حرب السودان تسحب الأطفال من المدارس إلى الشوارع.
طول فترة النزاع وانقطاع التعليم دفع الأسر إلى الاعتماد على أبنائها في القيام بأعمال صعبة تساعدهم على التغلب على صعوبات الحياة.
نزح حوالي 3.5 مليون طفل سوداني منذ بداية الحرب.
ملخص
يبلغ عدد سكان السودان حوالي 46 مليون نسمة، حيث يشكل الأطفال حوالي نصف هذا العدد. يعاني ثلاثة ملايين طفل من سوء التغذية، بينما توقف 19 مليون طفل عن الذهاب إلى المدرسة وهو ما يشكل تهديدًا لمستقبل السودان، حيث أن 42% من السكان أعمارهم تقل عن 14 سنة.
أدت الظروف الاقتصادية الصعبة وخطر الجوع وارتفاع معدلات الفقر إلى إجبار مئات الأطفال الذين يعيشون في معسكرات الإيواء في المدن الآمنة بالسودان على الانخراط في مهن ذات طبيعة هامشية لمساعدة أسرهم وتلبية احتياجاتهم من الغذاء والدواء، خاصة بعد عدم صرف الرواتب لأكثر من 17 شهراً واستنفاد المدخرات المالية.
مع استمرار الحرب لفترة طويلة والمستقبل الدراسي الغامض الذي يواجهه الأطفال، اضطر آلاف منهم إلى العمل في الأسواق من خلال وظائف بسيطة مثل تلميع الأحذية وغسل السيارات وجمع النفايات وتجارة الخردة. كما قام آخرون ببيع منتجات صغيرة عند التقاطعات وإشارات المرور، مثل المناديل والفاكهة والملابس لصالح بعض التجار بنظام النسبة المئوية. بالإضافة إلى ذلك، عمل آخرون كحمالين باستخدام عربات صغيرة ذات عجلة أمامية واحدة تُعرف محليًا بـ “الدرداقات”.
مسؤولية كبيرة
في سوق مدينة القضارف شرق الخرطوم، يقوم الطفل بابكر سعد البالغ من العمر 11 سنة بغسل السيارات لكسب المال لدعم أسرته التي تعيش في معسكر المنهل لإيواء النازحين.
يقول سعد: “لم أعمل من قبل في هذه المهنة الهامشية أو في أي حرفة أخرى، فقد كنت طالباً مجتهداً في مدرستي في مدينة سنجة بولاية سنار. لكن بعد أن فقد والدي حياته في الاشتباكات المسلحة إثر سيطرة قوات (الدعم السريع) على المنطقة، اضطررت للعمل لمساعدة والدتي وشقيقتي”.
وأضاف: “فجأة أصبحت مسؤولاً عن المنزل، ويتوجب علي كل يوم توفير مستلزمات الأسرة، حيث تعتمد أمي علي في تأمين الغذاء والدواء. أتقاضى 50 ألف جنيه سوداني يومياً، أي ما يعادل حوالي 20 دولاراً، لكنها لا تكفي في ظل ظروف الحرب، خاصة أننا نعيش في أحد المعسكرات”. وتابع سعد: “إنها مهمة صعبة ومسؤولية كبيرة تحملتها مبكراً، لاسيما أن العمل شاق أحياناً أكثر مما أستطيع تحمله بدنياً، بالإضافة إلى استغلال أصحاب السيارات وسوء المعاملة”. في مواقف المواصلات العامة بمدينة بورتسودان شرق السودان، يعمل الطفل أيوب فضل (12 سنة) في تلميع الأحذية خلال النهار، وفي المساء يبيع سلعاً صغيرة عند تقاطعات الطرق وإشارات المرور مثل المناديل والحلويات والبسكويت وعلب السجائر.
يقول فضل: “فقدت والدي في حرب الخرطوم منذ أكثر من عام، وجبرتنا ظروف الصراع على النزوح من العاصمة إلى ولاية البحر الأحمر والإقامة في معسكر إيواء. وبعد تفاقم الأوضاع ونفاد مدخراتنا المالية، اضطررت للعمل لأن أسرتي ليس لها معيل سوى أنا، ولا يوجد لدينا مصدر دخل ثابت يمكننا من العيش”.
أوضح الطفل السوداني أنه يكسب من عمله 81 ألف جنيه سوداني، أي حوالي 30 دولاراً في اليوم، ويستخدم هذا المال لتلبية احتياجات أسرته من الغذاء والأدوية وغيرها من المستلزمات اليومية، رغم صعوبة العمل خلال النهار وفي المساء.
وأشار إلى أن “هناك المئات من الأطفال الذين فقدوا عائلاتهم خلال الحرب واضطروا للعمل في وظائف شاقة تتجاوز أحياناً قدرتهم البدنية”. فيما تقول خديجة عز الدين، ربة منزل، إن “تدهور الظروف المعيشية لعائلتها بسبب توقف مصدر دخلهم الوحيد، وهو راتب زوجها لأكثر من 17 شهراً، بالإضافة إلى حاجتها لأدوية الأمراض المزمنة، قد أجبر طفليها على العمل كحمال بواسطة عربة (الدرداقة) لتلبية احتياجات الحياة اليومية”.