تقرير: عمد البكري ابو حراز
واضح تماماً أن هناك تطورات جذرية متسارعة يجري الإعداد لها، وسوف تفضي الى تغيير كبير إيجابي في نظام الحكم في السودان، يصب في اتجاه استقراره والخروج به من خطر الانهيار الاقتصادي.. هذا الإعداد للتغيير يتم بقوة دفع أمريكية هائلة في تنسيق متقن محسوب مع دولة الإمارات، والمملكة العربية السعودية، ويوغندا، والاتحاد الأوربي.. الأدلة الظرفية لاهتمام أمريكا المتعاظم (Circumstantial Evidences) بالشأن السوداني لتحقيق مصالح مشتركة مع السودان في النواحي الأمنية الاقليمية وفي الاقتصاد السوداني كما يلي:
أولاً: قامت أمريكا قبل سنوات قليلة بإنشاء أكبر سفارة لها في المنطقة وربما في العالم في منطقة نائية في مساحة كبيرة جنوب الخرطوم، مجهزة بوسائل حديثة وتقنية عالية في المراقبة والمتابعة.
ثانياً: تكثيف التواصل الأمني والتشاور في لقاءات تمت منذ يونيو 2016 كللت بالنجاح الذي أدى الى أمر أوباما الرئاسي برفع جزئي مشروط للعقوبات الأمريكية المفروضة على السودان منذ العام 1993م، وذلك في يناير 2017 قبيل مغادرته البيت الأبيض بأيام.
ثالثاً: الضلوع الكبير المفاجئ من أمريكا في حل مشاكل السودان الأمنية المزمنة بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور وقطاع الشمال، وذلك بالضغط عليهم حتى قبلوا المقترح الأمريكي في توصيل المعونات الإنسانية للمتأثرين بالحروبات.
رابعاً: الظهور المفاجيء للرئيس اليوغندي موسفيني في عملية فك الأسرى المائة خمسة وعشرين سودانياً كانوا تحت أسر حركة العدل والمساواة وقطاع الشمال منذ أحداث أبو كرشولا قبل ثلاث سنوات، تم فك الأسرى وإرسالهم الى السودان من يوغندا بعد ظهور لافت للرئيس اليوغندي موسفيني، الذي أقام لهم مأدبة غداء قبيل سفرهم وظهر بجانبه الأستاذ ياسر عرمان.. قابل هذا الإفراج عن الأسرى قرار محسوب بدقة من الرئيس البشير بإسقاط عقوبة الإعدام والإفراج عن 250 من محكومي حركة العدل والمساواة، الذين تم القبض عليهم ومحاكمتهم عقب دحر محاولة غزو أم درمان في مايو 2008.
خامساً: التحول المفاجيء من دولة الإمارات نحو التقارب القوي مع الرئيس البشير المتمثل في الاستقبال الحار غير المسبوق للرئيس البشير، في زيارته الأخيرة للإمارات الشهر الماضي، والإشادة القوية من الشيخ محمد بن زايد به، وتأكيد دعمهم ووقوفهم مع البشير والسودان.
سادساً: التدخل الإسرائيلي الإيجابي غير المتوقع في دعم رفع العقوبات الأمريكية عن السودان.
سابعاً: تواتر أنباء نهاية الأسبوع الماضي عن قرب التوصل الى حلول نهائية مع قطاع الشمال وحركات دارفور المسلحة- العدل والمساواة وحركة تحرير السودان بجناحيها مناوي وعبد الواحد، عبر القفز فوق خارطة الطريق والحديث عن دستور دائم في السودان، مع توقع زيارة قريبة لأمبيكي لتأكيد هذا النهج الجديد وبداية مفاوضات حاسمة نهائية بين الحكومة والمعارضة المسلحة.
ثامناً: اختيار الرئيس السليم غير المتوقع للفريق أول ركن بكري حسن صالح النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء القومي، دعماً لخط استقرار السودان الأمني الداخلي والاقليمي.
تاسعاً: الترقب المشوب بالحذر في وسائل التواصل الاجتماعي من قيادات وأعضاء الحركة الإسلامية، وهم يتابعون ويرصدون تقارب كل العناصر المعادية لهم تاريخياً مع السودان، وتدخلهم في حلحلة مشاكل السودان الأمنية والاقتصادية- عناصر مثل أمريكا، ودولة الامارات، والمملكة العربية السعودية، واسرائيل، ويوغندا.. قطعاً سيفكرون بما لديهم من خبرة وتماسك تنظيمي في كيفية التعامل الذكي مع التغيير القادم وآثاره المستقبلية، واضعين نصب أعينهم تجربة الحزب الشيوعي الذي كان جزءاً مكوناً لانقلاب مايو 1969 ونظامه، تحت قيادة الراحل المشير نميري الذي انقلب عليهم في أقل من سنتين، وأبعد قيادة الحزب الشيوعي عن مجلس قيادة الثورة ثم القضاء الكامل عليهم بعد فشل محاولتهم الانقلابية بقيادة الرائد الراحل هاشم العطا في يوليو 1971.
عاشراً: وصول أكبر وفد من الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي الى الخرطوم (تسعة عشر عضواً) لبحث أوجه دعم السودان وتأكيد استقراره، حتى يساهم بدرجة فعَّالة في محاربة الاتجار بالبشر، ونقلهم عبر السودان الى اوروبا، في هجرة متواصلة سببت كثيراً من المشاكل في دول أوربا.
من قرائن الأحوال والأدلة الظرفية العشرة تلك، يجوز لنا أن نتوقع أن يكون التغيير القادم كما يلي:
أولاً: توقيع اتفاقية سلام شاملة قبل يوليو من هذا العام بين الحكومة والحركات المسلحة الدارفورية والحركة الشعبية قطاع الشمال، في وثيقتين منفصلتين- الأولى مع حركات دارفور الثلاث- العدل والمساواة، وحركة تحرير السودان بجناحيها مناوي وعبد الواحد، بمرجعية اتفاقات الدوحة بعد تعديل طفيف فيها.. الثانية مع قطاع الشمال بمرجعية قرار مجلس الأمن 2046 تحت الفصل السابع، والذي يطالب في مادته الثالثة بإنفاذ الاتفاقية الإطارية- نافع وعقار يونيو 2011م، التي تنادي بحل ودمج قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال الفرقتين 9، و10 في القوات المسلحة السودانية، وقوات الشرطة، والخدمة المدنية، مقابل تكوين حزب سياسي للحركة الشعبية، وهذا سوف يؤدي الى إعادة تعيين عقار والياً للنيل الأزرق، وتعيين عبد العزيز الحلو والياً لجنوب كردفان، (يمكن أن نربط ذلك بتصريح اللواء عيسى آدم والي جنوب كردفان الشجاع عندما قال: (أنا مستعد للتنازل عن منصبي كوالٍ مهراً لاستقرار وتنمية جنوب كردفان).
ثانياً: فور تحقيق السلام الشامل ستقوم أمريكا بتحركات عاجلة لإعفاء ديون السودان، تحت برنامج الأمم المتحدة المعروف بالهيبك (Hipoc-Heavily Indebted Poor Countries) والذي طبق قبل سنوات واستفادت منه دول افريقية مثل اثيوبيا.. هذا الإعفاء للديون يعيد السودان الى دائرة دعم المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي، ونادي باريس، والشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، ودول وشركات كبرى أوروبية، وبشروط جديدة ميسرة لإعادة تأهيل مشاريع محددة مثل مشروع الجزيرة، ومشروع جبال النوبة الزراعي، والسكة الحديد، والخطوط الجوية، والخطوط البحرية، والطرق، والمطارات، والموانيء والأثر الاقتصادي لذلك سيكون في فترة خمس سنوات.
ثالثاً: كل عناصر هذا التحرك نحو التغيير في السودان تدرك أن 90% من الشعب السودان غير موالين لنظام الحكم الحالي؛ بسبب الضيق في المعيشة وارتفاع خط الفقر الى 50%، وتدني الخدمات الأساسية الحكومية في التعليم، والصحة، والبيئة، والمياه، والكهرباء، والنقل داخل المدن، مع ارتفاع أسعار السلع الضرورية والخدمة المقدمة من القطاع الخاص في مجالي الصحة والتعليم، وارتفاع أسعار الأدوية والعلاج، لذلك ستقوم دولة الامارات والمملكة العربية السعودية بدعم عاجل في حدود سبعة الى عشرة مليارات من الدولارات، لتوفير السلع وتحسين الخدمات بأسعار في مقدور الغالبية العظمى من الشعب وبدون ذلك لن ينتظر أو يصمد الشعب لمدة خمس سنوات، حتى تؤتي إعادة تأهيل المشروعات ثمرتها التي ستعيد التوازن للاقتصاد السوداني بزيادة مقدرة في الصادرات.
رابعاً: ستقوم أمريكا بأعمال اقتصادية مكثفة في استخراج المعادن والبترول في مناطق عديدة من السودان، خاصة في دارفور وآثار ذلك أيضاً لن تظهر قبل مضي خمس سنوات.
خامساً: المخطط سيعيد الوحدة بين الشمال والجنوب في شكل كنفدرالي كما كان في السنوات الانتقالية الخمس من 2005 الى 2011م، ويعود استخراج وضخ البترول كما كان في حدود 500 ألف برميل في اليوم.
في اعتقادي أن ذلك كله هو المخرج الآمن الواقعي العملي الوحيد للحفاظ على السودان في تماسكه ووحدته وسلامة مواطنيه من الفوضى الخلاقة، والتي هي الخطة (ب) البديلة.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة آخر لحظة