السودان الان السودان عاجل

شهادات ميدانية .. اكثر من 50 ألف نازح يفرون من ولاية الجزيرة إلى شرق السودان

مصدر الخبر / راديو دبنقا

اضطر مصطفى محمد للرحيل من قريته في ريف تمبول شرق الجزيرة، برفقة طفلتين وشابة في مقتبل العمر، متوجهًا إلى مدينة القضارف بعد أن تعرضت عدة قرى في شرق وغرب الجزيرة لهجوم من قبل قوات الدعم السريع الأسبوع الماضي.

ويقول مصطفى لراديو دبنقا: “على الرغم من بدء الحرب في البلاد منذ أكثر من عام ونصف، وسيطرة قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة منذ 10 أشهر، كنا نعيش بأمان في قريتنا الهادئة، وواصلنا مشاهدة النزوح ومعاناته على شاشات التلفاز، ولم نتوقع أن نصبح من ضحاياه”. ويقول: “كنا مجبرين على الهروب على ظهر شاحنة ‘جرار’ برفقة كبار السن والأطفال حديثي الولادة لمسافة 20 كيلومتراً.”

ذكرت مصفوفة متابعة النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية في تقريرها اليوم أنه تم نزوح 9332 أسرة من تمبول والأراضي المجاورة خلال الفترة من 20 إلى 27 أكتوبر إلى محليات الفاو والبطانة ومدينة القضارف في ولاية القضارف، بالإضافة إلى حلفا الجديدة وريفي خشم القربة ومحلية ريفي نهر عطبرة في ولاية كسلا. قامت قوات الدعم السريع بشن هجوم كبير على القرى الواقعة في شرق وشمال وغرب الجزيرة بعد انشقاق قائد الدعم السريع في الجزيرة أبو عاقلة كيكل، الذي ينتمي إلى شرق الجزيرة، وانضمامه إلى الجيش خلال الأسبوع الماضي.

وفقاً للجان مقاومة مدنية، قامت قوات الدعم السريع بشن هجوم على 6 مدن و51 قرية في شرق الجزيرة و6 قرى في غرب الجزيرة. يقول مصطفى محمد في حديثه مع راديو دبنقا بعد وصوله إلى القضارف: “لا توجد وسائل نقل في منطقتنا منذ أن سيطرت قوات الدعم السريع على ولاية الجزيرة بسبب عمليات النهب، لذا اضطررنا لاستخدام الجرار.

انفصلت عن عائلتي وأطفالي ليوم كامل، وعندما رأيت أطفالي الصغار انهمرت دموعي. عانينا كثيراً خلال الرحلة بسبب نقاط التفتيش، واضطررنا للإقامة في عدة أماكن.” تقول نازحة هربت من تمبول إلى القضارف لراديو دبنقا: “أُجبرنا على مغادرة قريتنا سيراً على الأقدام، بينما استخدم كبار السن وذوو الإعاقة والأطفال الحمير و”الدرداقات”. وتضيف: “استغرقت رحلتنا سيراً على الأقدام 10 ساعات، واضطررنا لشرب مياه الأمطار الراكدة. أكملنا الرحلة على متن شاحنة للوصول إلى القضارف في رحلة شاقة استغرقت ثلاثة أيام، بينما وصلت بعض الأسر بعد ستة أيام”.

أوضاع قاسية

كشف المتطوع محمد بري من مبادرة شبابية في القضارف، خلال مقابلة مع راديو دبنقا، أن النازحين من شرق وشمال الجزيرة وصلوا إلى مدينة القضارف في ظروف إنسانية صعبة، حيث اضطروا للمشي لمسافات طويلة. وأشار إلى أنهم يقيمون في أحياء دار النعيم والجمهورية والعاقب، بينما يظل بعضهم بالقرب من صالة البراء والملجة والسوق الشعبي. أشار إلى أن هناك أعداداً من النازحين لا يزالون عالقين في القرى على الطريق بسبب عدم توفر وسائل النقل، حيث أعرب بعض النازحين عن معاناتهم بسبب فقدان عدد كبير من أفراد أسرهم منذ أسبوع.

كما يستمر انقطاع شبكة الاتصالات وقيام قوات الدعم السريع بإيقاف عمل أجهزة استارلينك. أثنى محمد بري على الجهود المجتمعية في ولاية القضارف في استقبال النازحين وإيوائهم، مشيراً إلى التحديات في تحديد العدد الكلي للنازحين الذين وصلوا إلى المدينة، حيث استضاف العديد منهم في منازل أقاربهم، بينما انتقل آخرون إلى المدن والقرى المجاورة.

وفقًا لشهادات عدد من الفارين من القرى شرق وشمال الجزيرة، يُعتبر الخوف من اغتصاب النساء وقتل الرجال هو السبب الرئيسي وراء النزوح. يقول أحد النازحين إنهم لم يقاوموا عناصر الدعم السريع على الرغم من اقتحام منازلهم وسرقة ممتلكاتهم، ويضيف أن ثلاثة من سكان قريتهم قُتلوا خلال دفاعهم عن أسرهم باستخدام الأسلحة البيضاء أثناء تصديهم لمحاولات اغتصاب بناتهم. ذكرت سليمي إسحاق، مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة، لموقع “راديو دبنقا” أنهم سجلوا 21 حالة من العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، من بينها 17 حالة وقعت في قرية واحدة. كما أشارت إلى أن هناك ثلاث من الكوادر الصحية قد تم استهدافهن داخل مركز طبي. تعرضت ممتلكات المواطنين والمرافق العامة لعمليات نهب كبيرة.

وتقول نازحة: “قامت قوات الدعم السريع بنهب وحدة الطاقة الشمسية الموجودة في البئر في قريتنا، كما سرقوا منازلنا واعتدوا بالضرب على الرجال الذين تركناهم لحماية المنازل”. من جانبها، أعربت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في السودان، كملنتين سلامي، في بيان يوم الأحد، عن شعورها بالصدمة والهلع العميق، قائلة: “إن انتهاكات حقوق الإنسان من النوع الذي شهدناه في دارفور العام الماضي – مثل الاغتصاب والهجمات المستهدفة والعنف الجنسي والقتل الجماعي – تتكرر الآن في ولاية الجزيرة. هذه جرائم مروعة”.

وأشارت إلى أن “النساء والأطفال والفئات الأكثر ضعفاً هم من يتكبدون تبعات الصراع الذي أدى بالفعل إلى مقتل الكثير من الناس”. من جهة أخرى، اتهمت قوات الدعم السريع الجيش والحركة الإسلامية في بيان أصدرته يوم أمس الاثنين بتنفيذ مخطط الحرب الأهلية بالتعاون مع كيكل. أفاد المتحدث الرسمي باسم قوات الدعم السريع في بيان بأنهم يتصادمون مع قوات مجهزة بأسلحة ثقيلة في قرى الجزيرة، حيث تمتلك طائرات مسيرة ومركبات مزودة بالأسلحة. في المقابل، يوجه مواطنون ومنظمات مدنية وسياسية اتهامات لقوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات كبيرة بحق المدنيين في قرى شرق وغرب الجزيرة. اتهمت لجان المقاومة المدنية في تقريرها الدعم السريع بقتل النساء والأطفال وكبار السن وذوي الحاجات الخاصة في شرق وغرب الجزيرة.

كما وجهت لها تهمًا بارتكاب جرائم اغتصاب وسرقة ونهب مسلح واختطاف طلبًا للفدية، بالإضافة إلى اقتحام المرافق الصحية والأسواق، وضرب النساء والأطفال وكبار السن بشكل مبرح، والاحتجاز القسري والاعتقال التعسفي، والتصفية على أسس عرقية وإثنية، والتمثيل بالجثث.

30 ألف نازح في حلفا ونهر عطبرة

كشف متطوعون في غرفة طوارئ حلفا الجديدة عن وصول 30 ألف نازح من تمبول والقرى المحيطة بها ومناطق شرق وشمال الجزيرة إلى محليتي حلفا الجديدة ونهر عطبرة. وقد وصفت الغرفة أوضاع النازحين بأنها كارثية. قال المتطوع محمد محمود من غرفة طوارئ حلفا الجديدة لراديو دبنقا إن الأعداد تتزايد، وإن النازحين يستخدمون الشاحنات وأنواعًا مختلفة من المركبات. أشار متطوع آخر إلى أن عددًا كبيرًا من النازحين وصلوا إلى حلفا الجديدة قادمين من تمبول وود الأغبش والعزيبة والجنيد والهلالية، حيث يعانون من أوضاع نفسية وإنسانية صعبة، وأغلبهم من كبار السن والنساء والأطفال. أوضح مسؤول غرفة الطوارئ في حلفا الجديدة أن النازحين تم استقبالهم في 9 مراكز إيواء في منطقة حلفا الجديدة و11 قرية، حيث تم بناء خيام لاستضافتهم. قال محمد محمود إن من بين المراكز التي تم إنشاؤها هي مركز إيواء المدرسة المصرية، ومراكز النقل الميكانيكي، والمركز البيطري، ومركز التوفيقية، ومركز عبد الوهاب جلال.

أعرب عن تقديره للجهود المجتمعية في حلفا الجديدة لاستقبال النازحين، وأكد على الحاجة الملحة للخيام ومواد الإيواء والحمامات المؤقتة، مشيراً إلى التحركات الإيجابية من المجتمع لتوفير المواد الغذائية. كما أن الجمعية الطبية في حلفا الجديدة تعمل في مجال العيادات الميدانية. وفي تقريرها اليوم الاثنين، أفادت غرفة الطوارئ بأن العيادة الميدانية في المدرسة المصرية قد توقفت بسبب نقص الأدوية ومحاليل المختبر. نفى المتطوع محمد محمود وجود إصابات بالكوليرا بين النازحين، مشيرًا إلى أنهم لاحظوا ثلاث حالات إصابة بالإسهال تم نقلها إلى مستشفى حلفا الجديدة وتلقّت العلاج. في حين أفادت مصادر طبية لراديو دبنقا بتسجيل حالتين مؤكدتين للإصابة بالكوليرا، وتم نقل هاتين الحالتين إلى مركز العزل في مستشفى حلفا الجديدة.

أفادت غرفة طوارئ حلفا الجديدة أن المدينة شهدت زيارة ميدانية من شباب غرفة طوارئ كسلا، حيث تم تقديم أدوات مطبخ لمركز البيطرى، بالإضافة إلى أدوية ومواد غذائية من المقرر تسليمها غدًا. من ناحية أخرى، أوضح المدير التنفيذي لمحلية ريفي خشم القربة في ولاية كسلا، محمد طاهر شيبة، أن المحلية قامت بتكوين عدة لجان متخصصة، منها لجان للأمن والصحة وأخرى للإيواء. وأشار إلى أن عملية إيواء الوافدين ستتم دون التأثير على سير العملية التعليمية.

شهادات

يقول أحد النازحين من شرق الجزيرة إلى القضارف: “ما حدث في شرق الجزيرة كان مفاجئاً لنا”، موضحاً أن قوات الدعم السريع هجمت على منازل المواطنين في الساعة الخامسة بعد الظهر من نفس اليوم (20 نوفمبر) الذي انسحب فيه الجيش من المدينة بعد معارك شرسة.

ويشير قائلاً إنه نتيجة لانقطاع شبكة الاتصالات، كان على المواطنين الانتقال من منزل إلى آخر عبر الأسوار للتنسيق فيما بينهم. وأضاف: “انطلقنا في تمام الساعة 12 ليلاً في رحلة مشي استغرقت عشر ساعات إلى قرية قريبة، قبل أن نستقل الشاحنات في طريقنا إلى القضارف”. وتقول نازحة أخرى: “سمعنا صرخات وبكاء النساء وصراخ الرجال، وعلمنا فيما بعد أن البكاء كان نتيجة لمقتل رب الأسرة بعد أن حاول الدفاع عن ابنته من الاغتصاب”.

وتقول: “واجهنا صعوبات خلال رحلة النزوح، حيث إن والدنا كفيف ووالدتنا تعاني من آلام في الغضروف. وكنا مع امرأة وضعت مولودها حالاً وأخرى تعرضت لجلطة في ساقها، لكننا تمكنا من تجاوز العقبات والخروج من قريتنا. وتضيف: “تركنا ممتلكاتنا وأموالنا وغادرنا فقط بالملابس التي كنا نرتديها”. مع استمرار الحرب، تتواصل معاناة المواطنين ونزوحهم، حيث تجاوز عدد النازحين عشرة ملايين نازح، بينما وصل عدد الذين عبروا الحدود إلى أكثر من ثلاثة ملايين. وكل واحد منهم يحمل قصة ورواية لا تنتهي إلا عند انتهاء الحرب وتحقيق السلام.

عن مصدر الخبر

راديو دبنقا