على الرغم من الترحيب الكبير الذي تلقاه قرار فتح المعبر، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعرقل وصول المساعدات الإنسانية إلى دارفور، ومن أبرزها موسم الخريف غير العادي الذي تسبب في قطع الطرق وصعوبة حركة الشاحنات الثقيلة، بالإضافة إلى تدمير عدد من الجسور بسبب السيول والفيضانات، وكذلك التعقيدات الإدارية التي لا تزال قائمة بالرغم من موافقة طرفي النزاع.
بعد الإعلان في جنيف عن فتح معبر أدري الحدودي بين تشاد والسودان لنقل المساعدات الإنسانية، بدأت منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية في إدخال شحنات من المساعدات إلى السودان عبر مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، لتوزيعها بعد ذلك على ولايات شرق ووسط وجنوب دارفور بشكل رئيسي.
اعتبر محمد الشابك، الخبير في مجال العمل الإنساني، أن معبر أدري يعد من المعابر الحيوية للغاية، حيث يقع على الحدود بين السودان وتشاد، ويتميز بقربه من مدينة الجنينة، مما يسهل وصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف ولايات دارفور.
وتم وصف فتح المعبر بأنه إنجاز هام، حيث يتيح قناة إضافية لإيصال المساعدات، بجانب معبر الطينة الموجود في شمال دارفور، الذي واجهت عمليات نقل الإغاثة من خلاله تحديات لوجستية وإدارية.
وأشار محمد الشابك إلى أن جميع المنظمات الإنسانية التي كانت تنشط في وسط وغرب دارفور قد انتقلت بعد اندلاع الحرب للعمل من “أبشي” داخل الحدود التشادية.
أوضح أن الحكومة السودانية لا تتحكم بشكل فعلي في معبر أدري، بل تمتلك فقط السيطرة القانونية عليه، مما يعني أن الأمم المتحدة لا يمكنها انتهاك سيادة الدولة والدخول عبر معبر أدري دون الحصول على موافقة الحكومة السودانية. وهذا هو بالضبط ما حدث من اختراق في جنيف.
انهيار أربعة جسور
انهيار أربعة جسور رئيسية تربط ولايات دارفور نتيجة السيول والأمطار التي هطلت خلال موسم الخريف الحالي، أصبح عائقًا أمام إيصال المساعدات الإنسانية لسكان الإقليم الذين يواجهون خطر المجاعة. كما أن آمال هؤلاء السكان في إنقاذ حياتهم بعد موافقة حكومة بورتسودان على فتح معبر أدري الحدودي مع دولة تشاد قد تتبدد بسبب تساقط المزيد من الأمطار التي أغلقت أيضًا الطرق المعبدة وغير المعبدة التي تربط الإقليم مع الدول المجاورة.
وفقًا لمواطنين من ولايات دارفور الذين أدلوا بتصريحاتهم لراديو دبنقا، فإن انهيار الجسور الأربعة أدى إلى توقف الحركة تمامًا بين ولاية غرب دارفور وبقية ولايات وسط وجنوب وشرق وشمال دارفور، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية القادمة من دولة تشاد، التي تعتبر المنفذ الوحيد لتلبية احتياجات السكان المعيشية.
خارطة الكباري
ذكر الصحفي محي الدين زكريا من مدينة الجنينة أن السيول تسببت في جرف جسر أم دوين الذي يربط بين شرق المدينة وغربها، بالإضافة إلى جسر مورني الذي يبعد 83 كيلومترًا عن الطريق الرابط بين مدينتي الجنينة وزالنجي. كما حدث انهيار كامل لجسر أردمتا القديم الذي تم إنشاؤه في عام 1945، وانهيار جزئي للجسر الجديد من الجهتين الشرقية والغربية عند وادي باري. وأضاف محي الدين أن حكومة الولاية تبذل جهودًا كبيرة لإعادة تأهيل الجسر الجديد.
وأكد محي الدين أن الأضرار التي تسببت بها السيول والأمطار على الجسور تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى باقي ولايات دارفور.
اعاقة عمليات الاغاثة
يشير مقرر غرفة طوارئ الجنينة علاء الدين بابكر إلى أن انهيار الجسور يؤثر بشكل كبير على توصيل المساعدات الإنسانية إلى مختلف مناطق دارفور، حيث جعلت ولاية غرب دارفور معزولة عن بقية الولايات في الإقليم، مما يعني أنه لا توجد وسيلة لنقل المساعدات إلى مناطق وسط وجنوب وشرق وشمال دارفور.
أشار علاء الدين إلى أن طريق (الجنينة- زالنجي) الذي انهارت فيه الكباري هو الطريق الوحيد الذي يتيح عبور الشاحنات خلال موسم الأمطار، وهو يعتمد عليه الإقليم أيضًا للحصول على المواد الاستهلاكية والسلع الضرورية القادمة من جمهورية تشاد.
وقال: “لقد تأثرت الحركة التجارية الآن بعد توقف تدفق البضائع، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار في معظم المدن، حيث تضاعفت تقريباً إلى حوالي ثلاث مرات بسبب هذا التوقف.”
من جانبه، لفت محمد الشابك، المتخصص في الشؤون الإنسانية، إلى أن مدينة الجنينة باتت تعاني من العزلة عن باقي المدن الكبرى في ولايات دارفور نتيجة الأضرار التي لحقت ببعض الجسور جراء الأمطار الشديدة وموسم الخريف.
لكنه أشار إلى أن ذلك لن يستمر طويلاً وأن عزلة الجنينة ولن تدوم، نظراً لأن الظواهر الطبيعية مثل الأمطار والسيول تعدّ شائعة في هذه المناطق.
وتوقع أن لا تستمر مشكلة انقطاع الطرق بسبب الخريف لأكثر من 15 يومًا، لأن مياه الأمطار تُصرف بشكل طبيعي مما يسمح للشاحنات بالاستمرار في توزيع الإغاثة.
وأشار إلى أن المنظمات قد تلجأ خلال هذه الفترة إلى زيادة الاستفادة من معبر الطينة وطرق الدبة لتجاوز هذه المشكلة، وهي طرق كانت مستخدمة قبل التوصل إلى اتفاق لفتح معبر أدري في جنيف، مما يعني أن العمل الإنساني لن يتوقف لفترة طويلة بسبب هذه الإشكالية.
آثار معيشية
قالت امرأة من منطقة مورني في غرب دارفور إن انهيار جسر مورني الذي يربط بين غرب ووسط دارفور يؤثر سلبًا على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، حيث تسبب في ارتفاع أسعار السلع القادمة من تشاد التي تعتمد عليها معظم مناطق الإقليم. كما أدى إلى تلف شحنات الفواكه القادمة من جبل مرة، نتيجة عدم قدرة الشاحنات على الوصول إلى الأسواق في غرب دارفور، مما تسبب في خسائر كبيرة للتجار.
وأشارت إلى أن هناك شاحنات تحمل مواد غذائية وصلت إلى منطقة مورني في اليومين الماضيين، لكن التحدي يكمن في كيفية وصول تلك المساعدات إلى زالنجي بعد انهيار الجسر.
أشار مسؤول محلي في أزوم، طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن انقطاع الكبري مورني أثر بشكل كبير على الحياة في المنطقة، خاصة مع ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية. وذكر أن سعر جوال السكر بوزن 50 كيلو جرامًا ارتفع من 150 إلى 220 ألف جنيه، بينما زادت تكلفة ملوة الدخن من 10 إلى 15 ألف جنيه. وأضاف أن جميع مناطق محليتي أزوم ورونقاتاس تأثرت بشكل كبير نتيجة انهيار الجسور التي تربط بين غرب ووسط دارفور، نظرًا لاعتمادهم بصورة أساسية على السلع القادمة من تشاد، كما أثر ذلك على وصول المزارعين إلى أراضيهم.
كشفت زبيدة عوض أحمد، وهي مواطنة من مورني، عن فصل بعض الأسر عن بعضها بسبب انهيار الجسر، مما تسبب في تدهور الظروف المعيشية لتلك الأسر.
البدائل الممكنة
نبهت المواطنة من منطقة مورني إلى أنه لا توجد وسيلة أخرى لتوصيل المساعدات الإنسانية سوى الإلقاء الجوي. وأشارت إلى وجود طريق آخر هو (الجنينة- سرف عمرة)، لكنه يعبر وادي باري، مما يجعل عبوره صعبًا بسبب هطول الأمطار الغزيرة، بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الأمنية في هذا الطريق.
اقترحت قوات الدعم السريع، التي تسيطر على 4 من أصل 5 ولايات في دارفور، خلال مؤتمرها الصحفي بعد ظهر يوم الأحد 25 أغسطس في جنيف، على الأمم المتحدة استخدام مطارات زالنجي والجنينة ونيالا والضعين في نقل الإغاثة. إلا أن محمد الشاباك، المسؤول عن الشؤون الإنسانية، استبعد هذا الخيار بسبب عدم موافقة الأمم المتحدة على استخدام هذه المطارات دون الحصول على موافقة حكومة بورتسودان، التي تعتبرها السلطة السيادية.
كما أن هذه المطارات تكبدت خسائر كبيرة بسبب أنها كانت مسرحًا لمعارك عنيفة نظرًا لكونها أهدافًا استراتيجية، ويتطلب إعادة تشغيلها إجراء صيانة شاملة للمدارج وأبراج المراقبة والقدرات اللوجستية المتعلقة بالتخزين والوقود.
أخيرًا، تعتبر عمليات الإسقاط الجوي والنقل الجوي مكلفة جدًا وغالبًا ما تتعلق بكميات محدودة، مما يجعلها خيارًا غير متاح.
أوضح الصحفي علاء الدين بابكر أنه إذا لم تتدخل وكالات الأمم المتحدة لإعادة تأهيل الكباري والطرق التي تضررت جراء السيول، فلن تتمكن المساعدات الإنسانية من الوصول إلى المناطق التي تعاني من الجوع.