حذرت حركة تحرير السودان – المجلس الانتقالي الجيش السوداني من خطر جعلها طرفاً في الصراع العسكري، بعد أن ظلت تتبنى موقفاً حيادياً منذ بداية الحرب التي تعاني منها البلاد لأكثر من عام.
استهدف الجيش السوداني بطائراته الحربية يوم الأربعاء منطقة كورما في شمال دارفور التي تحتلها حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي.
اعتبرت الحركة الحادثة بمثابة تطور خطير قد يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع وإدخال أطراف ظلت متمسكة بمبدأ الحياد وبديل الحل السلمي.
أوضح المتحدث باسم الحركة عبد العزيز عبد الكريم في بيان حصلت عليه “إرم نيوز” أن “منطقة كورما خاضعة لسيطرة الحركة”.
وذكر عبد الكريم أن المنطقة “تحتوي على نازحين قدامى من معسكر سلك بالإضافة إلى نازحين جدد فروا من الفاشر نتيجة المعارك الجارية هناك بين الجيش وقوات الدعم السريع”.
وأشار إلى أن المنطقة مؤهوله بالسكان، وتُعتبر من المناطق الزراعية الهامة في ولاية شمال دارفور، وليست منطقة نزاع، فلماذا يتم قصفها بهذه الطريقة الوحشية، حسب البيان.
وحذّر البيان قيادة الجيش من نتائج توسيع نطاق الصراع وإدخال أطراف أخرى لا تزال متمسكة بمبدأ الحياد وبخيار الحل السلمي، من أجل الحفاظ على وحدة السودان أرضًا وشعبًا ووقف إراقة الدماء.
وشدد على أن هجوم طائرات الجيش على المدنيين بهذه الوحشية يذكر بعمليات الإبادة الجماعية التي شهدها إقليم دارفور منذ عام 2003.
طالبت الحركة المجتمع الدولي بالتدخل الفوري لحماية المدنيين، وفرض حظر على الطائرات الحربية في السودان، نظراً للأضرار الكبيرة التي تتسبب بها للمدنيين كما هو الحال في الفاشر، والضعين، وزالنجي، ومليط، وكتم، وكبكابية ومناطق أخرى في دارفور وبقية السودان، وفقاً للبيان.
كثّف الجيش السوداني من غاراته الجوية اليومية على عدة مواقع في إقليم دارفور غرب البلاد، الذي تسيطر عليه قوات الدعم السريع، مما أدى إلى مقتل العشرات من المدنيين.
أكد شهود عيان أن الطائرات الحربية قصفت يوم السبت الماضي منازل النازحين في مخيم “خمس دقائق” بمدينة زالنجي، مما أسفر عن مقتل ثلاثة أفراد من عائلة واحدة وإصابة سبعة آخرين تم نقلهم إلى مستشفى زالنجي لتلقي العلاج، وجميع حالاتهم خطرة.
في غرب دارفور، ذكر شهود عيان أن مواطنًا قُتل وأصيب آخرون نتيجة ضربات جوية نفذها الطيران الحربي للجيش السوداني على القرى التي يسكنها عرب البدو بالقرب من مدينتي “كرينك والجنينة”.
في مدينة الفاشر الواقعة بشمالي دارفور، تتعرض الأحياء الشمالية والشرقية التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع يومياً لقصف جوي من الطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني.
تعرضت مدينة الضعين في شرق دارفور خلال الأيام الماضية لعدة غارات جوية أسفرت عن مقتل عشرات من المدنيين، إضافة إلى تدمير جزء من مستشفى المدينة ومدرسة كانت تعمل كملجأ للنازحين من النزاع.
مصادر المياه
منذ بدء الحرب في السودان، قام الجيش السوداني بتنفيذ غارات جوية متكررة على مناطق لم يكن فيها أي نشاط عسكري، كما استهدف منشآت حيوية بما في ذلك مصادر المياه في دارفور، مما أدى إلى تدميرها في عدة أماكن، وخاصة في مناطق الرعاة الرحل شمال دارفور.
أكد مصدر مطلع لوكالة “إرم نيوز” أن الطيران الحربي للجيش السوداني دمر حوالي 15 مصدرًا مائيًا في منطقة الزرق من أصل 18، مما أدى إلى نزوح جميع سكان المنطقة، الذين هم من الرعاة الرحل.
وأفاد أن الطيران الحربي قام أيضًا بتدمير مجمع مياه يضم أكثر من 4 آبار، وهو يعتبر أكبر مصدر للمياه حول مدينة مليط، وقد أصبحت هذه المنشأة الآن مدمرة تمامًا بعد أن كان الرعاة يعتمدون عليها في ري مئات الآلاف من رؤوس الأغنام والإبل والماشية.
وأوضح أن هؤلاء سيلجأون إلى الهجرة والبحث عن مناطق أخرى تتوفر فيها المياه.
وأشار المصدر إلى أن الطيران دمر أيضًا مصادر المياه في منطقة تُعرف بـ”جديد السيل” شمال مدينة الفاشر، التي تُعتبر واحدة من مناطق رعي الإبل.
تسكن قبائل “الزيادية والمحاميد والرزيقات” مناطق “الزرق ومليط وغرة زاوية”، وغيرها من المناطق التي تم استهدافها من قبل الطائرات الحربية التابعة للجيش السوداني.
سيتوجب على هذه الجماعات التي تعتمد على الرعي إيجاد مصادر مياه جديدة لمواشيها، ونظرًا لشح موارد الرعي والمياه بشكل عام في دارفور، من المتوقع أن تظهر صراعات قبليّة جديدة حول هذه الموارد، مما يزيد من تفاقم الأزمة الأمنية في الإقليم.
حواضن اجتماعية
يرى الصحفي المتابع للأوضاع في دارفور، علاء الدين بابكر، أن القصف الذي ينفذه الجيش السوداني على المناطق الآمنة في دارفور يعدّ محفزاً ضد السكان الذين يتم تصنيفهم “كداعمين اجتماعيين لقوات الدعم السريع”.
أوضح بابكر أن الجيش من خلال هذه الأفعال يعزز من الاتهامات التي توجه إليه، بأنه يمثل مجموعة سياسية معينة، وليس جميع السودانيين.
قال لـ”إرم نيوز” إن “الجيش السوداني في جميع الحروب التي شارك فيها كان يواجه المواطنين السودانيين ولم يتصادم مع أي جهة خارجية، حيث استمر منذ خمسينيات القرن الماضي في قتال السودانيين في الجنوب والشمال”.
وذكر أن التصرفات اليومية للجيش السوداني خلال هذه الحرب جعلت الناس يعتقدون بأنه “يتبع جهة سياسية ومناطقية معينة”، فهو بدلاً من أن يوجه استهدافه نحو خصومه، يقوم باستهداف المواطنين الأبرياء الذين يعتبرهم دعماً اجتماعياً لأعدائه.
وأشار إلى أن جميع المناطق التي يستهدفها الجيش السوداني في دارفور مأهولة بقبائل يشارك بعض أفرادها في صفوف قوات الدعم السريع، مما يجعل استهداف هذه المناطق يبدو كعقوبة جماعية للسكان.
أفاد أن الجيش يسعى من خلال استهداف الثروات الحيوانية للمواطنين وتدمير مصادر المياه إلى استنزاف هذه المجتمعات ومحاصرتها، مما يؤدي بها إلى الهلاك، بحسب قوله.
ورأى أن “أفعاله لا تؤهله ليكون جيش وطن يعبر عن جميع السودانيين، بل هو جيش ينتمي إلى مجموعة سياسية واجتماعية معينة”.