في ظل الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ 18 شهراً، ظهرت علامات صراع جديد بين قوى الثورة وأفراد نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي تمت الإطاحة به من خلال ثورة شعبية في عام 2018. جاء ذلك بعد ظهور علني لعدد من قادة النظام السابق في الأيام الأخيرة، مع إطلاق تهديدات ضد الثورة والثوار من قبل عناصر ترتبط بالنظام السابق.
أثار هذا الأمر استياء العديد من الشباب، مما دفعهم لإطلاق حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تطالب بعدم عودة نظام البشير إلى الحكم من خلال دعم الجيش. وقد أدى ذلك إلى نشوب تبادل لانتقادات بين مجموعة من الأحزاب والشخصيات السياسية المؤيدة والمعارضة لظهور حزب المؤتمر الوطني (الذي يتبنى التوجه الإسلامي وحكم البلاد من 1989 إلى 2019 في عهد البشير) مرة أخرى في المشهد السياسي.
في خضم الصراع العنيف بين القوات المسلحة ومليشيا الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023، انضم العديد من أفراد نظام البشير (حزب المؤتمر الوطني) للقتال إلى جانب الجيش، بالإضافة إلى مجموعات من الشباب الذين قادوا الاحتجاجات خلال الثورة.
غالباً ما أثار ظهور عناصر النظام السابق المعروفين بـ”الكيزان” إلى جانب قادة الجيش خلال فترة الحرب جدلاً سياسياً في السودان، حيث تم التحذير من إمكانية استغلال الصراع الحالي لإعادة تأسيس النظام المخلوع وعودته للحكم.
في سياق المعارك التي خاضها الجيش لاستعادة منطقة جبل موية في ولاية سنار جنوب شرق البلاد من قوات الدعم السريع، ظهر مؤخراً القيادي في نظام البشير والوالي السابق لولاية سنار، أحمد عباس، مع نائب قائد الجيش شمس الدين كباشي، وهما يرتديان الزي العسكري خلال زيارة لهما لمنطقة الصراع.
وصل القيادي البارز في نظام البشير ورئيس حزب المؤتمر الوطني إبراهيم محمود إلى مطار بورتسودان شرقي السودان يوم الاثنين الماضي، حيث تلقى استقبالًا حارًا من عناصر وقادة نظام البشير والإدارات الأهلية المتعاطفة معهم.
رفض عودة نظام البشير
انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي معارضة وصراعات بين مؤيدي نظام البشير وقوى الثورة، وذلك إثر تهديدات أطلقها أنصار ومؤيدون للنظام السابق بمنع المطالبة بالحكم المدني بعد الحرب أو محاولة معارضة سلطة الجيش.
أدى ذلك إلى تحفيز مؤيدي الثورة، الذين يُعرفون بـ “الديسمبريون” (نسبة إلى ثورة ديسمبر 2018)، للرد وإطلاق حملة مضادة. كما قامت صفحات تابعة للجان المقاومة، وهي تنظيمات ثورية، بنشر وسم موحد بعنوان “ستظل ثورة ديسمبر المجيدة خنجراً مسموماً في خاصرة جميع الطواغيت”.
من ناحيتها، أفادت مجموعة “غاضبون بلا حدود” (تنظيم شبابي) التي تشارك في القتال إلى جانب الجيش، في بيان صدر في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بأنها “لن تسمح ولن يسمح الشعب بعودة النظام السابق بأي شكل من الأشكال”.
وأكدت أن “حزب المؤتمر الوطني، الذي أوصل البلاد إلى هاوية الفساد والاستبداد، لن يتمكن من إيجاد مكان له في المستقبل الذي نبنيه معاً”، مشيرة إلى أن “إرادة الشعب تتجاوز محاولات إرجاع الأمور إلى ما كانت عليه، ونحن نقف متكاتفين ضد كل من يسعى لاستعادة النظام القديم”.
علق القيادي والوزير السابق في نظام البشير، إبراهيم غندور، على ذلك قائلاً إن الذين يعتقدون أن عودة قادة “المؤتمر الوطني” وظهورهم يهدفان إلى الاستفادة من نتائج الحرب والعودة مجددًا لا يدركون شيئًا.
تساءل في منشور له على فيسبوك يوم الخميس الماضي: “هل من يعود إلى وطنه جاء ليحكم أم جاء ليكون مع أهله وشعبه”، مضيفًا: “ونتساءل أيضًا متى سيعود الذين يسألون عن عودة قيادات المؤتمر الوطني، ونأمل أن يأتي اليوم الذي يعود فيه جميع أهل السودان ويتفقوا على كلمة واحدة ومتحدين”.
اعتبر غندور أن تواجد الوالي السابق لولاية سنار، القيادي في الحزب أحمد عباس، في أرض المعركة في هذا العمر (74 عاماً) هو “شرف ينبغي أن يفخر به أي سياسي، ونتمنى أن نشهد جميع قادة الأحزاب متوحدين من أجل حماية السودان وأهله وشعبه”.
من جهة أخرى، اعتبر خالد عمر يوسف، عضو تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” (تحالف سياسي)، أن هذه الحرب تمثل سعي النظام السابق لاستعادة السلطة على حساب أرواح المواطنين وتدمير البلاد.
وأضاف على “فيسبوك” يوم الاثنين الماضي: “هم من أشعلوا نار الحرب ويستفيدون من استمرارها، والآن يسعون لقطف ثمارها قبل أن ينجلي غبار المعركة، هذه هي الحقيقة التي لن تتمكن أبواق الإعلام المضلل من إخفائها”.
استغلال الفوضى
من جهته، اعتبر القيادي في الحزب الشيوعي السوداني صديق فاروق، في حديثه لـ”العربي الجديد”، أن “القلق بشأن عودة النظام السابق تحت ستار الحرب ليس مجرد شائعات أو مبالغات، بل هو رصد لنشاط مدروس وإجراءات متكاملة”.
وأشار إلى أن “هناك جهوداً واضحة لإعادة تأسيس النظام السابق، مستفيدين من الفوضى الناتجة عن الحرب، والانقسام السياسي، والتدخلات الأجنبية”.
من جانبه، أفاد القيادي في حزب الأمة القومي عروة الصادق، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن “ظهور قادة النظام السابق في السودان وتزايد خطابهم المعادي للثورة يعدان تطورات خطيرة تهدد الإنجازات التي تحققت في السنوات الأخيرة”.
وذكر أن “عناصر نظام البشير يستغلون الظروف الصعبة التي يعاني منها السودان، مثل الانقسامات السياسية والأزمة الاقتصادية، في محاولة لإعادة تشكيل التحالفات والتحرك على الأرض”، مشيراً إلى أن “أخطر هذه التحالفات هي تلك القائمة على أساس قبلي وإثني ومناطقي، فضلاً عن التحالف مع رجال المال والدين الفاسدين”.
برأيه، يعتبر أن “هذا التصعيد يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار السودان، لأنه قد يؤدي إلى صراعات مسلحة أكثر اتساعاً وشمولاً. فالمواجهة بين هذه المجموعة وقيادة الجيش حتمية ولكنها مؤجلة”، مشيراً إلى أن “احتمالية انزلاق البلاد نحو العنف والفوضى الشاملة مرتفعة جداً، لأن هذه المجموعة تعتمد على العنف والدماء”.
رأى الكاتب والمحلل السياسي مجدي عبد القيوم في حديثه لـ”العربي الجديد” أن “الإسلاميين، كونهم تياراً فكرياً يمثل مكوناً اجتماعياً، سيبقون جزءاً من المجتمع والبيئة السياسية. أما تجلياتهم في شكل أحزاب وقدرتهم على المنافسة من حيث البرامج، فإن ذلك مرتبط باحترامهم لقواعد اللعبة الديمقراطية، أي نبذ الانقلاب كوسيلة للوصول إلى السلطة ورفض العنف المنظم”.
ورأى أنه “إذا تم ذلك (رفض العنف والانقلاب) فالأمر سيكون معتمدًا على نتائج الانتخابات”.
وفقاً لعبد القيوم، فلا توجد إمكانية لعودة سلطة النظام السابق أو ما يُعرف بـ “نظام الإنقاذ” كبرنامج، لتمثل حزباً حاكماً أو سلطة. وأوضح أنه “هناك بعض السودانيين الذين يعانون مما يمكن تسميته بفيروس كوزونا (نسبة إلى الكيزان)، حيث أنه لكي يحكم نظام، مهما كانت توجهاته، فإنه يحتاج إلى غطاء سياسي إقليمي ودولي، والأهم من ذلك هو المشروعية السياسية، والتي تعتمد على قبول جماهيري يشكل الحاضنة الاجتماعية”.
وتساءل: “هل من الممكن أن يتوفر هذا للنظام السابق؟ لا أعتقد ذلك، لذا فإن هذه مجرد خيالات لا غير”.
من جانبه، اعتبر حسن إبراهيم، العضو السابق في نظام البشير، أن ما تسميه “هواجس الأحزاب وقوى الثورة” أمر مبالغ فيه، مشيراً في حديثه لـ”العربي الجديد” إلى أن “عودة أو ظهور قادة النظام السابق يعتبر شيئاً طبيعياً، حيث أن العديد منهم موجودون في الأصل داخل البلاد، وفي النهاية هم مواطنون سودانيون”.
وأشار إلى أن تحالف الحرية والتغيير الذي استلم الحكم بعد ما أطلق عليه “انقلاب الجيش على البشير” في عام 2018 “يقلق من الشعبية الواسعة التي يتمتع بها حزب المؤتمر الوطني”.
وقال: “يسعون لإخافة الناس من عودة الكيزان، لكنهم لم ينجحوا في حكم البلاد بعد الثورة رغم تعاونهم مع الجيش”.
وأوضح أن “المؤتمر الوطني لا يواجه مشكلة مع قوى الثورة الحقيقية ويعتبرها تمثل صوت الشعب الذي عبّر في فترة معينة عن رفضه لسياسات الحزب الحاكم في ذلك الوقت. ومن المؤكد أنه قد استفاد من هذه التجربة، وقد يتمكن من تحقيق النجاح في الانتخابات القادمة”.
#جريدة قطرية تصدر في لندن