تقرير: عبد المنعم مادبو
عندما علمت ملاك آدم بخيت بإعلان وزارة التربية والتعليم الاتحادية عن موعد امتحانات الشهادة السودانية، استرجعت ذكرياتها من الأيام التي سبقت اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023. كانت ملاك تستعد بجدية للامتحانات، حيث لم يتبق سوى أسابيع قليلة، وقد أكملت جميع الإجراءات اللازمة للجلوس للامتحانات في مدرسة “البير راغب” بمدينة نيالا، عاصمة جنوب دارفور.
تقول ملاك، التي اضطرت للجوء مع والدتها وإخوانها إلى ليبيا بسبب الحرب، إنها تركت جميع كتبها وكل ما يتعلق بمقرر الصف الثالث الثانوي في نيالا. ومع إعلان الوزارة، بدأت تبحث عن الكتب عبر الإنترنت، عازمة على عدم تفويت فرصة الجلوس للامتحان هذه المرة.
في حديثها لراديو دبنقا، أعربت ملاك عن قلقها، قائلة: “بدأت المذاكرة والاستعداد، وأشعر أنني سأواجه الكثير من الصعوبات، لكن لا خيار أمامي، هذه فرصتي الوحيدة”. وتساءلت عما إذا كانت الوزارة ستقوم بإرسال أوراق الامتحانات إلى مدينة بنغازي، حيث تعيش الآن، مشيرة إلى عدم معرفتها بوجود طلاب آخرين في نفس وضعها، وعبّرت عن قلقها بشأن كيفية وأين ستؤدي الامتحان.
حالة ملاك تعكس معاناة آلاف الطلاب الذين حرمتهم الحرب من التقدم لامتحانات الشهادة السودانية للعامين 2023- 2024م. فقد أجبر الكثير منهم على مغادرة منازلهم والمناطق التي كانوا يدرسون فيها، كما حدث مع الطالبة (سمر عبد الله) التي دفعها الوضع الصعب الناتج عن الحرب للانتقال إلى مدينة كمبالا في أوغندا.
انزال المقرر من النت:
عندما سأل مراسل راديو دبنقا السودانيين في مجموعات تطبيق واتساب عن طلاب يؤدون امتحانات الشهادة السودانية أو عن أولياء أمورهم، أسرعت والدة سمر “فاطمة الجبور بشارة” بالرد وكأنها تبحث عن فرصة تتيح لابنتها (سمر) الجلوس للامتحان.
تُشير فاطمة الجبور إلى أنها عندما رأت السؤال في “القروب”، شعرت أنه سيوفر لها إجابات عن التساؤلات التي تدور في ذهنها بخصوص مستقبل ابنتها، التي منعتها الحرب من التقدم للامتحان في منتصف عام 2023م. كما ذكرت أنها ليست على دراية بمواعيد الامتحانات.
وأضافت فاطمة: “جئنا إلى كمبالا، ولدينا محاولات لجعل سمر تجتاز الامتحان، لكنها لا تملك كتب المقرر. حاولنا إحضار الكتب من بورتسودان أو جوبا، لكننا لم نتمكن من ذلك.”
في سياق سعيها لاختبار ابنتها، سمعت (فاطمة) عن مدرسة في كمبالا تقدم مراجعات لمقرر الصف الثالث الثانوي للطلاب السودانيين. وأوضحت قائلة: “لكن المدرسة تبعد كثيرًا، ولم أتمكن من تسجيل ابنتي فيه، لذلك اضطررنا إلى تحميل بعض كتب المقرر من الإنترنت”.
وأوضحت فاطمة أن (سمر) قد قامت سابقاً بملء الاستمارة التي أرسلتها وزارة التربية والتعليم إلى السفارة السودانية في كمبالا، بهدف إحصاء الطلاب الذين سيتم امتحانهم، وهي الآن تنتظر ما سيحدث في الأيام القادمة.
الطيران يحرمها الدراسة:
في السودان، اضطرت نهال آدم شين إلى منع ابنتها (عُلا) من الذهاب إلى المدرسة بعد أن زادت الغارات الجوية التي شنها الطيران الحربي على مدينة نيالا. قالت نهال لراديو دبنقا: “استمرت ابنتي في الدراسة لمدة 43 يوماً بعد توقف المعارك في المدينة، لكنني أوقفتها عندما تصاعدت الهجمات الجوية.” وأضافت: “قررت ذلك حرصاً على سلامتها.” وأشارت إلى أن ابنتها لم تكن مستعدة، على الرغم من أنها ملأت استمارة الامتحانات ولم تستلم رقم الجلوس.
يقول الطالب حسن إسماعيل أبكر برمة من منطقة كيلنق في محلية رهيد البردي إنه سمع أن الامتحانات ستعقد في نهاية ديسمبر القادم، لكن لا يوجد أي تحرك إداري من وزارة التعليم الولائية أو إدارة التعليم المحلية. وأضاف: “أنا الآن لا أدري إذا كنت سأجري الامتحان أم لا.” وأعرب عن اعتقاده بأن الظروف المحيطة بالبلاد لا تسمح بإجراء الامتحان، حيث إن نقل الامتحان من بورتسودان إلى رهيد البردي سيواجه العديد من المخاطر.
وسأل قائلاً: “كيف يمكننا أن نتنافس مع الطلاب في ولايات مثل نهر النيل، بورتسودان والشمالية، الذين يواصلون دراستهم، وقد أنهوا الامتحانات التجريبية، والآن في معسكرات القراءة استعدادًا للامتحانات، على عكسنا؛ حيث توقفنا عن الدراسة منذ بداية الحرب”. وأضاف: “في النهاية، هذه امتحانات شهادة سودانية يجب أن يتساوى فيها جميع طلاب السودان”.
المدارس غير مهيأة:
بينما ينتظر آدم بشار من محلية الردوم في ولاية جنوب دارفور دخول ابنيه لامتحانات الشهادة الثانوية، أشار لراديو دبنقا قائلاً: “لقد تأثر أبنائي بتوقف الدراسة، فهذا التوقف يمثل تصفية لمستقبلهم.” وطالب بشار بفتح المدارس لاستمرار تعليم أبنائه وإجراء امتحان الشهادة السودانية لهم.
يقول المعلم إبراهيم أحمد في المرحلة الثانوية بمحلية الردوم إنهم سمعوا عن مواعيد الامتحانات من خلال وسائل التواصل، لكن لم يتم إبلاغهم رسميًا عن موعدها.
أكد أن المدارس حالياً غير جاهزة للاختبارات، بالإضافة إلى أن معظم الطلاب لم يكملوا المناهج الدراسية، وأن بعض الطلاب والمعلمين قد تشتتوا بسبب الحرب خارج البلاد، فضلاً عن أن المعلمين لم يتلقوا حقوقهم المالية من الحكومة حتى الآن.
أشار مدير إدارة التعليم الثانوي الهادي أحمد محمد إلى أن محلية الردوم تحتوي على خمس مدارس ثانوية، لكنها تعاني من نقص في المعلمين والفصول الدراسية، حيث إن جميع المعلمين حالياً خارج المحلية، وقد لجأ بعضهم إلى خارج البلاد. ولفت إلى أن هذه الظروف تجعل من الصعب تنظيم الامتحانات في المحلية.
علاوة على ذلك، أكد معلمون في منطقتي الدلنج وهبيلا بولاية جنوب كردفان أن تنظيم امتحانات الشهادة السودانية يعد أمراً صعباً في ظل الأوضاع الراهنة التي يمر بها السودان.
الظروف المعيشية والأمنية:
قالت معلمة في مدينة الدلنج لراديو دبنقا إنه يوجد احتمال لعقد امتحانات الشهادة السودانية في المنطقة، لكنها أضافت أن السلبيات المرتبطة بإقامة الامتحانات تفوق الإيجابيات.
وأشارت إلى أن الظروف المعيشية والأمنية السيئة التي يعيشها الطلاب ستؤدي إلى انخفاض معنوياتهم، مما سيؤثر على تحصيلهم الدراسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن صعوبة استيعاب الطلاب للمناهج التعليمية ترجع إلى طول الفترة التي قضوها بعيدًا عن مقاعد الدراسة.
وأوضحت أن معظم الطلاب الآن أصبحوا نازحين أو لاجئين أو عمالاً يعملون في الأسواق، وبالتالي ستحتاج عملية إعادة تأهيلهم وتكييفهم كطلاب إلى وقت، خاصة وأن الفترة المتبقية لامتحاناتهم قصيرة جداً.
من ناحية أخرى، أوضح خبير تربوي في محلية هبيلا أن إجراء امتحانات الشهادة السودانية في الوقت الراهن يعد أمرًا صعبًا، مشيرًا إلى أنه إذا تم تنفيذها في الموعد الذي حددته الوزارة فلن تحقق الأهداف المرجوة منها.
أكدت الإدارات المدنية في ولايات جنوب وغرب وشرق دارفور أن وزارات التربية والتعليم في تلك الولايات لم تتلق أي إشعار بشأن امتحانات الشهادة السودانية التي أعلنت وزارة التربية والتعليم عن إجرائها في الثامن والعشرين من ديسمبر المقبل.
وحذرت من أنه إذا قامت الوزارة بإجراء امتحانات لطلاب في بعض الولايات دون أخرى، فقد يؤدي ذلك إلى تفاقم الظلم في البلاد وزيادة الفجوة بين فئات المجتمع السوداني.
إعادة الأمل للطلاب:
قال رئيس الإدارة المدنية في غرب دارفور، التجاني كرشوم، لراديو دبنقا إنه سمع عن الحديث حول الامتحانات مثل باقي السودانيين من خلال وسائل الإعلام.
أكد أن الإدارة المدنية في الولاية ليست ضد إجراء الامتحانات لتشمل جميع الطلاب السودانيين، ولكنه أشار إلى أن تنظيم هذه الامتحانات يتطلب ترتيبات كبيرة، نظرًا لأن معظم الطلاب فقدوا الأمل في خوض امتحاناتهم بسبب الحرب التي تعاني منها البلاد.
أفاد كرشوم أن ولاية غرب دارفور بذلت جهودًا في الفترة الأخيرة لإعادة الأمل للطلاب والتلاميذ من خلال إنشاء مراكز للامتحانات وتجهيزها للاختبارات المتوقعة في المرحلة المقبلة.
وأضاف قائلاً: “خلال الفترة الماضية، بذلت الإدارة المدنية بالتعاون مع الوزارة والمبادرات المجتمعية والشركاء من المنظمات الدولية جهودًا، وتمكنت من فتح بعض المدارس، مما أدى إلى التحاق عدد كبير من تلاميذ المرحلة الابتدائية باستمرار دراستهم”. ومع ذلك، أشار إلى وجود تحديات كبيرة تواجه التعليم بسبب غياب دولة تتحمل مسؤولية التعليم في البلاد.
وعاد كرشوم ليؤكد أن إجراء امتحانات الشهادة السودانية في هذه الظروف يحتاج إلى ترتيبات كبيرة، تتعلق بتوفير الكتب المدرسية ومنح الطلاب فترة زمنية كافية للاستعداد، نظراً لأنهم توقفوا عن الدراسة لفترة طويلة جداً، بالإضافة إلى ضرورة إعداد مراكز للامتحانات.
وأضاف قائلاً: “نحن حالياً نفكر في جعل مدينة الجنينة مركزاً للاختبارات في الولاية، إذا قررت الوزارة إجراء امتحانات شاملة لكافة أنحاء السودان”. وتابع قائلاً: “بصفتنا إدارة المدينة في الولاية، سنقوم بتأمين وإعداد هذه المراكز”.
وفيما يتعلق بفكرة إقامة مركزين لامتحانات طلاب ولاية غرب دارفور في مدينة أبشي التشادية، ذكر كرشوم أن “هذه الفكرة غير قابلة للتطبيق، لأنها تتطلب نقل الطلاب من المحليات إلى عاصمة الولاية، ومن ثم إلى مدينة أبشي. بالإضافة إلى الظروف الحربية الحالية، فإن الأسر لن تسمح لأبنائها بالسفر إلى أبشي من أجل أداء الامتحانات.”
تعهدات من الإدارة المدنية:
قال “إذا تم إجراء الامتحانات خارج الوطن، فإن هذه مسألة غير عملية وتعتبر ظالمة”، مشيراً إلى أن الوضع بهذا الشكل يثير الشكوك حول عدم الرغبة في إتاحة فرصة الامتحانات لجميع أبناء وبنات السودان.
اقترح رئيس إدارة مدينة غرب دارفور أن تُقام مراكز الامتحانات في مقرات رئاسة الولايات، وأن تتولى الحكومات المحلية في تلك الولايات الإشراف عليها.
فيما يخص عملية نقل الامتحانات، ذكر كرشوم أنه إذا تم نقل الامتحانات من بورتسودان إلى أبشي ومن ثم إلى الجنينة، فلن تكون هناك صعوبة في ذلك، وهو الخيار الأفضل. كما يمكن للإدارة المدنية في الولاية اتخاذ قرار بشأن نقلها من أبشي إلى الجنينة وتوزيعها على المراكز. وبعد الانتهاء من الامتحانات، سيتم إرسال الأوراق إلى الموقع الذي تحدده الوزارة الاتحادية بغرض توصيلها إلى مركز التصحيح.
في جنوب دارفور، صرح رئيس الإدارة المدنية بالولاية، محمد أحمد حسن، أنهم لم يتلقوا حتى الآن أي إشعار بشأن تاريخ امتحانات الشهادة السودانية. وأكد أن طلاب الولاية مستعدون لخوض الامتحان، كما أن الإدارة المدنية جاهزة لأداء دورها في تأمين المراكز والامتحانات. ومع ذلك، أضاف أن الوضع المالي قد يشكل عائقًا أمام إمكانيات الولاية.
التعامل عبر اليونسكو:
أشار حسن لراديو دبنقا إلى أنه لا يمكن ترحيل الامتحانات إلى الولاية وإعادتها للتصحيح إلا من خلال منظمة الأمم المتحدة “يونيسكو” أو عبر وسيط محايد، لأن الحكومة في بورتسودان لا تتعامل مع الإدارات المدنية في الولايات التي تخضع لسيطرة قوات الدعم السريع. بالإضافة إلى ذلك، فإنهم كإدارة مدنية لا يضمنون الأوضاع في المناطق التي تقع خارج نطاق سيطرتهم في الولاية.
وحذر رئيس الإدارة المدنية في جنوب دارفور من أن إجراء الامتحانات لطلاب بعض الولايات دون الأخرى قد يؤدي إلى زيادة مشاعر الغبن في البلاد ويعمق الفجوة بين فئات المجتمع السوداني. وأضاف: “في هذه الظروف، نحن بحاجة إلى أي جهد يمكن أن يسهم في توحيد المشاعر الوطنية السودانية”.
قال مدير عام وزارة التربية والتعليم في شرق دارفور لراديو دبنقا إن تنظيم امتحانات الشهادة السودانية يتطلب إجراءات فنية تتضمن “أرقام الجلوس، قاعات الامتحانات، المراقبين ومتطلبات أخرى”، بالإضافة إلى ترتيبات أمنية ومالية، وهو ما لم يكن متاحاً.
لكنه أوضح أن وزارة شرق دارفور جاهزة لإجراء الامتحانات إذا تم توفير الاحتياجات الأساسية لذلك.
أعلنت وزارة التربية والتعليم مؤخرًا أنها ستنظم امتحانات الشهادة السودانية المؤجلة في الثامن والعشرين من ديسمبر 2024، بينما ستقام امتحانات الشهادة السودانية للعام 2024-2025 في فبراير من العام القادم.
بصوره عامه التعليم في السودان ضعيف وغير مواكب التطور العلمي من ناحيه دنيويه
من ناحيه دينيه الفقد واحد