السودان الان السودان عاجل

جريدة بريطانية : هل تدفع الخطة (B) إلى حرب شاملة في السودان؟

جاء إعلان الجنرال محمد حمدان دقلو، قائد قوات “الدعم السريع”، عن اللجوء إلى ما أسماه بالخطة (B) وتعبئة قواته، في وقت يشهد فيه السودان تصاعداً ملحوظاً في أعمال العنف والاشتباكات بين الأطراف المتنازعة. هذا التصعيد يأتي بالتزامن مع بدء الجيش هجومه البري والجوي الذي استمر لأكثر من أسبوعين، مما يزيد من حدة التوتر في البلاد.

مع إعلان الخطة (B)، شهدت الساحة السياسية والقبلية في السودان تصاعداً في الاستقطاب والتوتر، حيث يتوقع الكثيرون أن تحمل هذه الخطة مفاجآت قد تؤثر على مجريات الأحداث. وقد بدأت قوات الدعم السريع بالفعل في اتخاذ إجراءات احترازية، مثل حظر تصدير السلع الاستراتيجية من دارفور إلى المناطق التي يسيطر عليها الجيش في الشمال.

تثير هذه التطورات تساؤلات حول إمكانية اندلاع حرب شاملة في السودان، حيث يبدو أن الأوضاع تتجه نحو مزيد من التعقيد. في ظل هذه الظروف، يبقى المشهد السياسي والعسكري في البلاد متوتراً، مما يضع الجميع في حالة ترقب لما قد تسفر عنه الأيام المقبلة.

الحرب الشاملة

تجلت أولى مؤشرات التهديد بحرب شاملة من خلال خطوة تصعيدية غير متوقعة، حيث منعت قوات الدعم السريع مرور 12 نوعاً من السلع والمعادن الإستراتيجية، بما فيها الذهب والصمغ وسلع أخرى، من إقليم دارفور إلى مناطق الجيش.

حدد القرار الذي أصدره المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع السلع التي يُمنع تداولها، وتشمل الذهب والصمغ العربي بمختلف أنواعه وزيوت الطعام والسمسم والدخن والذرة الرفيعة والكركدي والويكة (البامية المجففة) والتمباك (مضغة للكيف)، بالإضافة إلى جميع أنواع المواشي مثل الأبقار والماعز و الضأن. كما هدد القرار المخالفين باتخاذ عقوبات شديدة تصل إلى حجز السلع المصادرة لمصلحة قوات الدعم السريع.

في هذا السياق، اعتبر المراقب العسكري إسماعيل يوسف أن الخطة (B) تمثل مرحلة جديدة من التصعيد المتزايد بين الطرفين، خصوصا في ظل تراجع دعوات السلام والاهتمام بالتفاوض، بالإضافة إلى فشل المبادرات الإقليمية والدولية. كما أشار إلى أن الأنظار الدولية قد توجهت نحو الأحداث في غزة ولبنان، مما جعل السودان يواجه مصيره المقلق مع تصاعد الحرب واستخدام كل طرف لأقصى ما لديه من أدوات عسكرية وغيرها من أجل تحقيق الانتصار، وما قد يترتب على ذلك من أزمات في الإقليم والبلاد.

كل الاتجاهات

وأضاف، “تسعى قوات الدعم السريع من خلال الخطة (B) إلى الهجوم في جميع الاتجاهات، وأولها فتح جبهات جديدة وكبيرة للوصول بأي وسيلة إلى المدن الشمالية والشرقية التي لا تزال آمنة حتى الآن، من خلال التركيز على عمليات التسلل والطائرات المسيرة واستغلال بعض مقدمات معداتهم العسكرية في مناطق حجر العسل قرب ولاية نهر النيل، بالإضافة إلى محور الفاو باتجاه ولاية القضارف في شرق السودان، ولا تستثنى من ذلك حتى مدينة بورتسودان التي تُعتبر العاصمة البديلة المؤقتة.”

أوضح يوسف أن قوات الدعم السريع أصبحت تركز جهودها على تسريب الأسلحة والمقاتلين إلى ولايات الشمال والشرق. وقد قامت السلطات الأمنية في الولاية الشمالية، هذا الأسبوع، بضبط قناصة متسللين في وادي حلفا كانوا يحملون 10 بنادق قنص مزودة بمناظير بالإضافة إلى كمية كبيرة من الذخائر.

لم يستبعد المراقب أن يكون “الدعم السريع” قد خطط لحرب شاملة على طريقة “عليّ وعلى أعدائي”، مستفيدًا من جميع أدواته ومواقعه التي اكتسبها في ولايات الوسط ودارفور. يسعى إلى التحكم والضغط اقتصاديًا واجتماعيًا لتحقيق أهدافه العسكرية، مثل فرض قيود على حركة السلع والضغط على القيادات المحلية في ولايات دارفور التي تحت سيطرته لتجنيد مزيد من شباب قبائلها في صفوفهم، مما ينذر بتصعيد مجتمعي نتيجة تزايد التجييش القبلي والإثني الذي أصبحت الخطة واضحة في تبنيها.

رجح يوسف أن تقوم قوات الدعم السريع بزيادة استخدام تكتيكات الكمائن والعمليات الانتحارية، خصوصًا في العاصمة الخرطوم، لتعويض النقص في المقاتلين بعدما تمكنت الطائرات الحربية من تعطيل خطوط إمدادها بالقوى البشرية، مما سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع على الأرض وزيادة معاناة المدنيين.

القبيلة ترد

رداً على تصريحات قائد الدعم السريع، أصدر ناظر عموم نظارة الشايقية في السودان عثمان سيد أحمد بشير آغا بياناً غاضباً اعتبر فيه أنها “تعبر عن العنصرية والكراهية عبر سلوك يشبه تصرفات الميليشيات الإجرامية”.

أكد ناظر الشايقية على فخر قبيلته بأبنائها وبناتها الذين يتقدمون الصفوف ويواجهون هجمات الجنجويد وأعراب الشتات، من أجل حماية السودان وصون أرضه وأعراضه وثرواته من جرائم وانتهاكات ميليشيات الدعم السريع المتمردة التي أودت بحياة الآلاف من أهلنا المساليت في الجنينة.

وأضاف آغا أن “قبيلة الشايقية ليست لديها قوات عسكرية بل تدعم الجيش السوداني وقيادته التي تسبب في هزيمة قوات الجنجويد بشكل قاسٍ خلال الأسابيع الماضية، حتى أصبحت نهاية التمرد قريبة في الأفق”.

في مدينة شندي بولاية نهر النيل، بدأت تدريبات متقدمة لـ 3 آلاف مستنفرين في إطار الدفعة الثالثة من “معسكرات الكرامة”. وأكدت الجهات المحلية أن هذه التدريبات ستستمر دون انقطاع لتأهيل المقاتلين، بهدف تجهيز جميع شباب الولاية لحماية الوطن من المخاطر.

هل يصمد القرار؟

فيما يتعلق بقرار قوات الدعم السريع حظر نقل مجموعة من السلع والمنتجات من دارفور إلى مناطق الجيش، قال المحلل وأستاذ الاقتصاد محمد الناير إن هذا القرار سيضر بالمنتجين أكثر مما يضر بالاقتصاد السوداني. وأشار إلى أن الحرب الطويلة في المنطقة جعلت حركة السلع من دارفور وكردفان، رغم أهميتها الاقتصادية، تواجه صعوبات كبيرة في الوصول إلى الأسواق والتصدير، مما أثر سلبًا على مساهمة منتجات دارفور في الاقتصاد الوطني. وتوقع الناير ألا يستمر قرار الدعم السريع لفترة طويلة نظرًا للأضرار الكبيرة التي سيتسبب بها للمنتجين، حيث سيحرمهم من تسويق منتجاتهم، مما قد يؤدي إلى توقف إنتاج هذه المنتجات بشكل كامل.

البرهان في الجبل

ميدانياً، قام رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان، يوم الأحد، بزيارة قوات الجيش في محور كوستي – سنار بمنطقة جبل موية التي استعادت القوات السيطرة عليها قبل أيام من قوات الدعم السريع. كما التقى بالقادة الميدانيين واستمع إلى شرح عسكري حول الوضع الميداني في تلك الجبهة.

في محور العاصمة، لا تزال المعارك العنيفة مستمرة بين الطرفين منذ أكثر من أسبوعين، حيث يواصل القتال بشكل مكثف في محيط منطقة المقرن ووسط وجنوب مدينة الخرطوم. وذكرت مصادر ميدانية أن قوات الجيش اقتربت من بدء عملية تمشيط منطقة السوق العربي بعد السيطرة على أبراج منطقة المقرن وبنك السودان ومسجد الشهيد، في محاولة للوصول إلى شارعي القصر الجمهوري والمك نمر، كما تسعى في الوقت نفسه للتوجه شرقًا للالتقاء بقوات القيادة العامة.

ذكر شهود عيان من حي المهندسين القريب من المنطقة العسكرية في أم درمان ومنطقة المقرن على الضفة الأخرى من النيل الأبيض أنهم سمعوا أصوات الانفجارات والقصف المدفعي العنيف الذي كان متبادلاً بين الطرفين في وسط الخرطوم.

ذكرت المصادر أن قوات الجيش في الخرطوم بحري قد اجتمعت بالفعل بقوات سلاحي الإشارة والأسلحة، وقد تم العمل على توسيع السيطرة والانفتاح على المناطق المحيطة بمنتزه عبود، مما أدى إلى تعزيز الأمن في أحياء مدينة الخرطوم بحري.

قصف وجهوزية

وذكرت المصادر نفسها أن الطيران الحربي يواصل تنفيذ عشرات الطلعات الجوية حول القصر الجمهوري وفي مواقع مختلفة لقوات الدعم السريع في الخرطوم، حيث قامت بغارات دقيقة ومحددة استهدفت فيها سوقاً للسلاح تحت نفق السوق المحلية وأخرى لتجارة الوقود في نهاية شارع الـ 60.

من جهتها، أعلنت “الدعم السريع” أن قواتها في قيادة ولاية وسط دارفور أرسلت تعزيزات كبيرة إلى مناطق يُطلق عليها اسم الفلول، وذلك كاستجابة سريعة لتطبيق الخطة (B)، وأعلنت عن جاهزية تامة لقائد قوات الدعم السريع.

هددت القوات في منشور لها على موقعها الرسمي على منصة (إكس) بأنها ستقوم بملاحقة الفلول داخل الخرطوم عبر البر والبحر وتحت الأرض، مؤكدة أن “زمن اللعب قد انتهى وبدأت الحرب الآن”.

“مجزرة جديدة”

أدانت حكومة إقليم دارفور ما أسمته بـ “المجزرة البشعة التي نفذتها قوات الدعم السريع ضد المدنيين العُزّل في القرى والمناطق الواقعة شمال دارفور، والتي أدت إلى مقتل عدد كبير من المواطنين الأبرياء ونزوح أكثر من 13 ألف شخص، وذلك ضمن سلسلة من الفظائع والجرائم التي تستمر هذه الميليشيات المتمردة في ارتكابها في مختلف ولايات السودان”.

جدد بيان صادر عن حكومة دارفور “دعوة المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية لإدانة هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها من ميليشيات الدعم السريع الإرهابية، بالإضافة إلى إنقاذ المدنيين الأبرياء في المناطق المتضررة”.

تحدثت قوات الدعم السريع عن تحقيق انتصارات جديدة في شمال دارفور، حيث أفادت بأنها استولت على حوالي 170 عربة قتالية مسلحة من الجيش والقوات المشتركة. كما نشر جنود من “الدعم السريع” مقاطع فيديو من بعض المناطق القريبة من الجبل، عازمين على استعادة جبل موية من قبضة الجيش.

ملامح الانتقام

في سياق متصل، أشار أستاذ العلوم السياسية ناصر عبد الغفار إلى أن “الظروف في السودان تسير حتى الآن نحو تفاقم الأوضاع واستمرار الحرب، مما يُشير إلى احتمال اطالة الصراع مع تنوع أساليب الطرفين بشكل أكثر تطرفاً في سعيهما لتدمير بعضهما البعض وتحقيق أهدافهما بشكل كامل”.

أوضح عبدالغفار أنه “مع تراجع خيارات الحوار بين الطرفين، ووجود ضعف في الإرادة الوطنية والسياسية، أصبح احتمال الحل السياسي بيد القوى الخارجية بدلاً من الداخل. بالإضافة إلى أن هذه القوى الخارجية قد استنفدت جميع الوسائل السلمية ولم يتبق أمامها سوى الوسائل القاسية لتحقيق الحل”.

وأشار الأكاديمي إلى أن “برغم ضعف الأهمية العسكرية والسياسية للخطة (B) لقوات الدعم السريع، فإن خطرها يكمن في أنها تحمل سمات انتقامية إثنية قد تؤدي إلى انزلاق البلاد نحو حرب أهلية فعلية، خاصة بعد ردود الفعل القبلية على التهديدات الضمنية التي أطلقها قائد الدعم السريع تجاه بعض القبائل في شمال السودان. كما أن القتال في دارفور بين القوات المشتركة والدعم السريع يتجه بسرعة نحو مواجهات عرقية بين المكونات العربية والأفريقية”.

جحيم العالقين

إنسانياً، أصدرت ثماني منظمات إنسانية نداءً إلى المجتمع الدولي والأمم المتحدة، محذرة من أن الحرب المستمرة في السودان منذ عام ونصف قد حولت حياة السكان المحاصرين في مناطق النزاع إلى جحيم. وأكدت المنظمات، ومنها “كير” و”بلان” و”الإغاثة” و”إنقاذ الطفولة” و”جول” و”التضامن الدولية” (سوليدرايتي)، أن الجهود المبذولة حتى الآن للتخفيف من العنف وإنهاء معاناة السودانيين لا تزال غير كافية.

مع استمرار الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع التي اشتعلت منذ منتصف أبريل 2023، والتي امتدت لتشمل 13 ولاية من أصل 18 ولاية في السودان، تسببت في أكبر موجة نزوح عالمية وأزمة إنسانية مدمرة ومجاعة تهدد حياة أكثر من نصف السكان. لا تزال المعارك تتصاعد في ظل تفشي أوبئة الكوليرا وداء الضنك والملاريا، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية بشكل كبير بين الأطفال.

عن مصدر الخبر

جريدة اندبندنت البريطانية