بعد الهزائم التي تعرضت لها قواته في معركتي جبل موية والحلفايا، ظهر قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي” في خطاب مصور يوم الأربعاء، حيث أعلن بوضوح عن تدخل مصر في النزاع إلى جانب الجيش السوداني. هذا التصريح يأتي في وقت حساس، حيث تتصاعد التوترات في المنطقة.
اتهم حميدتي مصر بشن هجمات “غادرة” على قواته في منطقة جبل موية بولاية سنار، التي تمكن الجيش السوداني من استعادتها يوم السبت الماضي. هذه الاتهامات تعكس تصاعد حدة الصراع بين الطرفين، وتسلط الضوء على الدور الإقليمي الذي تلعبه مصر في النزاع السوداني.
لم يقتصر حديث حميدتي على مصر فقط، بل اتهم أيضًا إيران بالتدخل، مشيرًا إلى وجود قوات من أوكرانيا وأذربيجان وإثيوبيا وإريتريا تدعم الجيش السوداني. هذه التصريحات تثير القلق بشأن إمكانية تصاعد التدخلات الإقليمية في الصراع السوداني، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في البلاد.
لاقى الخطاب ردود فعل واسعة وتحليلات متنوعة، إلا أنها تتفق على دخول الحرب مرحلة جديدة.
بعد ساعات من خطاب حميدتي، سعت وزارة الخارجية المصرية لنفي تورط طيرانها في الحرب السودانية، مشيرة إلى أن هذه المزاعم تُطرح في وقت تبذل فيه مصر جهودًا دبلوماسية كبيرة لإنهاء الصراع في السودان، وحماية المدنيين المتأثرين، وتعزيز الاستجابة الدولية لبرامج الإغاثة الإنسانية.
حثت المجتمع الدولي على النظر في الأدلة التي تثبت صحة الادعاءات التي أوردها “قائد مليشيا الدعم السريع”.
اتهم حميدتي الطيران المصري بالتدخل في حرب 15 أبريل إلى جانب الجيش السوداني، وذلك خلال مقابلة تلفزيونية في أول يوم من الحرب. حدث هذا بعد قصف قواته في معسكر سركاب القريب من وادي سيدنا، الذي يُعتبر المركز الرئيسي لعمليات الطيران الحربي السوداني.
اتهم إيران بالتدخل في حرب السودان، وذكر أيضًا مشاركة قوات من أوكرانيا وأذربيجان وإثيوبيا وإريتريا إلى جانب الجيش.
لأول مرة، أعلن حميدتي عن رأيه بشأن الاتفاق الإطاري الذي كان يُعلِن في كثير من الأحيان دعمه له. لكن في خطابه، عبّر عن موقف مختلف، حيث أكد أن الاتفاق الذي تم توقيعه في ديسمبر 2022 هو السبب وراء الحرب. وأضاف أنه حذر الأمريكيين والمجتمع الدولي ودول الرباعية والاتحاد الأفريقي والثلاثية من أن “الإطاري” سيؤدي إلى مشكلات.
وأضاف موجهًا كلامه إلى المجتمع الدولي: “إذا كنتم ترغبون في عودة المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، فلماذا قمتم بتدمير البلاد من خلال الاتفاق الإطاري؟”
وتابع قائلاً: “السبب وراء الحرب الحالية هو الاتفاق الإطاري، ولا يوجد سبب آخر”، مشيراً إلى أنه لم يعارضه كمبدأ للانتقال، ولكن لأنه من الصعب تطبيقه. وأضاف أن ما حدث كان بغرض تدمير السودان.
في خطابه، انتقد حميدتي أعضاء مجلس السيادة شمس الدين كباشي وياسر العطا وإبراهيم جابر، كما وجه انتقادات لرئيسي حركة جيش تحرير السودان والعدل والمساواة، مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، متهماً إياهما بالاسترزاق.
رداً على اتهام حميدتي له، قال جبريل إبراهيم: “بخطابه الحزين، قد أعلن بشكل غير مباشر، سواء كان يدرك ذلك أم لا، فشل مغامرته في حكم السودان بالظلم، وأعلن هزيمة أتباعه، وتبرأ من جرائمهم المشينة التي أفسدت عليه كل شيء، لكن ذلك جاء بعد أن استحوذوا عليه بالكامل من رأسه إلى أخمص قدميه، ولا ينفع الندم الآن”.
رد مناوي قائلاً: “الشاهد من بين أهله، وقد أثبت حميدتي أن الإطار هو السبب في هذه الحرب.”
على حد قوله، هو شخصيًا؛ يستمر الحميض في النضج طوال فصل الصيف بدأت الآن تتجلى معالم المؤامرة ضد السودان الحل الوحيد هو الاعتراف بالأخطاء من أجل الوصول إلى الحل، كما عبر أبناء الوطن.
من ناحية أخرى، أشار رئيس حركة العدل والمساواة “المنشقة” سليمان صندل إلى أن خطاب قائد الدعم السريع وضع جميع “القوى السياسية” أمام خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بحكم المؤتمر الوطني والفلول وكتائبهم الجهادية، أو الانتفاض للاتحاد وإعلان مواقف واضحة وشجاعة ووطنية للعمل معاً من أجل التغيير وإنهاء الطغيان.
من جانبه، أشار القيادي في تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” خالد عمر يوسف إلى أن “خطاب قائد الدعم السريع الذي تم توجيهه بالأمس يعد بمثابة إعلان رسمي عن طبيعة المرحلة المقبلة من الصراع”.
وأضاف: “الجميع ضد الجميع سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي وجه خطابًا إلى الشعب السوداني ليخبرهم بأن الحرب ستستمر وتزداد سوءًا، وأن الأسوأ على الأبواب، وأنه لا مجال للتفكير في “عالم سعيد”.”.
وأضاف: “لقد استخدم لغة تصعيدية تجاه عدد من القوى الخارجية، مما يزيد من تعقيد الأزمة دون أن يؤدي إلى إيجاد حلول.”
لأول مرة، أشار حميدتي في خطابه إلى مناطق وقبائل معينة، حيث وصف القبيلة التي ينتمي إليها الأمين للحركة الإسلامية، عمر كرتي، قائلاً إنه يقوم بإصدار التعليمات لقيادة الجيش. كما ذكر منطقة حجر العسل في ولاية نهر النيل القريبة من العاصمة الخرطوم، وأكد أن الطيران الحربي يقصف مواقع قواته في دارفور، لكنه لا يستهدف المناطق التي تسيطر عليها في قرى وحجر العسل، حفاظاً على سلامة المدنيين.
حذرت لجان المقاومة في حجر العسل في بيان لها من المخاطر التي يحملها هذا الاتجاه، مشيرة إلى أن التهديدات التي أطلقها قائد الدعم السريع خلال خطابه أمس، والتي تضمنت استهداف حجر العسل والبسابير وقندتو والقرى المحيطة باعتبارها مراكز اجتماعية لأعضاء الحركة الإسلامية، في حال تعرضت قوات الجيش لمراكزهم الاجتماعية، تُعتبر مؤشرًا سيئًا وبداية لصراع أهلي مدمِّر، وتؤدي إلى إشعال نار الفتنة والقبلية والجهوية، بحسب ما ورد في البيان.
وحذرت اللجان الأطراف المتنازعة من هذا السلوك الذي وصفته بأنه “مدمر”، داعية إياها إلى “الاستماع إلى صوت الحكمة والعقل وتجنب البلاد مزيدًا من الخراب والدمار والتشتيت واللجوء والنزوح”.
يعتقد المراقبون أن اتهام حميدتي لبعض الأطراف في الإقليم بالتدخل في الحرب، في ظل تطورات النزاع الإيراني-الإسرائيلي في المنطقة، قد يكون له تأثيرات سلبية. بالإضافة إلى ذلك، اتهم حميدتي مصر، في حين تعتبر بعض الأطراف الدولية المؤثرة أن لديها القدرة على أن تلعب دورًا محوريًا كمدخل ووسيط لوقف الحرب في السودان. لكن بعد اتهامه لمصر، تغير موقفها ودورها بشكل ملحوظ.
ووصف السياسي والكاتب حاتم الياس خطاب حميدتي بأنه “خطاب فزع”، ورأى أنه بعد صدور الرد الرسمي المصري على اتهامات قائد الدعم السريع، “يبدو للأسف واضحاً أن الحرب ستنتقل إلى مرحلة جديدة وأكثر شراسة”.
كتب في جزء من تحليله للخطاب: “إن التدخل المصري عبر الطيران، وفقًا للاتهامات وإشارته إلى مجموعة تقراي بارتباطها بالوقوف إلى جانب الجيش، قد يعكس تمهيدًا قويًا لتدخل إثيوبي وتشادي.”
وقال: “ستكون هذه فرصة مناسبة لإثيوبيا للرد على وصول الجيش المصري إلى الصومال وتوقيعه اتفاقية شراكة عسكرية مع حكومة مقديشو، وهو الأمر الذي كان محور احتجاجاتها.”
قد يجد التدخل المحتمل لتشاد في قضية محمد كاكا فرصة مناسبة لتغيير تركيبة السلطة في تشاد، وإجراء فصل بين امتداداتها في السودان، حيث يرى أن الجانب السوداني من هذه الامتدادات أصبح يشكل عبئًا على استقرار سلطته في تشاد.
وتابع إلياس: “أعتقد أن إعلان هزيمته في جبل موية هو أحد وسائل الاستنفار والتحشيد. فهو موجّه إلى الداخل وإلى المجموعات في دارفور وكردفان أكثر مما هو إعلان هزيمة واضح، بمعنى أنه جزء من (خطاب الذعر)”.
وأضاف: “أعتقد أننا سندخل مرحلة جديدة في هذه الحرب ستكون أكثر خطورة، وسيمثل السودان ساحة لمعركة إقليمية واسعة.”
اعتبر المحلل السياسي محمد تورشين أن خطاب حميدتي يعكس بداية تراجع وانهيار القوة شبه الصلبة لقوات الدعم السريع. وقد بدأ حميدتي في الآونة الأخيرة بإظهار وتقديم خطاب يهدف إلى رفع الروح المعنوية للمقاتلين والمجموعات التي تتعاون معه، وخاصة الشريك الذي يقدم له الدعم والغطاء السياسي.
قال لـ(التغيير): “أرى أن الاعتراف بالهزيمة هو محاولة لتأكيد وإرسال رسالة تفيد بأن الدعم يأتي بصدق، وأن لديه غرضًا سياسيًا ضمنيًا يحقق الكثير من الحقائق التي تعكس الواقع”.
أشار تورشين إلى أن اتهامه لمصر ليس بالأمر الجديد، حيث كان قد اتهمها سابقًا في أعقاب الهجوم على مطار مروي، الذي تعرضت له قوات مصرية كانت تشارك في برنامج “نسور النيل”، وذلك وفقًا للاشتراطات الخاصة بالمناورات المشتركة بين الدولتين للضغط على إثيوبيا.
توقع تورشين أن خطة (ب) التي أشار إليها حميدتي تشمل التراجع عن السيطرة على المناطق، وإعلان حكومته بهدف تعزيز موقفه في المفاوضات بعد فشل الانقلاب وما كان يسعى لتحقيقه من مكاسب.