السودان الان السودان عاجل

من قلب المعاناة: نازحو السودان يحيون الأمل بأنغام الحياة

نازحوا السودان يتحدّون آثار الحرب بأنغام الأمل والحياة.

تسببت الحرب في تفاقم الحالة النفسية للشباب، ونتجت عنها صدمات عنيفة نتيجة تجارب مؤلمة تضمنت القتل والتهجير والعنف.

ملخص

مبادرة فنية من نجوم المسرح والدراما والغناء لتقديم الدعم للاجئين من نيران الصراع العسكري في السودان، حيث نظمت ورشة ميل الصغار لرسم الأسلحة والطائرات الحربية ومشاهد العنف.

بينما تعاني الحرب من آثارها الإنسانية ومآسي النزوح، ظهرت عدة مبادرات من نجوم الدراما والمسرح والغناء لدعم النازحين من العنف المسلح في السودان. وقد تم تقديم عروض فنية أضأت الأمل في قلوب أطفال معسكرات الإيواء في أم درمان وبورتسودان وكوستي، بالإضافة إلى عطبرة والدامر والدمازين.

تسعى العروض إلى تقديم رؤية مختلفة عن واقع القتل ورعب الأسلحة التي باتت محفورة في عقول الفارين من جحيم النزاعات المسلحة. يتم ذلك من خلال مسرحيات بسيطة تنبض بالحياة وتبشر بالأمل ومستقبل مشرق، بالإضافة إلى استخدام الفنون الإبداعية مثل الرسم والموسيقى والدراما والغناء، بهدف مساعدة الشباب على التغلب على مشاعر الخوف والقلق، والتعبير عن أفكارهم وتنمية قدراتهم.

عروض مسرحية

شهدت معسكرات الإيواء في مدينة أم درمان تقديم عشرة عروض مسرحية تتناول قصصاً حقيقية حول أوضاع النازحين، حيث يقوم الممثلون بتجسيد شخصيات تعكس التحديات التي يواجهها هؤلاء الأفراد وكيفية الدعم والعلاج الذي يساعدهم في التعافي، إلى جانب عروض مسرحية للعرائس.

قال الدرامي عطا شمس الدين إن “المبادرة تُعد واحدة من أهم الوسائل لدعم الصحة النفسية للأطفال الذين يفرون من ويلات الحرب، حيث تهدف إلى تقديم عدة رسائل حول واقع النازحين ومشاكلهم وتطلعاتهم من خلال المسرح. يساعد الفن في التعبير عن المشاعر المكبوتة والمؤلمة، مما يُسهم في تحسين الحالة النفسية للمراهقين. بالإضافة إلى ذلك، فإن مشاهدة الأعمال الفنية تعزز التفاعل وتشعرهم بالحرية دون الخوف من الحكم أو النقد”.

وأوضح أن “الأطفال أتيحت لهم فرصة المشاركة في أعمال فنية من خلال مسرحيات تفاعلية هادفة تستخدم الدمى والشخصيات الكرتونية، بهدف تنمية عقول الصغار وزرع القيم الأخلاقية في نفوسهم. كما تسعى هذه المسرحيات إلى التفاعل مع مشاعرهم وإثارة معرفتهم وحسهم الحركي، والتخفيف من مخاوفهم، لتأكيد أن الفن ليس مجرد ترف، بل له دور أساسي في المجتمع ويهدف إلى تعزيز ثقافة السلام وإيقاف الحروب”.

أشار شمس الدين إلى أن “المبادرة نقلت الرسالة المعنية بالمسرح، خاصة في الظروف التي نعيشها بسبب الحرب، حيث تقدم الفنون التوعية والدعم النفسي. وتعتبر أم درمان واحدة من المدن التي استقبلت العديد من الوافدين المتأثرين بالصراع المسلح، وهم بحاجة ماسة للدعم المعنوي لتجاوز المحنة التي واجهتهم. وقد نجح فريق العمل في تقديم عروض مميزة في عدد كبير من معسكرات إيواء الأطفال النازحين.”

تحت شعار الدعم النفسي، أقيمت ورشة للرسم في معسكر الزهراء بمدينة كوستي، جنوب الخرطوم، حيث تم نصب خيمة في الهواء الطلق. قام الأطفال باختيار مواضيع متنوعة، وظهرت ميولهم في رسم الأسلحة والطائرات الحربية ومشاهد العنف، بينما فضل البعض الآخر رسم أشجار وورود ملونة وسماء صافية وعشب أخضر. في المقابل، انطلق آخرون في إنشاء أعمال فنية تتعلق بالحياة اليومية والمدارس والمسرح وشخصيات الكرتون. وقد اعتبر الفنان التشكيلي هيثم النيل أن “ورشة الرسم كانت تهدف إلى تحليل ومعالجة المشكلات الاجتماعية والسلوكية من خلال الفنون، ومحاولة جادة لفهم رسائل الأطفال والاستماع إلى أحلامهم”. وأضاف: “نهدف من خلال هذه الفعالية إلى التعرف على كيفية تعبير الأطفال عن آثار أزمة النزوح وتداعياتها، حيث يمكن أن يكون تعبيرهم أكثر دقة في تمثيل الواقع الذي يعيشه السودان اليوم”. وأوضح النيل أن “الورشة شهدت وجود فريق للدعم النفسي لمتابعة أوضاع أطفال النزوح، وكذلك عقد جلسات للتخفيف النفسي لتخفيف حدة الصدمات”.

تحفيز الإبداع

الذي يتجول في بعض معسكرات إيواء الأطفال في مدينة بورتسودان وينظر إلى وجوه اليافعين المتعبة والشاحبة، لن يتوقع أبداً وجود فعاليات فنية وغنائية وموسيقية أو أطفال موهوبين هناك. فقد شهد مركز العلوم تنظيم أمسيات فنية متنوعة شملت الغناء والرقص الشعبي والمنافسات الشعرية والعزف على الآلات الموسيقية. وتمتزج أصوات عشرات الأطفال مع الألحان ليخلقوا أعمالاً غنائية مؤثرة، وكأنهم ينأون بأنفسهم بعيداً عن الحرب وآثارها إلى عوالم النغم والموسيقى.

يُشير الفنان أباذر حامد إلى أن “الأطفال يشعرون بحماس كبير، لا سيما أنها أول مرة يقدمون فيها عرضاً علنياً منذ بداية الحرب، وهذه التجربة ستعزز ثقتهم بأنفسهم.”

وأرى أن الأنشطة تهدف إلى زيادة الوعي وتحفيز الإبداع في مجالات الفن والموسيقى والفنون التشكيلية والكوميديا وغيرها من الفعاليات.

وأضاف حامد أن “مبادرة غناء وموسيقى أطفال معسكرات الإيواء كانت بمثابة منصة تجمع الثقافات المختلفة، حيث تجسدت من خلالها جوانب من التراث الفني الأصيل، بالإضافة إلى تركيزها على تقديم أعمال نوعية لأطفال يتمتعون بمواهب بارزة في الغناء والرسم والمسرح والموسيقى”.

مناصرة الأطفال وفي سياق متصل، وضح عضو مبادرة الأنشطة الفنية عامر جلال أن “الحرب أدت إلى تفاقم الأوضاع النفسية لدى المراهقين وتركت آثاراً عميقة نتيجة تجارب مؤلمة مثل القتل والتشرد والعنف وغيرها. لذا، نسعى من خلال هذه المبادرة إلى معالجة هذه الآثار النفسية. وقد دعونا الدراميين لمناصرة قضية النازحين من خلال العمل معهم وإبراز قصصهم على مسارح مراكز الإيواء”. وأشار إلى أن “المسؤولين عن المبادرة قرروا تقديم العروض المسرحية داخل مراكز الإيواء لتكون قريبة من ظروف النازحين القادمين من العاصمة الخرطوم، وذلك لتسليط الضوء على دور الفن في التوعية بالصحة النفسية ومكافحة الاضطرابات السلوكية خلال النزاعات المسلحة”. ووفقاً لجلال، فإن “الأنشطة والفعاليات أشرف عليها مجموعة من الفنانين والدراميين ومدربي الموسيقى والعزف والغناء والفنون التشكيلية والكوميديا، حيث وظفوا خبراتهم بشكل مبتكر لينعكس التدريب على الأطفال من خلال أعمالهم الفنية المتنوعة”.

محبة وسلام يستقبل معسكر الإخلاص في مدينة ربك جنوب الخرطوم القادمين إليه بأصوات العود ونغمات الكمان، حيث يقوم الموسيقار فائز عمر بتعليم أطفال النازحين العزف على آلات موسيقية مختلفة لمساعدتهم في التغلب على أوضاع التشرد ومآسي الصراع المسلح. وتقول الطفلة مواهب نور الدين إنها انضمت إلى مشروع تعلم الموسيقى لتعزيز مهاراتها في العزف و للهروب من أجواء الحزن والكآبة التي خلفتها حرب الخرطوم. وأضافت: “نرغب في الاستمرار لأننا نؤمن بالدور المهم الذي تلعبه الموسيقى في نشر المحبة والسلام، وإيجاد متنفس حقيقي للأطفال يساعدهم على العيش والتفكير بطريقة متوازنة وصحية”.

عن مصدر الخبر

جريدة اندبندنت البريطانية