ما هو أبعد من الفترة القصيرة، وقد يكون لها آثار مناخية تستمر على المدى الطويل، ما يمكن أن يؤدي إلى تدمير أو إلحاق الضرر الدائم بالنظم البيئية الهشة.

دعا حامد إلى اتخاذ إجراءات استباقية لتعزيز “بناء السلام البيئي”، بدءًا بوقف الحرب الحالية وإنشاء نظام إنذار مبكر للأزمات المتعلقة بالمناخ، مشددًا على ضرورة تبني نهج شامل يبرز الترابط بين القضايا البيئية والإنسانية والأمنية.

وأشار إلى أن هذا الأسلوب يتطلب زيادة في الموارد المالية، وتحسين أساليب الحوكمة، وتنسيق الجهود بين الوكالات الحكومية والشركاء الدوليين.

في السودان، تتفاوت أنواع الأشجار بشكل كبير في مختلف المناطق البيئية.

في الصحاري الشمال القاحلة، تتواجد أنواع مرنة مثل الأكاسيا (أكاسيا النيلوتيكا، أكاسيا السنغال) ونخيل التمر (فينيكس داكتيليفيرا)، التي تأقلمت مع ظروف الجفاف الشديد.

مع انتقال المناخ جنوباً إلى المنطقة شبه القاحلة، تبرز شجرة الباوباب (Adansonia digitata) بفضل جذعها الضخم الذي يحتفظ بالمياه، في حين تزدهر شجرة الطرفاء (Tamarix spp.) في التربة المالحة.

في السافانا الوسطى في السودان، توجد مجموعة أغنى من الأشجار، بما في ذلك شجرة زبدة الشيا (Vitellaria paradoxa) وأنواع مختلفة من أشجار السنط، مثل Acacia tortilis.

تعتبر جبال النوبة، بفضل مناخها المعتدل، موطنًا لأشجار الكينا (Eucalyptus spp.) وزبدة الشيا.

في وسط دارفور، توفر المرتفعات العليا من كتلة مارا البيئة المناسبة للشجيرات دائمة الخضرة مثل العرعر (Juniperus spp.) وأنواع البلوط.

تستفيد المناطق الجنوبية، بالإضافة إلى جنوب السودان المجاور، من زيادة كميات الأمطار مما يعزز الغابات الكثيفة التي تحتوي على أخشاب صلبة مثل الماهوجني (Khaya spp.) وأشجار استوائية متنوعة.

عن مصدر الخبر

هذا الصباح