على الرغم من أنها أكبر بوابة بحرية للسودان بفضل مينائها الذي يعتبر نقطة رئيسية لاستيراد السلع الاستراتيجية، إلا أن بورتسودان لم تتمتع بتعيينها عاصمة مؤقتة لهذا البلد الأفريقي لأكثر من عام.
بعد مغادرته مقر القيادة العامة للجيش السوداني في وسط العاصمة الخرطوم في أغسطس 2023، قام رئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان بتحديد مدينة بورتسودان كعاصمة إدارية مؤقتة.
منذ ذلك الحين، أصبحت مدينة بورتسودان مركزًا بديلًا للحكومة السودانية، حيث انتقلت إليها البعثات الدبلوماسية والمنظمات الإنسانية من دولية وإقليمية.
القرار الذي اتُخذ جاء نتيجة للميزات الاستراتيجية التي تتمتع بها بورتسودان، التي تبعد حوالي 800 كيلومتر عن الخرطوم؛ حيث إنها:
- ثاني أكبر مدن السودان
- أكثر المدن أهمية اقتصادية
- تعد البوابة البحرية الأكبر للبلاد.
- يعتبر ميناؤها معبراً أساسياً لاستيراد السلع الحيوية وتصدير النفط من دولة جنوب السودان.
ورغم ذلك، بدأ البرهان اتخاذ خطوات لنقل مقر إقامته من مدينة بورتسودان، عاصمة ولاية البحر الأحمر، إلى مدينة عطبرة بولاية نهر النيل في الفترة القادمة، وفقاً لمصادر حكومية أفادت بذلك لـ«العين الإخبارية».
وفقًا للمصادر، تتمثل الخطوة الأولى في نقل محل إقامته وعدد من الوزارات إلى مدينة عطبرة، بحيث يتم نقل جميع المقرات الحكومية إلى العاصمة المؤقتة بشكل تدريجي.
تزامنت تلك الخطوات مع تنفيذ عمليات على الأرض، حيث أفادت تقارير إعلامية أن مطار مدينة عطبرة يشهد أعمال صيانة وتوسيع في مدرجه، بالإضافة إلى إنشاء صالات جديدة للمسافرين، استعدادًا لاستقبال الرحلات الجوية المحلية والدولية.
ذكرت لجنة تطوير وتأهيل مطار عطبرة أن الأنشطة الإنشائية الجارية في المطار تهدف إلى تحويله إلى مطار دولي يلبي احتياجات الولاية والبلاد في مجالات نقل البضائع والركاب.
مؤخراً، قام البرهان بزيارة إلى ولاية نهر النيل حيث تفقد سير العمل في تأهيل وتحديث مطار عطبرة. وأكد على هيئة الطيران المدني ضرورة إدراج أكبر عدد ممكن من المطارات في قائمة المطارات الدولية، كما دعا إلى تكثيف الجهود لافتتاح المطار خلال هذا العام، باعتباره مشروعاً استراتيجياً يحقق الفوائد الداخلية والخارجية.
لكن ماذا تعني تلك الخطوة؟
يصرح الخبير في التخطيط الحضري أبوالقاسم الشريف، في حديثه لـ”العين الإخبارية”، أن السودان يمر بظروف أمنية وسياسية واقتصادية معقدة للغاية، مما يتطلب التفكير بشكل بعيد المدى للتصدي للتحديات الجسيمة التي تعاني منها البلاد في الوقت الحالي.
أوضح الشريف أن مدينة بورتسودان تعاني دائمًا من انقطاع في إمدادات الطاقة والمياه الصالحة للشرب، مما جعل عطبرة خيارًا مثاليًا كونها مركزًا كبيرًا قريبًا من نهر النيل وسد مروي، مما يضمن استدامة خدمات الكهرباء والمياه.
وفقًا للخبير في التخطيط الحضري، تمتاز مدينة عطبرة بشبكة واسعة من الطرق البرية الرئيسية وخطوط السكك الحديدية، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي كمركز للعاصمة المؤقتة، مما يسهم في تسهيل حركة الإمدادات العسكرية والتنقلات الحكومية إلى باقي مدن السودان.
وعلى الرغم من تلك المميزات، أشار إلى أن مدينة عطبرة تواجه تحديات أساسية في مجال البنية التحتية اللازمة لاستيعاب متطلبات نقل العاصمة، مما يدل على أنها بحاجة إلى جذب استثمارات كبيرة لتطوير بنيتها التحتية، مثل الطرق والجسور والخدمات العامة.
من جهته، أفاد المحلل السياسي السوداني الطاهر أبوبكر أن مدينة بورتسودان شهدت في الآونة الأخيرة ظهور أصوات من بعض العشائر تطالب بنقل الحكومة المؤقتة إلى مدينة أخرى، مما تسبب في استياء بعض القيادات الحكومية.
ذكر أبوبكر في حديثه لموقع “العين الإخبارية” أن هناك أصواتاً عشائرية اعترضت عدة مرات على استمرار عمل مؤسسات الدولة في مدينة بورتسودان، حيث طالبت بطرد قيادات الحركات المسلحة المقيمين في المدينة، وخاصة جبريل إبراهيم (وزير المالية) رئيس حركة العدل والمساواة، ومناي أركو مناوي (حاكم إقليم دارفور) رئيس حركة تحرير السودان. مما تسبب في زيادة الضغوط للمطالبة بنقل العاصمة المؤقتة إلى مدينة أكثر استقراراً وانفتاحاً.
في نفس السياق، أشار الإعلامي السوداني الطيب سعد الدين (مسؤول سابق في حكومة ولاية الخرطوم) إلى أن “عطبرة تحمل رمزاً وطنياً، فهي مدينة نشأت بفضل السكك الحديدية وتضم مجموعات سكانية تعكس تنوع السودان، حيث تأسست حول مؤسسة وطنية (السكك الحديدية) التي عمل فيها أبناء السودان من مختلف القبائل، وليس هناك جهة قبلية أو عائلية تدعي ملكيتها لهذه المدينة”.
أوضح الإعلامي السوداني، في حديثه لموقع “العين الإخبارية”، أن “السكان الأصليين لنهر النيل لا يعيشون بكثافة في عطبرة، لأن طبيعتها ليست إنتاجية بقدر ما هي مدينة صناعية، والإنتاج يتم توزيعه في القرى الواقعة شمال وجنوب عطبرة.”
وأوضح أن اختيار عطبرة جاء بسبب بعده عن مناطق النزاع، بالإضافة إلى أن موقعها في الشمال يقلل من معاناة المواطن عند الوصول إلى العاصمة.
سبب آخر يُحفّز السودان على الابتعاد عن الخرطوم كعاصمة للبلاد هو نتائج الحرب التي أدت إلى فقدان 80% من موارده. حيث كانت الأنشطة الإنتاجية والاقتصادية والصناعية والخدمية مُركّزة في العاصمة القديمة، وفقاً لما ذكره الإعلامي السوداني.
ماذا نعرف عن عطبرة العاصمة المستقبلية؟
- تقع في ولاية نهر النيل في شمال البلاد
- تبتعد عن الخرطوم حوالي 310 كيلومترات، وعن مدينة الدامر، عاصمة الولاية، بحوالي 10 كيلومترات.
- تقع على بعد 611 كيلومترًا من ميناء بورتسودان، وعلى مسافة حوالي 474 كيلومترًا جنوب وادي حلفا على الحدود المصرية.
- تقع على الجانب الشمالي لنهر عطبرة والجانب الشرقي لنهر النيل.
- تُعتبر من أقدم مدن السودان وأعرقها
- تُعرف بالعاصمة التي تتميز بالحديد والنار نظراً لاستضافتها لرئاسة السكك الحديدية في البلاد.
- اختارها الإنجليز في الماضي لتكون قاعدة عسكرية لقواتهم بعد استعادة استعمار مدينتي أبو حمد وبربر القريبتين منها في عام 1898.
- عرفت في تاريخها القديم والحديث بقطاع السكك الحديدية والنشاط النقابي في السودان.