القاهرة – صباح موسى
تشهد العلاقات المصرية السودانية حالة من الركود والسكون على المستوى العام، بعد فترة من السخونة كادت أن تعصف بها وتعيدها إلى المربع الصفري، وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي بين البلدين حالات من الشد والجذب والاتهامات المتبادلة، إلى أن وصلنا إلى هذه الحالة من السكون مع توافق على المستوى الرسمي، يحاول فيه مسؤولو البلدين إعادة الأمور إلى سابق هدوئها، فالعلاقات على المستوى الثنائي تشهد تذبذبا ملحوظا مهما حاول مسؤولو البلدين تجميلها، علاوة على توترات إقليمية تتقاطع فيها المصالح بين القاهرة والخرطوم.
اللجنة القنصلية:
وسط هذه الأجواء تباشر لجان تنسيق العلاقات بين البلدين اجتماعاتها، فقد عقدت بالخرطوم على مدى الثلاثة أيام السابقة اجتماعات اللجنة القنصلية المشتركة بين البلدين والمنبثقة عن اللجنة العليا المشتركة بينهما والتي تنعقد بشكل دوري شهريا بالتناوب بين العاصمتين، القاهرة والخرطوم، ويرأس هذه اللجنة من الجانب السوداني السفير عبد الغني النعيم وكيل وزارة الخارجية، ويترأسها من الجانب المصري السفير خالد رزق مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون القنصلية.
وفور انطلاقها بالخرطوم (الاثنين) الماضي، قال عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان بالقاهرة، لـ(اليوم التالي)، إن جدول الأعمال يحفل بالعديد من القضايا ذات الصلة، وإنه سيتم استعراض موقف تنفيذ مخرجات الدورة الماضية وخاصة تنفيذ ما تم التوافق عليه بشأن تأشيرات الدخول والإقامة لرعايا البلدين، وموضوع الإقامات وغرامات المخالفين، ومسألة عدم السماح بدخول بعض المواطنين السودانيين والصحفيين لمصر، بالإضافة إلى موضوع تيسير إجراءات دخول الشاحنات ووسائط النقل الكبيرة، مضيفا أن موضوع إعادة ممتلكات المعدنين والذي يوليه السودان اهتماما خاصا سوف يتم بحثه أيضا على هدى ما تم الاتفاق عليه في الدورة السابقة من تعهد من قبل الجانب المصري. وأوضح عبد المحمود أن اللجنة القنصلية هي إحدى الآليات المستحدثة في منظومة آليات التعاون المشترك بين السودان ومصر، وقال إنها تُعنى بمتابعة قضايا رعايا الدولتين في البلد الآخر المقيمين والزائرين، لافتا إلى أن هذه اللجنة كانت قد عقدت اجتماعها التأسيسي الأول بالخرطوم في فبراير 2016 وفي نوفمبر 2016 بالقاهرة ومايو 2017 في اجتماع طارئ بالقاهرة أيضا.
نتائج الاجتماعات:
واختتمت اللجنة أعمالها أمس الأول (الثلاثاء)، وقال خالد رزق رئيس الجانب المصري، إن الاجتماعات تناولت عدة موضوعات هامة للطرفين، منها دخول المواطنين المصريين والسودانيين إلى الدولتين، والتأشيرات التي تمنح لهم ومددها والمشكلات المتعلقة بهذا الشأن، موضحا أنه تم الاتفاق على أن تمنح السودان تأشيرة دخول متعددة للمواطنين المصريين، صالحة لمدة (6) أشهر، يمكن السفر بها أكثر من مرة خلال تلك المدة، وتزداد هذه الفترة إلى عام بالنسبة لرجال الأعمال، مع بقاء الفئات المعفاة من الحصول على التأشيرة كما هي من الجانبين، وهم النساء والأطفال أقل من (16) عاما والرجال فوق (50) عاما، وذلك إعمالا لمبدأ المعاملة بالمثل، مضيفا أنه تم الاتفاق على تيسير حصول مواطني البلدين مزدوجي الجنسية لدول أخرى، على تأشيرات الدخول في مطارات الدولتين، بجانب معاملة المصريين المقيمين في السودان ما قبل عام 1995 مثل المواطنين السودانيين، تطبيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل، لافتا إلى توافق الجانبين على مشروع اتفاق للتعاون القضائي بين الدولتين، مبرزا أنه عقب الانتهاء من بعض الصياغات الخاصة ببنود الاتفاق، ستتم مناقشتها بشكل نهائي والاستقرار عليها من الطرفين ثم التوقيع عليها، كما أشار إلى أنه تمت مناقشة موضوع عقود العمل للمواطنين المصريين الذين يعملون في السودان والاشتراطات اللازمة لذلك، بهدف التيسير عليهم، وكذلك بعض المشكلات المتعلقة بالمدارس المصرية بالسودان والمدرسة السودانية في مصر، بجانب موضوعات خاصة بوزارة الري، موضحا أنه تمت إحالة بعض المسائل للجان فنية متخصصة لدراستها.
قضايا وشواغل:
من جانبه، أكد عبد المحمود عبد الحليم على ضرورة هذه الاجتماعات وأهميتها. وقال عبد المحمود لـ(اليوم التالي)، إنه رغم أن هذه الاجتماعات حققت تقدما بالخرطوم إلا أنها لم تستكمل القضايا والشواغل ذات الصلة، موضحا أنه تم الاتفاق على منح المواطنين السودانيين تأشيرات دخول مجانية لعدة سفرات لمدة (6) أشهر في منافذ الدخول المختلفة، وأن الاجتماع أقر منح رجال الأعمال السودانيين تأشيرات متعددة لمدة عام، مضيفا أنه تم إقرار لمنح المواطنين السودانيين المقيمين في الدول الأوروبية والخليجية والولايات المتحدة وكندا وأستراليا تأشيرات دخول من المطار، بشرط وجود مدة إقامة سارية بهذه الدول، مبينا أن الجانب السوداني طالب بتسليم المواطنين السودانيين المحتجزين بأقسام الشرطة، وأن تقوم كل دولة بإبلاغ سفارتها في الدولة الأخرى فور إلقاء القبض على أي من مواطنيها، وتوضيح أسباب وملابسات القبض عليه. وقال إن الجانب السوداني طالب أيضا بتسريع إجراءات تجديد الإقامات وخاصة لطلاب الدراسات العليا، وردا على سؤال (اليوم التالي) حول ما تردد عن بيع السلطات المصرية لممتلكات المعدنين السودانيين في مزاد علني، أوضح السفير أن الاجتماعات شهدت نقاشا مطولا حول هذا الموضوع، وأنه قد تمت مناقشتها في اجتماع اللجنة الطارئ من قبل، وأن الجانب المصري وعد بتقديم رد مفصل حول هذه الممتلكات، لافتا إلى أن عدم التزام الجانب المصري بتعهداته في إعادة هذه الممتلكات كاملة، هو الذي أدى إلى رواج مثل هذه الأحاديث التي نأمل ألا تكون صحيحة، مشيرا إلى أن الجانبين اتفقا على دراسة مشروع اتفاقية للتعاون القانوني والقضائي.
شفافية الدبلوماسية:
أما عبد الحميد البشرى، قنصل السودان العام في القاهرة، فوصف جو اجتماعات اللجنة القنصلية بالصادق والشفاف، وقال البشرى الذي حضر الاجتماعات لـ(اليوم التالي)، كان هناك نوع من التوافق التام في كثير من القضايا التي تمت مناقشتها، مضيفا “ناقشنا موضوع التأشيرات والإقامات بين البلدين”، مؤكدا أن التقدم كان كبيرا وخصوصا في موضوع التأشيرات المتعددة لمواطني البلدين، وقال إنه يتم منح إقامة (6) أشهر بالإضافة إلى شهرين في منافذ الدخول المختلفة، موضحا أن مواطني البلدين المقيمين في كل بلد قبل عام 1995 معفيون تماما من الإقامة والتأشيرة، لافتا إلى أن الجانب السوداني كان قد أثار قضية حجز (56) مواطنا سودانيا في البحر الأحمر، وأنه طالب بسرعة إطلاق سراحهم، وأن الجانب المصري وعد بحل هذه القضية.
اجتماعات للمياه:
على صعيد موازٍ، كان قد عقد الاجتماع الأول للدورة الـ(57) للهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان، بقطاع مياه النيل في القاهرة على مدى الأربعة أيام الماضية، وذلك في إطار الاجتماعات الدورية التي تعقدها الهيئة في كل من الخرطوم والقاهرة، ورأس الجانب السوداني فيها الدكتور سيف الدين حمد، رئيس الجهاز الفني للموارد المائية بوزارة الموارد المائية والري والكهرباء، كما رأس الجانب المصري المهندس أحمد بهاء الدين، رئيس قطاع مياه النيل المصري. وتضمنت أجندة الاجتماع (15) بندًا شملت دراسة مشروعات تقليل الفاقد لزيادة إيراد النهر، وموازنات السد العالي والخزانات الأخرى داخل السودان، ومقاومة نبات الهايسنت (ورد النيل)، ومشروعات التعاون الفني بين دول حوض النيل، وشؤون دول حوض النيل والعلاقات الدولية، ومتابعة وتطوير عمليات قياس التصرفات والمناسيب على النيل، ومتابعة المحطات الهيدومناخية للرصد في مصر والسودان لتقدير البخر، بالإضافة إلى مراجعة ما تم تنفيذه من قرارات وتوصيات والتي اتُخذت في الاجتماع السابق والهادفة إلى الحفاظ على موارد النهر وتنميتها، وكذلك مناقشة موقف فيضان العام الماضي للنيل وحالة التنبؤ لفيضان العام الحالي، وآخر التطورات الخاصة بآليات التعاون مع دول حوض النيل.
وأكد الدكتور محمد عبد العاطي، وزير الري والموارد المائية، في افتتاحها أن الاجتماع يأتي تفعيلاً لاتفاقية 1959 والتأكيد على التزام الدولتين بها، وفي إطار التنسيق والشفافية والتلاحم بين الجانبين المصري والسوداني في المواقف الدولية وقضايا المياه بحوض النيل، ولاستكمال العديد من المناقشات وتبادل الرؤى والآراء بين البلدين في موضوعات مهمة يزخر بها جدول أعمال الهيئة، موضحا أن الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل تعتبر الذراع الفنية لتنفيذ اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، وأنها أُنشئت عام 1960 لدراسة وتنفيذ ومراقبة المشروعات وضبط النهر، حتى يمكن استغلاله الاستغلال الأمثل وزيادة إيراده، وكذلك استمرار الأرصاد المائية على النهر وروافده في أعالي النيل.
ووجه الوزير بأهمية أن تفرد الهيئة مزيداً من الوقت لوضع استراتيجيتها المقترحة للعشرة أعوام المقبلة في صورتها النهائية والاتفاق على آليات لتفعيلها، موضحا أن عقد هذه الاجتماعات إنما يؤكد على استمرار إيمان حكومتي البلدين بالدور الذي تقوم به الهيئة للتباحث في القضايا الفنية ذات الصلة بنهر النيل، ودفع سبل التعاون الصادق والبناء للوقوف متحدين أمام الصعوبات والمعوقات التي تواجهنا في إدارة مياه نهر النيل وفقاً لاتفاقية 1959، التي تقدم نموذجاً كاملاً ومثلاً رفيعاً لما يمكن أن يصل إليه التعاون والإخاء وحسن الجوار بين دولتين يجمعهما تاريخ طويل وحضارة راسخة وأهداف ومستقبل مشترك، مؤكدا أن القيادة السياسية بالدولتين متمثلة في الرئيسين البشير والسيسي على استعداد كامل لدفع عملية التنمية المشتركة في إطار تكاملي على أسس وقوية ومستدامة، يمكن من خلالها التوصل إلى أفضل النتائج تحقيقاً لآمال الشعبين بالاكتفاء الذاتي من الإنتاج الزراعي والحيواني في إطار ما تملكه الدولتان من مقومات طبيعية وبشرية.
يمكنك ايضا قراءة الخبر في المصدر من جريدة اليوم التالي