تقرير: سليمان سري
عبرت الحملة الوطنية للتمديد للبعثة الدولية للتحقيق في الانتهاكات التي حدثت خلال حرب 15 أبريل 2023، عن اعتراضها على الفقرة 19 الموجودة في مشروع قرار قدمته بعثتا الولايات المتحدة وبريطانيا، والذي سيتم طرحه على مجلس حقوق الإنسان للتصويت خلال أعمال الدورة السابعة والخمسين المخصصة لتجديد البعثة.
ووصفت الحملة في بيان حصلت عليه “راديو دبنقا”، مشروع القرار بأنه جيد بشكل عام، ما عدا ما حدث يوم أمس في 30 سبتمبر 2024، خلال الجلسات التحضيرية حيث تم إضافة الفقرة (19) التي اعتُبرت مخيبة للآمال.
ضياع العدالة:
تنص الفقرة 19 على ما يلي: (ترحب بالتزام السلطات السودانية المعلن بالتحقيق في الفظائع ومحاسبة المسؤولين عنها حسب الاقتضاء، من خلال جهود المساءلة الوطنية المستقلة، والتحقيق في الجرائم والانتهاكات للقانون الوطني والقانون الإنساني الدولي، وتحث على تنفيذ هذه الالتزامات، وتلاحظ بتقدير المبادرات الأخرى والبيانات ذات الصلة التي تهدف إلى مواجهة الصراع المسلح المستمر في السودان).
اعتبرت الحملة أن هذه الفقرة تعطي شرعية للجان الداخلية التي شكلها طرفا النزاع في السودان. وشككت في نزاهة تلك اللجان، مشيرةً إلى افتقارها للاستقلالية والموثوقية، إضافة إلى عدم حيازتها على الحياد. ورأت أن نتائج تحقيقاتها لن تكون كافية لتحقيق الهدف المنشود، مما قد يؤدي إلى فقدان العدالة وفرص المساءلة.
أرجعت موقفها الرافض لتلك اللجان إلى أن الأطراف المتنازعة هي المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان منذ بداية الحرب في 15 أبريل 2023، بالإضافة إلى ما وصفت به تاريخهم المظلم في هذا المجال، والذي بدأ بجرائم الحرب في دارفور في عام 2003، مرورًا بأحداث ثورة ديسمبر 2019 وأحداث انقلاب 25 أكتوبر 2021. وأكدت أنه خلال تلك الأحداث تمت ممارسة جميع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان من قبل القوات النظامية، وأن القوات المسلحة وقوات الدعم السريع كانتا شريكتين في تلك الممارسات التي لم يتم التحقيق فيها.
مشروعية غير مستحقة:
أعرب عضو الحملة الوطنية لتمديد بعثة تقصي الحقائق، محمد عبدالمتعال جودة المحامي، عن استنكار شديد للفقرة 19 الموجودة في مشروع القرار المتعلق بتمديد ولاية البعثة الدولية لتقصي الحقائق في الجرائم والانتهاكات التي حدثت خلال حرب 15 أبريل 2023م.
قال جودة في مقابلة مع “راديو دبنقا” إن الفقرة تتناول منح اللجان الوطنية المعنية بالتحقيق صلاحية التحقيق في هذه الانتهاكات، ورأى أن هذه الصلاحية غير مستحقة.
وتمت الإشارة إلى لجان التحقيق الوطنية بأنها آليات تعاني من العُرج، حيث تسير في اتجاه واحد.
أعاد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان التأكيد على قرار تشكيل لجنة من قبل النائب العام للتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها قوات الدعم السريع. وأوضح جودة أن عنوان القرار يدل على عدم جدية اللجنة وحيادتها وموثوقيتها، مشيرًا إلى أن هذه اللجنة تحقق فقط في انتهاكات طرف واحد.
وقال جودة: “عندما نتحدث عن الانتهاكات التي حدثت خلال الحرب، لا نتحدث عن جانب واحد، بل نتناول طرفين رئيسيين، وهما القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، بالإضافة إلى العديد من الأطراف الأخرى التي تشارك مع كل من هذين الطرفين”.
قال: “اللجنة تنظر من زوايا محددة مما يفقدها الموضوعية، وأي تقرير يصدر عنها لن يكون كاملاً بل سيركز فقط على انتهاكات طرف واحد.”
مجاملة دبلوماسية:
قال عضو الحملة القومية لتمديد بعثة تقصي الحقائق إن هذه الفقرة قد تم اعتمادها من قبل الكتلة الإفريقية، التي أشار إلى أنها اعتادت على المجاملات الدبلوماسية وتبادل المنافع.
عبّر محمد جودة المحامي، في مقابلة مع “راديو دبنقا”، عن شكوكه في الكيانات الوطنية، مشيراً إلى أن انعدام الثقة يتجاوزها ليطال الكيانات الإفريقية أيضاً. وذكر أنه في القمة الإفريقية التي أقيمت في جنوب إفريقيا عام 2015، امتنعت هذه الكيانات عن اعتقال الرئيس المخلوع عمر البشير.
وصفها بأنها غير مهنية في إتمام المهام التي يجب أن تكون جزءًا من أخلاقيات مكافحة الانتهاكات ومنعها، بالإضافة إلى السعي لمواجهة مرتكبيها.
وحذر جودة من أن هذه المادة المذكورة في الفقرة 19 إذا تم اعتمادها ستشكل ضررًا على المواطن، وأكد أن خطورتها تكمن في أنها تمنع الضحايا من أي فرصة لتحقيق العدالة.
وأثبتوا ذلك من خلال تجاربهم السابقة في اللجان الوطنية.
استبعد جودة إمكانية الموافقة على المادة 19 في مشروع القرار، وأعرب عن ثقته بأن الاعتراض الذي قدمته الحملة الوطنية سيحظى بنقاش مثمر. ورأى أن الحوار القائم حالياً بين منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان الوطنية والإقليمية المعنية بمصلحة السودان، وبين الدول الأعضاء، قد يسهم في إلغاء هذه المادة.
وأشار إلى أن تعديل الفقرة أو تقليص نطاقها أو إلغاءها بالكامل سيؤدي إلى شعور الضحايا بالاطمئنان بأنهم سيتمكنون من الحصول على العدالة وأن هناك جهة تتابع أوضاع حقوق الإنسان.
تحجيم الشطط:
أوضح المحامي محمد عبدالمتعال جودة في حديثه مع “راديو دبنقا” أن إلغاء هذه المادة سيؤثر على ما اعتبره تقليصًا للتجاوزات أو السمة السائدة لدى الطرفين المتحاربين.
أوضح جودة أن الحملة تمتلك مجموعة من الآليات لمواجهة هذه المادة، ولديها تواصل مع عدة جهات على المستوى الدولي في نقاش جاد لاستبعاد وإلغاء هذه الفقرة بالتحديد.
التمديد للبعثة:
اعتبر جودة أن موضوع تمديد بعثة تقصي الحقائق في السودان يعد أمرًا ضروريًا. وأوضح أن أهمية ذلك تستند إلى التقرير الأولي الذي قدمته البعثة خلال فترة زمنية قصيرة جدًا، لكنه أشار إلى أنها بذلت جهودًا كبيرة رغم التحديات المتعددة التي واجهتها، سواء من داخل مجلس حقوق الإنسان أو من مجلس الأمن أو من مواقف بعض الدول. وأكد أن هذه الاعتراضات تُعزى في الأساس إلى اعتبارات شخصية ومصالح دبلوماسية.
لكنه بدا واثقًا من إمكانية تمديد ولاية بعثة تقصي الحقائق، مشيرًا إلى أن عدم تمديد البعثة سيؤدي إلى ضياع حقوق الضحايا.
ودعا الدول التي تميل إلى عدم التمديد إلى التأمل فيما جرى خلال الأيام الأخيرة في ميادين القتال، من انتهاكات عديدة حدثت أثناء هذه المعارك وعندما سيطر طرف على مناطق الطرف الآخر.
القتل خارج القانون:
وأشار عضو الحملة الوطنية للتمديد لبعثة تقصي الحقائق محمد عبدالمتعال جودة، في مقابلة مع “راديو دبنقا”، إلى أن الطرفين يستغلان القانون بما يخدم مصالحهما مما يسمح لهما بارتكاب الجرائم. وحذر من عدم تمديد هذه البعثة، مشيرًا إلى أن إدخال الفقرة 19 قد يضع المواطن أمام آلة قتل أخرى أكثر خطرًا وانتهاكًا للقانون.
قال: إنَّ وضع المواطنين أمام هذه الآليات الوطنية يجعلنا نستذكر أو نتابع الآن ما يحدث من محاكمات لبعض المواطنين الأبرياء بسبب تعاونهم مع الدعم السريع، ومحاكمتهم بموجب مواد تصل عقوبتها إلى الإعدام مثل المادة 50 و51.
في المحاكمات أو الإجراءات التي لم تأخذ بعين الاعتبار مبادئ المحاكمات العادلة، لم تتوفر لهم أي مساعدة قانونية كافية، والأدلة التي كانت متاحة يمكن وصفها بالضعيفة أو المصطنعة.
عبر عن تمنياته بأن يتم تمديد الفترة لحماية المواطن السوداني غير المسلح.