احدثت دعوة السفير الحارث إدريس، مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة، لمجلس الأمن بضرورة نزع أسلحة قوات الدعم السريع العديد من التساؤلات في الأوساط السياسية والدبلوماسية.
وقد أدرج السفير هذا المطلب في خطاب له خلال جلسة الإحاطة والمشاورات التي عقدها مجلس الأمن حول الأوضاع في السودان في بداية الأسبوع الحالي، والتي ركزت على قضية حماية المدنيين في ظل الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في مناطق شرق الجزيرة مؤخرًا.
من الملفت أن حكومة بورتسودان تواصل التأكيد على رفضها أي تدخل دولي.
قائد الجيش يعدل روايته
ووصف عمر إسماعيل قمر الدين، وزير الخارجية الأسبق، في حديث لبرنامج “ملفات سودانية” الذي سيذاع يوم السبت المقبل، مثل هذه المواقف بالساذجة لدرجة الضحك، مشيرًا إلى أنها تعكس إشكالات غريبة نظرًا لأن الشعب السوداني قد سمع قائد الجيش ورئيس الحكومة يتحدثون في أكثر من مناسبة عن تمرد قوات الدعم السريع على الجيش، وهو ما كان يعتبرونه تعريفًا للصراع الذي بدأ في 15 أبريل 2023.
وأضاف أن المتمرد عادة ما يكون جزءًا من المؤسسة التي يتمرد عليها، والعالم شهد على ذلك، ولا ينفع تغيير الرواية لاحقًا بأن الدعم السريع هو من أشعل الحرب.
واعتبر وزير الخارجية الأسبق أن عملية نزع السلاح هي مسألة داخلية، والجيش محق في تكرار هذا المطلب. لذلك، أمام قيادته خياران: إما الاستمرار في الحرب وسحق القوة المتمردة، وهو هدف أثبتت الظروف صعوبته على المدى القريب، أو احتمال انتصار الجيش في النهاية أو انتصار الدعم السريع وإقصائه من المشهد، وهو ما حدث في دول أفريقية ودول الجوار مثل إثيوبيا ويوغندا.
تأخر الحضور
واستدرك قمر الدين قائلًا إن الموقف الأساسي لحكومة بورتسودان هو رفض التدخل الدولي، ولكن الطرفين المتحاربين يسمحان بتدخل أطراف خارجية معروفة، ويستوردان الأسلحة ويستعينان بأجانب في قيادة الطائرات، كما كشفت حادثة طائرة المالحة بوجود طيارين من روسيا، وهذه أمور مثبتة لا تحتاج إلى دليل.
وأضاف أنه لذلك يتحمل الطرفان مسؤولية تدويل الصراع وإدخال البلاد في هذا النفق المظلم، وبعد ذلك يعارضان تدخل المجتمع الدولي وفي نفس الوقت يقدمان له مطالب محددة.
وذكر وزير الخارجية الأسبق أنه عندما تكون الدول في أوضاع مشابهة لما يحدث الآن في السودان، في حرب لم يكن هناك داع لها، ويصفها طرفاها بالعبثية، نجد أننا أدخلنا السودان في ورطة وأخذنا دولًا أخرى معنا في هذا المأزق.
كما أشار إلى أن الورطة الكبرى هي معاناة الشعب السوداني من الفقر والجوع والمرض والنزوح والموت العشوائي.
وخلص إلى أنه من الضروري أن نجلس للتفاوض رغم كل هذه الخسارات، وإن قدوم الحل متأخرًا خير من عدمه. وأشار قمر الدين إلى أن حكومة بورتسودان تتحدث إلى العالم بلغة لا يفهمها أحد، وهي لغة خاصة بها وغير مدعومة بأي عناصر تبرر المطالب.
وأضاف أن الحكومة تطالب المجتمع الدولي بتصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية، وهي دعوة قد يتفق عليها آخرون، لكن أين الوسائل التي تستخدمها لتحفيز المجتمع الدولي لتبني هذه الخطوة؟
السواقة بالخلا
وأكد وزير الخارجية الأسبق على أن إحدى هذه الوسائل هي التحقيق، فإذا أرسل لك المجتمع الدولي لجنة تحقيق ورفضتها لأن لديك أمورًا خاصة تخفيها، فلا تتوقع منه أن يصنف الدعم السريع كمنظمة إرهابية.
وأضاف أن حكومة بورتسودان لا تستند في مطالباتها على الحقائق، بل تردد ما يُقال في نزاعات أخرى. وربط ذلك بضعف مستوى الدبلوماسية وفهم كيفية عمل المجتمع الدولي، فالدول تتحرك في الفضاء العالمي كمجموعات وبطرق تعتمد على قوانين وتوجهات مختلفة تستند إلى التحليل والأرقام، وهي أمور لا تأتي من فراغ ولا بالشعارات التي نمارسها داخليًا حتى نقنع مجتمعنا الداخلي “ونسوقه بالخلا” كما يقول رواد مواقع التواصل الاجتماعي.