أفاد الدكتور سليمان بلدو، رئيس المرصد السوداني للشفافية والسياسات، أن خطاب قائد الدعم السريع، الفريق محمد حمدان حميدتي، الذي ألقاه مساء الأربعاء، يشير إلى احتمال الانتقال إلى مرحلة جديدة من التصعيد والمواجهات العسكرية.
حميدتي ألقى خطابًا مصورًا، تم تداوله عبر منصات الدعم السريع على وسائل التواصل الاجتماعي، استمر لمدة 40 دقيقة، حيث تضمن هجومًا على عدة دول، بما في ذلك مصر، بالإضافة إلى انتقادات للمجتمع الدولي. كما أقر حميدتي بسيطرة الجيش على جبل مويه، مهددًا بمزيد من التصعيد في الأوضاع.
وأشار الدكتور سليمان بلدو، خلال مقابلة مع برنامج ملفات سودانية في راديو دبنقا، إلى أن الخطاب لم يتضمن أي إشارة إلى عمليات تفاوضية أو حلول سلمية، بل كان يحمل نبرة تحشيدية واضحة، حيث دعا حميدتي الجنود إلى عدم التراخي والاستعداد لما أطلق عليه “الخطة ب”، التي تعني تصعيد العمليات في جميع الجبهات. كما تزامن الخطاب مع تسريبات من الجيش حول إطلاق حملة عسكرية كبرى لتحرير العاصمة خلال 72 ساعة.
إحباط
اعتبر بلدو أن الخطاب يظهر مستوى عالٍ من الإحباط وخيبة الأمل، ورأى في ذلك تجسيدًا لحالة الإحباط التي تسود بين صفوف جنود الدعم السريع نتيجة الضغوط العسكرية في جميع الجبهات.
سيطر الجيش في الآونة الأخيرة على منطقة جبل مويه الاستراتيجية في ولاية سنار، بالإضافة إلى مناطق الحلفايا والكدرو وأجزاء كبيرة من شمال بحري. كما تمكنت القوة المشتركة للحركات المسلحة من السيطرة على مناطق في المحور الشمالي للفاشر، وشمال مدينة كتم، ومنطقة كلبس في غرب دارفور.
لكن بلدو أشار إلى أن الحرب، التي تقترب من مرور ثمانية عشر شهرًا، لن تتوقف في القريب العاجل، موضحًا أنه لا يمكن لأي طرف أن يحسم الصراع عسكريًا وأنه لن يكون هناك انتصار لأحد الأطراف.
توقع بلدو أن تتناوب أطراف النزاع على السيطرة على المواقع الاستراتيجية، وأن يستمر القتال لعدة أشهر متتالية، محذرًا من تأثير الجهات الخارجية التي تدعم الطرفين في الحرب، مما يتسبب في مزيد من الدمار والخراب.
هجوم على دول
شن حميدتي هجوماً قوياً على مصر، متّهماً إياها بشن غارات جوية على قوات الدعم السريع في جبل مويه بولاية سنار لفترة طويلة. كما اتهم عدة دول بتقديم الدعم للقوات المسلحة.
يعتقد الدكتور سليمان بلدو أن السودان أصبح ساحة للتدخلات الخارجية، مما يساهم في استمرار الحرب ويؤدي إلى المزيد من الدمار والمعاناة.
يشير بلدو إلى تحقيقات أجرتها جهات صحفية وبحثية مستقلة، التي أثبتت أن طول فترة الحرب قد زاد من التدخلات الخارجية. وأوضح، على سبيل المثال، أن الإمارات تقوم بتزويد الدعم السريع بالأسلحة والمعدات الفنية، فضلاً عن علاج المصابين وإجلاء بعضهم لتلقي العلاج في دولة الإمارات.
وأشار في الوقت نفسه إلى وجود دلائل واضحة تدل على الدعم الإيراني المباشر للجيش والالتزامات الروسية، كما شدد على وجود مؤشرات تشير إلى الدعم المصري المباشر، مشيرًا إلى تحقيقات أجرتها وسائل الإعلام ومراكز البحث في هذا الصدد.
نفت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها الاتهامات التي وجهها قائد الدعم السريع حول مشاركة مصر في الضربات الجوية ضد قواته.
وأوضح البيان أن هذه الاتهامات تأتي في سياق جهود مصرية لوقف النزاع وحماية المدنيين وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة الإنسانية للمتضررين من الحرب المستمرة في السودان، مطالباً المجتمع الدولي بالتحقق من الأدلة التي تثبت صحة ما ذكره قائد قوات الدعم السريع، الذي وصفه البيان بـ “الميليشيا”.
استمرت الإمارات في نفي دعمها ومساندتها لقوات الدعم السريع.
تشارك مصر والإمارات في مجموعة “متحالفون من أجل إنقاذ الأرواح والسلام في السودان”، التي أُسست في سويسرا.
خطاب متناقض ومضطرب
وبخصوص التقييم العام للخطاب، أوضح الدكتور سليمان بلدو لراديو دبنقا أن الخطاب كان طويلاً للغاية وغير معتاد مقارنةً بالخطابات السابقة.
أشار إلى أن الخطاب اتسم بكثرة التكرار، وتداخل الموضوعات، وعدم الاتساق، وانعدام الرسالة المحددة. واعتبر الهجوم على مختلف الاتجاهات مؤشراً على الارتباك وغياب التركيز، مشدداً على وجود تناقض مع الخطابات السابقة.
وعزى ذلك إلى حجم الضغوط التي تواجه قوات الدعم السريع في الميدان.
وأشار، على سبيل المثال، إلى تصريحات حميدتي حول الاتفاق الإطاري، حيث ذكر أنه السبب الرئيسي وراء الحرب، وذلك بخلاف تصريحاته السابقة التي كان يؤكد فيها أنه يقاتل من أجل الدفاع عن الديمقراطية.
كما أشار إلى أن هجوم حميدتي على المجتمع الدولي والولايات المتحدة يأتي في نفس السياق.
وقع البرهان وحميدتي وقادة قوى الحرية والتغيير وعدد من الجهات المدنية على الاتفاق الإطاري في ديسمبر 2022، والذي يهدف إلى العودة إلى المرحلة الانتقالية قبل خمسة أشهر من بداية الحرب.
عقوبات رمزية
فيما يتعلق بفرض الولايات المتحدة عقوبات على القوني حمدان، الأخ الأصغر لقائد الدعم السريع، قبل يوم من الخطاب، يوضح الدكتور بلدو أن أفضل تحليل لهذه العقوبات جاء من لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، التي اعتبرتها خطوات رمزية تفتقر إلى الفعالية، ودعت إلى تنفيذ سياسات شاملة تترك أثرًا حقيقياً.
ويشير بلدو إلى أن العقوبات لا تفيد في تغيير سلوكيات الدعم السريع وقيادات الجيش والحركة الإسلامية، مبرزاً إمكانية التهرب من الآثار المباشرة لتلك العقوبات.
واعتبر أن العقوبات تحمل قيمة رمزية فقط ولن تؤثر على نشاط الشركات، مشيرًا إلى أن منظومة الصناعات الدفاعية ستستمر في عملها بالرغم من العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
أعلن الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع عن تمديد العقوبات المفروضة على ست شركات وستة أفراد مرتبطين بالجيش والدعم السريع.
ضعف السيطرة
فيما يتعلق بكيفية حديث حميدتي مع جنوده، ذكر الدكتور سليمان بلدو لراديو دبنقا أن ذلك يُظهر علامات ضعف واضطراب، ويعكس أن القائد غير قادر على السيطرة على قواته.
وأوضح بلدو أن حميدتي أشار إلى سلوكيات فوضوية وإجرامية لعناصر الدعم السريع، تتضمن إطلاق النار العشوائي الذي يسفر عن مقتل مدنيين عزل، وتصوير مشاهد أثناء ارتكابهم انتهاكات قد تشكل أدلة على ارتكاب الدعم السريع جرائم ترتقي إلى مستوى جرائم الحرب، بالإضافة إلى سوء معاملة الأسرى، حيث يقومون بتوثيق ذلك بأنفسهم.
أفاد بلدو أن حديث حميدتي حول تصرفات قواته يشير إلى استيائه من عدم تقديمها دلائل على انتهاكاتها الجسيمة، ويظهر عدم قدرة قائد قوات الدعم على التحكم في سلوك الجنود.