السودان الان السودان عاجل

في احتفالات المولد النبوي يخلق السودانيون السعادة من بين خراب الحرب

مصدر الخبر / راديو دبنقا

تقرير : سارة تاج السر

 

في خضم دوي المدافع وسقوط القذائف، ومع احتمال الموت في كل لحظة، بذل السودانيون جهدًا لإيجاد لحظات من السعادة في ذكرى المولد النبوي الشريف.

قام نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي في السودان بمشاركة صور ومقاطع فيديو تظهر احتفالات الطرق الصوفية في مدن مثل نيالا وكسلا والأبيض وأم درمان والمناقل وبورتسودان، حيث تجمع مئات المريدين في أزيائهم التقليدية حاملين راياتهم الملونة. كانوا يرددون الأناشيد الدينية والمدائح النبوية على أنغام الطبول والدفوف والموسيقى، مستغلين هذه اللحظات للابتعاد عن أجواء الموت والنزوح والكوارث الطبيعية والدمار الذي يعم البلاد.

تبدأ الاحتفالات الشعبية بذكرى المولد النبوي في السودان من خلال تنظيم تقليد “الزفة” في اليوم الأخير من شهر صفر كل عام، وتستمر هذه الاحتفالات لمدة 11 يومًا، حتى يأتي تاريخ ميلاده صلى الله عليه وسلم في 12 من شهر ربيع الأول، والذي يُعرف شعبياً بين السودانيين بـ “قفلة المولد”.

منذ 15 أبريل من العام الماضي، اندلعت اشتباكات مسلحة بين الجيش وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، وسرعان ما انتشرت إلى مناطق أخرى، مما أسفر عن مقتل الآلاف ونزوح الملايين.

أجواء روحانية

على الرغم من التوترات الأمنية التي شهدتها ولاية كسلا شرق السودان قبل 48 ساعة من احتفالات المولد، لم يمنع ذلك الناس من الاحتفال بميلاد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم). وفي حديثه مع راديو دبنقا، ذكر محمد الحسن أن الوضع غير آمن، لكن “تذكر الحبيب المصطفى يساعدنا على نسيان همومنا”، مضيفًا أن الصلاة عليه تجلب الفرج والراحة وتساعد في التغلب على الصعوبات وجلب البركة والسلام.

رغم أن قرار المدير التنفيذي لمحلية كسلا ألغى الزفة الكبرى لأسباب تتعلق بالأمن، إلا أن أتباع الطريقة الختمية في كسلا نظموا زفة صغيرة انطلقت من منطقة الدومة إلى أويتلا، وسط أجواء مليئة بالروحانية.

وفقًا للقرار الإداري الذي اطلع عليه راديو دبنقا، ستقتصر احتفالات المولد على الوقت من الساعة الثالثة بعد الظهر حتى السادسة مساءً، وذلك بسبب الاحتياطات الأمنية وقرار حظر التجوال.

ووجه القرار إلى الطوائف الدينية الالتزام بالوقت المحدد.

لاحظ الحسن أن ما يميز الاحتفالات في كسلا هو المسيرات الشعبية التي تجوب الشوارع، والتي تُرافقها الأناشيد وأهازيج الطرق الصوفية عبر مكبرات الصوت. كما أشار إلى أن هذه الاحتفالات كانت تُعقد في السابق بعد الظهر في ضريح السيد الحسن الميرغني في كسلا قبل اندلاع الحرب.

لكن هذا العام، سيتم تنظيم الفعالية بعد صلاة العشاء حفاظًا على سلامة الجميع، مع تخصيص منطقة لكل مجموعة.

فرح ولكن

بترديد انشودة (النبي صلوا على..صلوات الله على، انطلقت الزفة يوم أمس في محلية كرري، تحديدًا في شارع الوادي شمال أم درمان، وهو يعتبر المكان الأكثر أمانًا في المنطقة على الرغم من تعرضه اليومي للقذائف.

قال عمار حسن لراديو دبنقا إن الزفة لم تستمر سوى بضع ساعات، ووصفها بأنها خجولة بالمقارنة مع السنوات الماضية، حيث لم يكن هناك التفاعل الكبير الذي اعتاد عليه المواطنون قبل الحرب.

أوضح أن عدد المشاركين كان قليلاً، وقد ساروا في شارع الوادي وهم يحملون أعلامهم ويهتفون بمديحهم.

أرى أن أجواء الاحتفال كانت غير مكتملة، حيث كانت الشوارع الرئيسية وسوق صابرين، الذي يُعتبر السوق الوحيد في محلية كرري، بالإضافة إلى الأسواق الصغيرة مثل سوق خليفة في الثورة الحارة الـ17 وسوق الشنقيطي في الثورة الحارة الـ14، خالية من محلات بيع الحلويات التي عادةً ما كانت تعج بالحركة خلال المولد.

رأى حسن أن ضعف الإقبال على الاحتفالات يعود إلى انشغال الناس بظروف حياتهم الصعبة، حيث يواجه معظم سكان محلية كرري والنازحون إليها أوضاعاً معيشية قاسية، مما يجعل أهدافهم تقتصر على توفير الطعام والمأوى لأسرهم. وأضاف: “تبقى المشاركة في احتفالات المولد أمرًا ثانويًا، لذا كان الإقبال ضعيفاً.”

زفة تتزامن مع تدوين

في المقابل، شهدت ولاية سنار، الواقعة في جنوب شرق السودان والتي يسيطر عليها الدعم السريع في مناطق واسعة منها، احتفالات محدودة يوم الأربعاء. حيث انطلقت زفة مختصرة من ميدان الجنوبية حتى زاوية المكاشفية، تزامنًا مع إطلاق مدفع الساعة الرابعة والنصف على المدينة، وفقًا لما أفاد به أحمد حامد السناري، عبر راديو دبنقا. يُذكر أن لجنة الأمن المحلية في سنار، برئاسة المدير التنفيذي، قد ألغت الزفة هذا العام لأسباب أمنية.

زخم ضعيف

احتفالات المولد في مدينة الأبيض، الواقعة في وسط البلاد والمحاصرة من قبل الدعم السريع، تأثرت بشكل كبير بالظروف الاقتصادية والأمنية. وفي مقابلة مع راديو دبنقا، اعتبر فخر الدين شرشير أن مولد هذا العام شهد تغييرات ملحوظة مقارنة بالسنوات الماضية، حيث كانت الزفة والاحتفالات الدينية تُقام بشكل مكثف وتجمع أعداداً كبيرة من الناس.

لكن هذا العام، كانت الزفة ضعيفة، حيث شارك فيها حوالي 100 شخص فقط أو أقل، وهو عدد قليل جداً مقارنة بالحماس الذي كان يحدث في السنوات السابقة.

أيضًا لاحظ شرشير غياب الطرق الصوفية التي كانت تسهم بشكل كبير في الاحتفالات من خلال تجوالها في الأحياء بسياراتها المزينة. هذا العام، شاركت فقط السجادة الإسماعيلية بزفة لم تقم بتجوالها المعتاد في المدينة واكتفت باللف حول سوق الأبيض.

أما بالنسبة لحلويات المولد، فقد تأكد ظهور كميات محدودة منها، ويبدو أن بعضها قد يكون من المخزون الموجود من العام الماضي. ووفقًا لشرشير، فإن الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطنون جعلت المولد هذا العام مختلفًا عن السنوات السابقة.

احتفالات من داخل المساجد

في مدينة الدويم بولاية النيل الأبيض، غابت الاحتفالات التي كانت تميز الشوارع والساحات العامة، مثل المسيرات وعروض الحلويات.

وأشار مبارك إدريس لراديو دبنقا إلى أن العديد من الناس عرفوا بقدوم المولد من خلال مكبرات الصوت في المساجد، حيث تُقام الأذكار ومدح الرسول في الزوايا والأماكن الصوفية.

وأشار إدريس إلى أنه كان من الشائع أن تبدأ الاحتفالات بعد صلاة العشاء وتستمر حتى وقت متأخر من الليل، لكن هذا العام بدأت مباشرة بعد صلاة المغرب وانتهت قبل العشاء.

رغم أن احتفالات المولد هذا العام كانت أقل حماسًا مقارنة بالسنوات السابقة، فإنها تعبر عن حرص السودانيين على التمسك بتقاليدهم في إحياء ذكرى مولده الشريف.

عن مصدر الخبر

راديو دبنقا