السودان الان السودان عاجل

جريدة لندنية : غموض في كبرى المعارك بين طرفي الخرب في الخرطوم

مصدر الخبر / العربي الجديد

تكتنف نتائج المعارك الكبيرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم بالغموض، وسط تجاهل رسمي من الجانبين.

بدأ الجيش السوداني، فجر الخميس الماضي، تحركاً ميدانياً غير معتاد، انطلق من معسكراته في مدينة أم درمان عبر ثلاثة جسور رئيسية: الحلفايا الذي يربط أم درمان بالخرطوم بحري، وجسري النيل الأبيض والفتيحاب اللذين يربطان أم درمان بالخرطوم. الهدف من هذا التحرك هو استعادة السيطرة على وسط مدينة الخرطوم وربط معسكراته في أم درمان بمعسكرات أخرى داخل المدينة، مثل قيادة الجيش وسلاح المدرعات، اللذان ظلا معزولين عن بقية المناطق منذ بداية الحرب، ويتعرضان أيضاً لحصار من قبل قوات الدعم السريع. كما يسعى الجيش من خلال فتحه لجسر الحلفايا إلى استعادة السيطرة على بحري وكسر حصار سلاح الإشارة ومعسكرات أخرى.

استخدم الجيش في عمليته الحالية، التي تستمر حتى يوم السبت، جميع أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة، مدعوماً بغارات جوية مكثفة من سلاح الطيران وقصف مدفعي بعيد المدى. كما قام بتجميع أكبر عدد من المشاة، مع دعم من المتطوعين والكتائب المساندة.

حاول الجيش أثناء تحركه أن يشغل قوات الدعم السريع في معارك أخرى في ولاية الجزيرة وسط السودان، وسنار في الجنوب الشرقي، وعلى الحدود الجنوبية لولاية نهر النيل شمال البلاد، بينما سعت قوات الدعم السريع إلى إشغال الجيش بمعارك في منطقة الفاو شرق السودان.

نجح الجيش في عبور الجسور الثلاثة في الخرطوم فجر الخميس، واندلعت معارك عنيفة بعد مواجهة تكتيك القوات السريعة المتمثل في استخدام القناصين من المباني العالية وأطراف الشوارع، مما أدى إلى وقوع عمليات كر وفر. ورغم ذلك، لا تزال النتائج النهائية للمعارك متضاربة الروايات، خاصة مع انقطاع شبكة الاتصالات في الخرطوم، ومحاولات كل طرف التأكيد على انتصاره وتقدمه، كل ذلك في ظل صمت كبير من الطرفين وعدم صدور أي بيانات رسمية عنهما.

شملت معارك القتال منطقة المقرن في الخرطوم، ومحيط سلاح المدرعات، وحي الشجرة في الخرطوم، بالإضافة إلى منطقة الحلفايا والكدرو في الخرطوم بحري ومنطقة حجر العسل. وقد استمرت الاشتباكات طوال يوم الجمعة ولفترة من صباح السبت، حيث تلقت التقارير معلومات عن قصف جوي عنيف من الجيش اليوم على تمركزات “الدعم السريع” في عدة محاور، وبالأخص في منطقة المقرن ووسط الخرطوم، مع أنباء عن قصف على نقاط استراتيجية في تلك المناطق.

يوضح الخبير العسكري العميد المتقاعد عامر الحسن في تصريح لصحيفة “العربي الجديد” أن التحركات الأخيرة للجيش السوداني من أم درمان نحو مدينتي الخرطوم وبحري تُعتبر في الواقع عملية هجومية شاملة، تشمل مواجهات قتالية خارج ولاية الخرطوم. ومن الأمثلة على ذلك، تحرك القوات في شمال دارفور بهدف السيطرة على المدن المؤثرة في خط إمداد التمرد بين مدينة الجنينة الحدودية ومدينة الفاشر، عاصمة الإقليم، والتي تمكنت من صد أكثر من 135 هجوماً وألحقت خسائر فادحة بقوات الدعم السريع في معركة دفاعية أُديرت بنجاح وتنسيق. وتشمل هذه العملية قيادة الفرقة السادسة والقوات المشتركة التي دخلت اليوم السبت إلى محلية كلبس، إحدى أبرز المحليات في الولاية والإقليم.

أضاف العميد المتقاعد أن الإشارة إلى موقف الجيش السوداني في إقليم دارفور “تهدف إلى توضيح أن التحول من الدفاع إلى الهجوم هو السمة الرئيسية في معظم جبهات القتال بالنسبة للجيش السوداني”، مشيراً إلى أن العمليات الهجومية في الخرطوم قوية وفعالة لأنها “تهدف إلى تطهير المركز السياسي للدولة السودانية، وتدور المعارك في عدة مناطق حضرية تضم مؤسسات حساسة، بالإضافة إلى صعوبة القتال في المناطق المأهولة ذات الارتفاعات العالية والتسليح الخرساني الذي يمنح المدافعين أفضلية على المهاجمين”. وأوضح أن العملية الهجومية في الخرطوم بدأت من خمسة محاور رئيسية مترابطة، مشيراً إلى أن “أحد هذه المحاور هو قوات كرري في أم درمان التي تتجه نحو مدينة بحري لمساعدة قوات المحور الثاني المتمركزة في معسكري الكدرو وحطاب في تطهير مدينة بحري الاستراتيجية، لأن نجاح هذه العملية يعني فتح الطريق وتحرير حصار سلاح الإشارة المرتبط بالقيادة العامة في الخرطوم”.

تقييم تحركات الجيش السوداني يتطلب عدة أسابيع.

أكد المتحدث أن محور بحري حقق نجاحات كبيرة، أولها السيطرة على كبري الحلفايا، مما يعني اتصال القوات بشكل دائم، وانطلاق قوات الوثبة الثانية والثالثة بأمان نحو أهدافها داخل بحري. كما تم تحقيق خسائر كبيرة في صفوف قوات التمرد ومعداتها، بالإضافة إلى توسيع نطاق الأمان ليشمل مدن الحلفايا والدروشاب والكدرو والجيلي، مما سيوفر الحماية لمواطني أم درمان من خطر الانتقام الذي تمارسه المليشيا المتمردة ضد المدنيين العزل بشكل يومي.

وأوضح عامر حسن أن المحورين الثالث والرابع شهدوا هجوماً من قوات منطقة أم درمان العسكرية، بواسطة سلاح المهندسين، نحو وسط الخرطوم، بالتزامن مع توسيع دائرة التأمين من قبل القوات المتواجدة في القيادة العامة بالخرطوم. وهذا يعني الضغط على أكبر قوة وعتاد للمليشيا المتمردة. وقد أشار إلى أن هذه المعارك تُعتبر من أصعب المعارك التي قد “تستمر لفترة طويلة وتحتاج لفهم طبيعتها لتحديد الفائز فيها”. وأكد أن الجيش بادر بهجوم ناجح، وستظهر نتائجه بالتدريج مع مرور الأيام حسب تقديره.

يضيف العميد حسن أن المحور الخامس “محور المدرعات” قد عمل على توسيع نطاق الحماية والضغط على قوات الدعم السريع في المدينة “لمنعها من الانطلاق في عمليات إمداد لقواتهم في محاور أخرى، وهو نشاط تم التخطيط له بدقة وبشكل متزامن”. كما أشار إلى أن جميع محاور القتال “نالت دعمًا جويًا حاسمًا من قبل الطائرات المأهولة بأنواعها، بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار الهجومية والاستطلاعية”. وأكد أن النتائج الأولية تدل على نجاح عمليات الجيش السوداني الهجومية وتحقيق أهدافها، “حتى أن قيادة المليشيا المتمردة مارست ضغوطًا كبيرة على المتمرد أبوعاقلة كيكل للقيام بعمليات هجومية في محور الفاو وشرق الجزيرة بوسط السودان بهدف إرباك الجيش”. وأشار إلى أن كيكل استجاب لتلك الضغوط وحاول الهجوم يوم الجمعة الماضية، لكنه “تلقى خسائر كبيرة في قواته وآلياته وعتاده، وانسحب من المواجهة دون أن يحقق أي هدف حتى على صعيد الحرب الإعلامية والنفسية”.

وانتهى الخبير العسكري بالإشارة إلى أن “الهجوم الذي يقوم به الجيش في محاوره المتنوعة لا يمكن تقييمه بشكل شامل إلا بعد مرور عدة أسابيع، حيث إن القتال في المدن يتضمن تحديات تجعل النجاحات الميدانية مرتبطة بتفاصيل صغيرة ولكنها تعتبر مهمة وحاسمة، مثل تحييد قناص من مبنى أو إزالة نقطة ارتكاز رئيسية”.

في المقابل، رفضت قوات الدعم السريع الاعتراف بأي إنجازات ملحوظة في العمليات العسكرية للجيش السوداني، مشيرة إلى أنها تصدت لما تسميه بـ”كتائب البرهان” في جميع الجبهات. ونشرت على حسابها الرسمي في منصة إكس مقاطع فيديو تظهر ما تدعي أنها جثث للقوات المهاجمة ملقاة على جسر النيل الأبيض بعد هزيمتها هناك. وأوضحت أن ما يقال عن سيطرة الجيش على مناطق المقرن وكبري الفتيحاب غير صحيح. كما أكدت بعض الأصوات الإعلامية الموالية لقوات “الدعم السريع” أن الوضع لا يزال كما هو لصالحهم، متهمة الجيش بقتل المدنيين وتدمير منازلهم في منطقة الكلاكلة جنوب الخرطوم.

* جريدة قطرية تصدر من لندن

عن مصدر الخبر

العربي الجديد