السودان الان السودان عاجل

أطفال جنوب كردفان: معاناة مستمرة بين الرصاص والجوع والحشائش السامة

مصدر الخبر / راديو دبنقا

تقرير: عبد المنعم مادبو

توفيت الطفلة أم كلثوم، التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات، بسبب التسمم في الدلنج بعد أن تناولت بعض الحشائش، حيث انضمت إلى أشقائها الثلاثة الذين فقدوا حياتهم الأسبوع الماضي في مستشفى السلاح الطبي نتيجة إصابتهم بالتسمم أيضًا.

انتقلت الأسرة المكلومة من لقاوة إلى الدلنج قبل عامين.

أم مهرولة تحمل طفلها تسعى لإنقاذه، تواجه سيارة شرطة، ويتوقف السائق ليأخذها بسرعة إلى مستشفى كادوقلي. وعندما تجلس الأم في المقعد وتكشف الغطاء عن وجه ابنها الذي لا يزال في عمره أقل من عام، تكتشف أنه قد توفي.

في عنابر مستشفى كادوقلي بجنوب كردفان، يتواجد أكثر من 86 طفلاً يعانون من سوء التغذية، حيث يواجه بعضهم الموت تدريجياً بينما يبقى آخرون لأيام في العنبر في انتظار مصيرهم.

في مناطق مختلفة من ولاية جنوب كردفان، يعاني الأطفال من الجوع الشديد، حيث يخرج بعضهم إلى الغابات والمزارع القريبة لجمع الأعشاب لطهيها وتناولها كوجبة للقضاء على جوعهم. ولكن بسبب صغر سنهم، لا يستطيعون مقاومة هذا الجوع، مما يجبرهم على تناول بعض الأعشاب قبل عودتهم إلى المنازل لإكمال عملية الطهي، وهو ما أدى أيضًا إلى وفاة عدد من الأطفال.

تتحدث مجموعة من الناشطين لراديو دبنقا عن الظروف القاسية التي يعيشها أطفال ولاية جنوب كردفان، حيث تتعرض الولاية لحصار من عدة جهات بالقوة والسلاح، مما يحول دون وصول أي مساعدات إنسانية لمساعدة السكان الذين يعانون من المجاعة.

يشهد محيط مدينتي كادوقلي والدلنج بين الحين والآخر مواجهات بين الجيش والحركة الشعبية بقيادة الحلو، حيث تسيطر الحركة على الطريق الذي يوصل بين المدينتين، بينما تتحكم قوات الدعم السريع في نقاط على الطريق الذي يربط الأبيض بالدلنج.

وفقًا للتصنيف الغذائي الذي صدر عن وكالات إنسانية تابعة للأمم المتحدة، يواجه 755,000 شخص في 10 ولايات، بما في ذلك الولايات الخمس الكبرى في دارفور وولايات جنوب وشمال كردفان والنيل الأزرق والجزيرة والخرطوم، مستوى الكارثة أو المجاعة، وهو ما يُعتبر المرحلة الخامسة من التصنيف.

بينما يواجه 8.5 مليون شخص — وهو ما يمثل 18% من السكان — حالة الطوارئ، التي تعد المرحلة الرابعة من التصنيف.

في الوقت الذي واصل فيه المسؤولون الحكوميون نفي وجود أي مجاعة في السودان.

في شهر أغسطس الماضي، أعلنت السلطة المدنية في المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية عن حدوث مجاعة في تلك المناطق، وذكرت أن عدد الوفيات الناتجة عن سوء التغذية وصل إلى 109 حالات في أربع مقاطعات، حيث سُجلت 27 حالة وفاة في مقاطعة هيبان، و62 في رشاد، و11 في لقاوة، و9 في أم دورين.

عنابر ممتلئة بالأطفال

يصرح أحد أعضاء مبادرة إنقاذ الأطفال المصابين بسوء التغذية لراديو دبنقا أنه يوجد عدد كبير من الأطفال المصابين بسوء التغذية في عنابر مستشفى كادوقلي، وقد تعرض كثير منهم للتسمم بسبب تناول الأعشاب. وأضاف أن “العنبر العام وحده يضم أكثر من 55 طفلاً، بالإضافة إلى عنابر الإسهالات وحديثي الولادة ومصابي سوء التغذية، حتى أن ثلاثة أطفال يضطرون للنوم في سرير واحد في ظل انقطاع الكهرباء وازدياد انتشار البعوض”.

أشار عضو المبادرة – الذي تم حجب اسمه لأسباب أمنية – إلى أن الفترة من 22 أغسطس إلى 22 سبتمبر الجاري شهدت زيادة في عدد الوفيات بين الأطفال، حيث توفي 15 منهم في غضون يومين فقط بسبب تأخر وصولهم إلى المستشفى وحالتهم الصحية المتدهورة، وفقاً لما نقله إلى راديو دبنقا عن أطباء مستشفى كادوقلي. وذكر أنه شهد امرأة قبل يومين تحمل طفلها إلى المستشفى، لكنها تعرضت لعربة شرطة أوقفتهما لتساعدها في إيصال طفلها للمستشفى، وعندما ركبت في السيارة وكشفت الغطاء عن وجه طفلها اكتشفت أنه قد فارق الحياة، وهي لا تعلم بذلك عندما كانت تحمل جسده في يديها.

أكد عضو في مبادرة إنقاذ الأطفال من سوء التغذية أنه من 22 أغسطس إلى 22 سبتمبر، توفي 15 طفلاً في قسم التغذية بمستشفى الأطفال في كادقلي، نتيجة لمضاعفات نقص الغذاء وسوء التغذية.

أشار عضو غرفة الطوارئ، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أن مستشفى كادوقلي يعاني من وجود أكثر من 86 طفلاً مصاباً بأمراض نتيجة نقص الغذاء. وقد أوضح أن بعض الأطفال يُخرجون من المستشفى بعد تحسن حالتهم، لكن تُعقد لهم جلسات خاصة في المستشفى يومي الأحد والثلاثاء من كل أسبوع لإجراء الفحوصات اللازمة، بالإضافة إلى تزويدهم بالمكملات الغذائية من قبل المنظمات الإنسانية. وأفاد بوجود ما بين 200 إلى 300 طفل يترددون على المستشفى يومياً خلال فترة توزيع المكملات الغذائية.

أفاد عضو غرفة الطوارئ بأنه حتى البسكويت الغذائي المخصص للأطفال قد نفد. وأكد قائلاً: “وفقاً للمعلومات المتاحة، استطاعت إحدى المنظمات في الأيام الماضية توصيل شحنة من البسكويت الغذائي إلى مدينة الدلنج، ومن المحتمل أن تصل كميات أخرى إلى كادوقلي خلال الأيام القادمة”.

أفاد عضو غرفة طوارئ كادوقلي أن مشكلة نقص الغذاء أصبحت تؤرق الأسر في مدينة كادوقلي بشكل كبير، لدرجة أن جميع أفراد العائلة، سواء كبار أو صغار، يخرجون صباحاً بحثاً عن الطعام. وأشار إلى أن هناك أطفالاً تتراوح أعمارهم بين 7 و12 عاماً يحملون أواني فارغة، ويذهبون إلى المناطق الخلاء لجمع الأعشاب والحشائش، ليعودوا بها إلى منازلهم حتى تقوم الأمهات بغليها على النار لتخفيف مرارتها ومزجها مع (الدكوة) ليتم تناولها كوجبة. لكنه رجح أن حالات التسمم الكثيرة التي يتعرض لها الأطفال تأتي نتيجة تناولهم لهذه الأعشاب قبل إحضارها إلى المنازل وغليها، بسبب عدم القدرة على تحمل الجوع مشيراً إلى أن هذه الحالة قد تكون موجودة في معظم مناطق جنوب كردفان. بالإضافة إلى ذلك، ذكر أنه قبل عدة أشهر، خرج ثلاثة أطفال أشقاء إلى حقل للفول السوداني، واستخرجوا البذور المدفونة في التربة خلال بداية الزراعة، وأكلوها، مما أدى إلى إصابتهم بالتسمم بسبب المبيدات الحشرية التي وضعها المزارع على تلك البذور.

كشف عضو مبادرة إنقاذ الأطفال من سوء التغذية عن إصابة أربعة أطفال أشقاء من النازحين في حي المصانع بكادوقلي بحالة تسمم في 23 سبتمبر الحالي، بعد تناولهم عشبة تُعرف باسم (البن بلاش)، مما أدى إلى وفاة طفلتين، هما (سنوات وسحر على توتو) اللتان تتراوح أعمارهن بين 10 و7 سنوات.

أشارت مصادر راديو دبنقا في الدلنج إلى أن أربعة أطفال أشقاء من النازحين في منطقة لقاوة بحي الرديف بالدلنج، اضطروا لتناول أعشاب غير معروفة بسبب الجوع، مما أدى إلى إصابتهم بالتسمم. تم نقلهم على إثر ذلك إلى مستشفى السلاح الطبي بالدلنج، لكنهم لسوء الحظ توفوا نتيجة التسمم.

وفقاً لتقارير راديو دبنقا، فقد لقي أكثر من 15 شخصاً، معظمهم من الأطفال، حتفهم في مناطق متفرقة من ولاية جنوب كردفان خلال الأشهر القليلة الماضية، نتيجة تناولهم نباتات وأعشاب أو بذور سامة.

وفقا لتقرير شبكة الإنذار المبكر من المجاعة الذي صدر في سبتمبر الحالي، فإن مناطق كادوقلي، والدلنج، والعباسية أبو كرشولا، والقوز، وهبيلة، وهيبان، والبرام، والريف الشرقي، وام دورين تقع في المرحلة الرابعة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

يشير التقرير إلى حدوث اشتباكات في أغسطس الماضي عندما سعت القوات المسلحة السودانية إلى إنهاء الحصار الذي تفرضه الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الحلو على طرق إمداداتها.

كذلك، لا تزال كادقلي محاصرة بسبب قيام قوات الدعم السريع بإعاقة الطرق الرئيسية.

مع تزايد القيود على التدفقات التجارية من جنوب السودان إلى جنوب كردفان نتيجة الفيضانات، أصبحت إمدادات السوق شحيحة جدا، وأصبحت أسعار المواد الغذائية في أسواق مثل كادقلي من بين الأعلى في السودان.

رجح التقرير أن تتزايد الفجوات في استهلاك الغذاء وسوء التغذية الحاد في مناطق الدلنج وكادقلي والمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى أجزاء من المناطق التي تسيطر عليها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الحلو. ويعود السبب في ذلك إلى انخفاض القدرة الشرائية للأسر وارتفاع مستويات النزوح، بالإضافة إلى القيود التي يفرضها النزاع والتي تؤثر على قدرة السكان في الحصول على الغذاء أو الوصول إلى الخدمات أو الانتقال إلى مناطق أكثر أماناً.

أشار تقرير شبكة الإنذار المبكر إلى أن زراعة المحاصيل في معظم المجالات التقليدية في كردفان الكبرى تعاني من قيود بسبب انعدام الأمن والنزوح الواسع النطاق، مما أدى إلى تقليص إمكانية وصول المزارعين.

يشير تحليل حالة المحاصيل الذي نفذه شركاء نظام الإنذار المبكر من المجاعة في وكالة ناسا وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية خلال شهر يوليو إلى ارتفاع في المساحات غير المزروعة مقارنة بالظروف التي كانت سائدة قبل الحرب.

أشار التقرير إلى تراجع كبير في المساحة المزروعة في المناطق المتضررة من النزاعات المباشرة بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والحركة الشعبية لتحرير السودان – شمال في مناطق جنوب كردفان.

توقع التقرير أن تكون المساحة المزروعة في هذه المناطق أقل بكثير من المتوسط، وكذلك أشار إلى أن أداء المحاصيل قد يتأثر سلبًا نتيجة الأمطار الغزيرة والفيضانات، بالإضافة إلى نمو الأعشاب بشكل مكثف وارتفاع تكاليف العمالة، مما يقلل من قدرة الفلاحين على مكافحة الأعشاب الضارة أو التعامل مع انتشار الآفات.

في منتصف شهر سبتمبر الحالي، توصل رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت في جوبا إلى اتفاق بشأن التشاور الدولي من أجل إيجاد آلية لنقل المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان عبر مطار جوبا الدولي.

بينما اعتبرت قيادة الحركة الشعبية بقيادة الحلو أن الاتفاق يعكس موقفها التفاوضي الذي قوبل بالرفض من قبل وفد الحكومة في مايو الماضي.

قال وفد الحركة في بيان له حينها إن وفد الحكومة رفض ثلاثة مقترحات طرحتها الحركة، والتي تضمنت “تسليم المساعدات الإنسانية بدون اتفاق، استناداً إلى تجربة الحركة السابقة عندما قامت في الخامس من نوفمبر 2023 بتأمين ثماني شاحنات إغاثة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، أو توقيع كل طرف بشكل منفصل مع وكالات الأمم المتحدة تحت إشراف وساطة دولة جنوب السودان، يليها اجتماع تنظمه لجنة الوساطة لمناقشة الجوانب الفنية. أما المقترح الثالث، فقد اقترح ضم جميع الأطراف المتحاربة للتوقيع على إعلان لوقف العدائيات، لضمان عدم عرقلة أي من الأطراف المتحاربة لعملية تسليم المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين”.

أعلنت الحركة الشعبية بقيادة الحلو عن حدوث مجاعة في المناطق التي تسيطر عليها في جنوب كردفان، واتهمت الحكومة ببيع حصة إقليم جبال النوبة وإقليم الفونج من المساعدات الإنسانية، بزعم إغلاق الطرق من قِبَل قوات الدعم السريع. كما أشارت إلى تدفق أعداد كبيرة من النازحين من مناطق النزاع إلى مناطق سيطرتها، مما أدى إلى مشاركة المخزون الاستراتيجي للغذاء مع الأسر المستقرة.

عن مصدر الخبر

راديو دبنقا