تقرير: سليمان سري
لا يكاد يمر شهر أو شهرين حتى يأتي خبر جديد عن وقوع حريق في مزارع النخيل في إحدى الجزر أو القرى في الولاية الشمالية.
تتسبب هذه الحرائق في خسائر مالية فادحة يصعب تعويضها من موسم أوموسمين.
خلال العام الحالي شهدت الولاية الشمالية أكثر من 20 حريقا، كان أغلبها في مناطق المحس.
وقع آخر حادثين الأسبوع الماضي، احدهما في جزيرة ارتقاشا بمحلية البرقيق واسفر عن فقدان اكثر من ألفي نخلة، والثاني في جزيرة دفوي بمحلية دلقو بالولاية الشمالية، وقد قضى على أكثر من 250 نخلة مثمرة وأكثر من أربعين من أشجار الفواكه.
وتتزايد حرائق النخيل في فصل الصيف، بسبب الإهمال في نظافة المزارع وطريقة التخلص من المخلفات، لكن مع تكرارها المستمر دون تفادي الأخطاء السابقة تصبح أخطاء شبه متعمدة.
يتعرض المزارعون لخسائر مالية كبيرة، خاصةً أن التمور تشكل العمود الفقري لاقتصاد سكان الولاية الشمالية وأحد أهم مصادر الدخل لديهم.
بدأت حرائق النخيل بالانتشار بشكل مكثف منذ بداية الألفينات، حيث تنتقل من قرية لأخرى ومن جزيرة لأخرى.
ارتبطت هذه الحرائق في البداية بدوافع سياسية، إذ اتهم نشطاء من أبناء المنطقة النظام السابق وعناصر من الإسلاميين بإشعال حرائق النخيل كنوع من الرد على معارضة السكان لسدي كجبار ودال. ومع ذلك، لم تثبت صحة هذه الاتهامات وغالبًا ما كانت البلاغات تُسجل ضد مجهول.
التنازل للحكومة
يُرجع الخبير الزراعي، وبروفسير سابق في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO) داؤود حسين داؤود، في حديثه مع “راديو دبنقا”، أسباب انتشار حرائق النخيل إلى مجموعة من العوامل الاجتماعية والبيئية والاقتصادية.
يشدد داؤود على أن الطريقة الوحيدة لمعالجة مشكلة حرائق النخيل هي من خلال تنفيذ التشريعات والقوانين، بالإضافة إلى القيام بعمليات النظافة السنوية. ويعتقد أنه يجب على المواطنين التخلي عن نخيلهم لصالح الحكومة، ليس بشكل دائم، بل لأغراض إعادة زرعها بطريقة منظمة، حيث ينبغي بدايةً إنشاء مجمع وراثي لجميع الأصناف الواعدة.
يشرح رؤيته بأن تقوم الحكومة بإزالة جميع أشجار النخيل وزراعة سلالات جديدة من أنواع مختلفة من النخيل بطريقة علمية منظمة مع ترك مسافات وفواصل مناسبة. ويؤمن أن هذه هي الطريقة المثلى للحد من الحرائق، مما سيسهل دخول سيارات الإطفاء إلى مزارع النخيل. كما توقع أن تبدأ هذه السلالات الجديدة في الإثمار خلال ثلاث أو أربع سنوات، مشيرًا إلى أن التربة والمناخ في السودان يساعدان على ذلك.
غالبًا ما تواجه قوات الدفاع المدني صعوبة في الوصول إلى داخل حقول النخيل بسبب عدم وجود طرق سالكة.
يصف الخبير الزراعي النخلة بأنها “كنز” حقيقي، لكنه في الوقت نفسه يشعر بالحزن نتيجة لعدم اهتمام الدولة والمواطنين بما تنتجه النخلة من تمور، بل حتى بما تتركه من مخلفات يعتبرها ذات قيمة اقتصادية كبيرة، حيث يُمكن الاستفادة منها في الصناعات الدوائية وأيضًا في صناعة الأسمدة.
أسباب اجتماعية
اعتبر في المقابلة مع “راديو دبنقا” أن الأسباب الاجتماعية تتعلق بهجرة المواطنين من الولاية الشمالية، من مناطق إنتاج التمور، إلى الخرطوم وإلى دول المهجر، حيث لم تعد هذه المناطق توفر لهم الاعتماد كما كانت في السابق، نظراً لعدم قدرتها على تلبية احتياجات الأسر.
وأشار إلى أن المواطنين هاجروا من المنطقة، وتركوا مزارعهم مهجورة، حيث تتزايد فيها الأعشاب والأشجار الجافة المتراكمة، مما يزيد من احتمالية نشوب الحرائق.
يعتقد أن هناك خسائر جسيمة تؤثر على الأسرة والمزارع، مشيراً إلى الإحباط الكبير الذي يعاني منه المزارع عند فقدانه للنخيل الذي كان يهتم به منذ عقود عديدة.
يشير إلى الأضرار النفسية التي قد تتسبب بها زراعة النخيل للمزارعين، حتى وإن لم تدر لهم ربحاً مادياً، إذ يعتبر النخيل بالنسبة للبعض رمزاً لذكريات آبائهم وأجدادهم.
وأضاف أن الحرائق تؤدي أيضًا إلى تلف الجهاز التنفسي نتيجة للأزمات والالتهابات وغيرها من المشكلات.
أسباب اقتصادية
يقول داؤود إن هناك أسبابًا اقتصادية وراء الحرائق تتمثل في عدم استغلال مخلفات النخيل، مثل الجريد القديم، الذي فقد قيمته الاقتصادية.
ويواصل قائلاً إنه كانت هناك العديد من المحاولات لتحويلها إلى سماد، لكن لم تثمر عن نجاح.
يعتقد داؤود أن المواطنين غير مهتمين بتحسين هذه الموارد.
يشير في هذا السياق إلى تجربة سكان مدينة غزة الذين تمكنوا من إعادة تدوير نفايات النخيل وإنشاء مصنع لإنتاج مناديل الورق، رغم أنهم لا يمتلكون أكثر من 300 ألف نخلة، بينما يمتلك السودانيون حوالي 20 مليون نخلة.
اسباب بيئية
وبخصوص الأسباب البيئية لحرائق النخيل، يوضح بروفسير داؤود أن نواة التمر تحتوي على زيوت طيارة قد تنفجر بعد فترة من سقوط التمرة على الأرض، خصوصاً عند ارتفاع درجات الحرارة.
يعتقد داؤود أنه من المهم تفعيل القوانين والأنظمة التي تهدف إلى منع حدوث الحرائق.
وأضاف في هذا الإطار أن سلطات الاستعمار البريطاني أصدرت قانونًا يلزم المزارعين بتنفيذ مهام معينة تتعلق بالنظافة والاهتمام بالنخيل.
يُشير البروفيسور داؤود إلى أن حرائق النخيل تؤثر سلبًا على البيئة وقد تسهم في حدوث التصحر.
النخلة “كنز”
اعتبر أن الكثيرين لا يدركون أن هذه النخلة، التي يُطلق عليها لقب “الكنز” الحقيقي، لا ينبغي الاستهانة بها.
ويشير إلى أنه في حال التزم المنتجون بالأساليب الزراعية الحديثة، يمكن أن تحقق المخلفات الناتجة من النخلة قيمة اقتصادية كبيرة.
وأشار داؤود إلى أن إجمالي مخلفات النخلة يصل وزنها إلى حوالي 26.2 كيلوغرام، معتبرًا أن إهدار هذه المخلفات يمثل خسارة كبيرة.
ويشير إلى أن النخلة قادرة على استعادة حيويتها وعودتها إلى وضعها الطبيعي بعد مرور عام أو عامين، بشرط ألا يكون الحريق شاملاً ولم يؤثر على الأوعية الداخلية.
يعبر داؤود عن حزنه لعدم وجود مصانع في السودان مما يحول دون الاستفادة الاقتصادية المثلى من محصول النخيل.
يشير في هذا السياق إلى أن السعف الناتج عن مخلفات النخيل وغلاف النخلة “الطلع” يتم استخدامهما في مجالات الصناعات الدوائية.
المزارع دي ليها عشرات السنين قصه الحرائق دي شنو الظهرت