المصدر : شبكة عاين
تسللت العديد من الأمراض، مثل الملاريا والكوليرا وسوء التغذية، إلى مناطق شاسعة في العاصمة الخرطوم وإقليم دارفور غربي السودان خلال فترات الحرب، لتطال المدنيين الذين نجاوا من نيران القتال العنيف، في ظل نقص حاد في الرعاية الصحية والأدوية، وغياب التدخلات الإنسانية.
من الخرطوم إلى دارفور، أصبحت الملاريا تهديدًا أكبر للمواطنين من رصاص الحرب، حيث انتشرت بشكل مقلق. وفقًا لوصف المتطوعين، فقد تم تسجيل أكثر من 4 آلاف حالة إصابة بهذا الوباء، بالإضافة إلى وفاة أكثر من 20 شخصاً في منطقة جنوب الحزام، الواقعة جنوبي العاصمة الخرطوم بمفردها.
أطلقت غرفة الطوارئ في جنوب الحزام إنذارًا بخصوص انتشار الملاريا في منطقة جنوب الخرطوم، بسبب نقص الرعاية الطبية وندرة الأدوية وارتفاع تكلفة الجرعات، التي تصل إلى 10 آلاف جنيه للحقنة الواحدة، وهو مبلغ لا يستطيع معظم السكان تحمله في ظل الظروف الصعبة الناتجة عن الحرب.
وتشير حواء، الساكنة في ضاحية مايو جنوبي الخرطوم، إلى (عاين) قائلةً: “كل أفراد أسرتي يعانون من الحمى، ولا نعرف ما إذا كانت حمى الضنك أو الملاريا؛ لأنه لم يكن بإمكاننا الذهاب إلى المستشفى لإجراء الفحوصات المطلوبة، ولم نشعر بالحماس للذهاب بعد معرفتنا بنقص الرعاية الصحية هناك، ولذلك استمريت في تقديم الرعاية لأبنائي وبناتي المرضى باستخدام العلاجات التقليدية.”
موت يومي
تشكو حواء من زيادة انتشار البعوض ونواقل الأمراض في منطقة جنوب الحزام بسبب التلوث البيئي الناجم عن تجمع مياه الأمطار، مما يؤدي إلى ارتفاع حالات الإصابة بالحميات غير المعروفة التي تشاهدها يومياً في منطقتها السكنية.
وتشير إلى أنه يوجد نقص في الغذاء، حيث أن المطابخ المجانية التي يديرها متطوعو غرفة الطوارئ لم تعد تعمل كما كانت من قبل، وقد تحصل الأسر على وجبة واحدة فقط بعد عدة أيام، مما يؤدي إلى سوء التغذية بشكل واضح. فالأشخاص المصابون بمرض مثل الملاريا بحاجة إلى وجبات مغذية وقوية لمساعدتهم في مقاومته، ونتيجة ضعف المناعة، يموت كبار السن والأطفال يومياً في منطقتنا.
يعتمد سكان منطقة جنوب الخرطوم التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع على مستشفى بشائر وبعض المراكز الصحية الموجودة في الأحياء، والتي يديرها متطوعون من غرفة الطوارئ بجهود ذاتية. وتعاني هذه المرافق من نقص شديد في متطلبات الرعاية الصحية، في حين أن الأدوية المتاحة للبيع في الصيدليات تعاني من نقص وارتفاع في الأسعار في ذات الوقت.
يقول عمر إبراهيم، عضو غرفة طوارئ جنوب الحزام، في مقابلة مع (عاين)، إن الوضع في جنوب الخرطوم مأساوي بسبب انتشار ثلاث وبائيات بين السكان المحاصرين، وهي الملاريا، حمى الضنك، والكوليرا. ويقدر عدد الوفيات غير المبلّغ عنها في المستشفيات بـ 100 حالة نتيجة لهذه الأمراض خلال الشهرين الماضيين.
يشير إلى أن 90% من المتطوعين ومقدمي الرعاية الطبية في مستشفى بشائر في جنوب الخرطوم يعانون من حمى الضنك والملاريا، مما تسبب في توقف معظم أقسام المستشفى عن العمل. كما أن هناك غلاء فاحش في أسعار أدوية الملاريا، حيث تصل تكلفة الحقنة الواحدة إلى 10 آلاف جنيه، وأحيانًا تكون الأدوية منتهية الصلاحية، في ظل غياب المحاليل الوريدية، مما يعرض حياة المرضى للخطر.
وأكد إبراهيم أن الوجبات البسيطة مثل البليلة والعدس التي كانت تسعى غرفة الطوارئ لتوفيرها، لم تعد متاحة بسبب نقص التمويل، مما يزيد من حدة أزمة الجوع في المنطقة.
واقع مماثل
يواجه سكان إقليم دارفور في غرب السودان واقعا مأساويا، حيث تهيمن قوات الدعم السريع على أربع من أصل خمس ولايات في الإقليم. وتُظهر التقارير الطبية أن الملاريا وشلل الأطفال والتهاب الكبد الوبائي منتشرة في عدة مناطق، مع ضعف واضح في الرعاية والخدمات الصحية بعد خروج العديد من المؤسسات الصحية من الخدمة نتيجة العمليات القتالية.
تسببت السيول والأمطار في تدهور الوضع البيئي في ولايات دارفور، مما ساعد على انتشار وباء الكوليرا في عدة مناطق. وتأتي هذه الأوضاع وسط تحذيرات من تفاقمها، خاصة مع خروج الإقليم عن سيطرة السلطات الصحية المركزية، مما يترتب عليه تحديات كبيرة في مجال رصد ومتابعة الأمراض الوبائية وتصديها.
وفقًا لما ذكره وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم للصحفيين مؤخرًا، تم تسجيل حالات إصابة بشلل الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وخاصة في إقليم دارفور، بسبب غياب حملات التطعيم مما يسهم في زيادة أمراض الطفولة.
ذكرت إدارة التحصين الموسع في ولاية شرق دارفور في تقرير اطلعت عليه (عاين) أن 50 ألف جرعة من لقاح شلل الأطفال تعرضت للتلف بسبب تأخر شحنها إلى المستفيدين، وذلك في ظل حدوث معاناة مماثلة لحصص من هذه الجرعات في ولايات أخرى من الإقليم.
حميات مجهولة
أصدرت الفرق الطبية في مستشفى نيالا التعليمي بولاية جنوب دارفور تحذيرات من ازدياد انتشار حميات غير معروفة وإسهال مائي، نتيجة تلوث الآبار التي يعتمد عليها سكان المدينة للماء بسبب الفيضانات، بالإضافة إلى انتشار الحشرات الناقلة للأمراض، في ظل ضعف إجراءات الوقاية ونقص الأدوية.
كشف خليفة محمد، عضو غرفة الطوارئ الصحية في ولاية جنوب دارفور، لـ(عاين) عن وقوع عدة حالات وفاة بين المواطنين نتيجة إصابتهم بحميات مجهولة وإسهال مائي، حيث لم يتمكنوا من تشخيص الحالة بدقة بسبب ضعف أجهزة التشخيص المتاحة. ويتطلب الأمر إرسال العينات المرضية إلى مختبرات متقدمة للتعرف عليها، ولكنه يُعتبر أمراً صعباً في ظل التوترات الأمنية القائمة.
يذكر خليفة أن المستشفيات والمراكز الصحية في منطقته تعمل بموارد محدودة، ولا يمكن اتخاذ أي إجراءات أو احتياطات وقائية لمواجهة هذه الأمراض الوبائية غير المعروفة.
أكد مصدر في وزارة الصحة بولاية جنوب دارفور التابعة للإدارة المدنية لقوات الدعم السريع أنهم يواجهون صعوبة في التواصل مع وزارة الصحة الاتحادية بشأن هذه الأوبئة، حيث توقفت الوزارة عن جميع وسائل التواصل والتعاون مع المؤسسات الصحية في المناطق التي لا تخضع لسيطرة الجيش في إقليم دارفور.
وقال: “نواجه تحدياً كبيراً في التصدي للأوبئة التي ظهرت في ولاية جنوب دارفور، مثل الحميات غير المعروفة، والتهاب الملتحمة، والإسهال المائي، والدرن، وسوء التغذية، التي تنتشر في مختلف أنحاء الولاية”.
تواصل المركز
ينطبق نفس الوضع على ولاية غرب دارفور، حيث لجأت إلى التعامل المباشر مع المنظمات الإنسانية، وذلك بسبب بُعد المنطقة عن المركز وقرب عاصمتها مدينة الجنينة من معبر أدرى مع دولة تشاد.
يذكر المسؤول في وزارة الصحة بولاية غرب دارفور، التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، د.
عبد السلام مصطفى قال لـ(عاين) إن “وزارة الصحة المركزية التي يسيطر عليها الجيش لم تستفسر منهم عن الحالة الصحية في الولاية، وإذا طلبت تقريراً، فإنهم مستعدون لتقديمه، شرط أن تهدف إلى دعم الخدمات الصحية في الولاية”.
من جانبه، حذر الطبيب المقيم في دارفور جعفر علي من العواقب السلبية لانتشار الأمراض الوبائية في إقليم دارفور بسبب تدهور النظام الصحي نتيجة الحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
أكد جعفر خلال مقابلة مع (عاين) أن الخطر يكمن في صعوبة التعرف على الأمراض الوبائية مبكرًا والتعامل معها، وذلك بسبب غياب أنظمة الرصد والمتابعة لهذه الأمراض، مما يؤدي إلى الكشف عنها في وقت متأخر وازدياد نطاق تفشيها، مما يجعلها أكثر فتكًا.