تزيد الخلافات والانقسامات المتزايدة بين الجيش السوداني من جهة، وحركتي “جبريل إبراهيم” و”مني أركي مناوي” من جهة أخرى، من الشكوك المتعلقة بمستقبل التحالف الحالي بينهما، وتثير تساؤلات واسعة حول السيناريوهات المحتملة.
يشير المراقبون إلى أن الخيارات المتاحة للحركتين أصبحت مقتصرة على 4 سيناريوهات، وكل واحد منها يحمل خسائر ومخاطر أمنية وسياسية كبيرة. يشارك مستشارو الحركتين في جهود مكثفة لوضع خطة استراتيجية تهدف للخروج بأقل الخسائر الممكنة من أزمة الخلافات التي تفاقمت بشكل كبير في اليومين الأخيرين، مما يهدد بتحطيم التحالف الذي استمر أقل من عام بعد إعلان الحركتين في نوفمبر 2023 عن التخلي عن الحياد والانضمام إلى الجيش.
طبيعة الخلاف
شهدت الفترة الأخيرة تصاعداً في الخلافات، حيث أصبحت واضحة للعلن بعد أن اتخذ قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان قراراً بنقل تبعية بنك السودان من وزارة المالية، التي يترأسها جبريل إبراهيم، إلى مجلس السيادة، بالإضافة إلى إقالة مدير عام الضرائب المرتبط بإبراهيم.
في الوقت الذي أبلغت فيه التقارير عن تزايد الغضب داخل الجيش السوداني بسبب الانسحابات المتكررة لقوات الحركتين والتي أسفرت عن هزائم فادحة في منطقتي الفاو شرق البلاد والفاشر في دارفور، قامت وسائل إعلام تابعة للجيش بتسريب محضر اجتماع سري لقيادات الحركتين، حيث تم الوصول إلى مطلب الحصول على نصف الحقائب الوزارية بالإضافة إلى منصب رئاسة الوزراء ونائب رئيس مجلس السيادة، بالإضافة إلى طلب امتيازات مالية ولوجستية كبيرة مقابل الاستمرار في القتال.
حرق أوراق
تتهم دوائر داخل الحركتين أجهزة استخبارات الجيش بتسريب مطالبهم لإحراجهم أمام الرأي العام، خاصة في ظل الانتقادات الشعبية الواسعة بشأن فساد مالي وإسراف في الإنفاق على قيادة وعناصر الحركتين المتواجدين في مدينة بورتسودان، العاصمة الحالية للحكومة. وقد تحدثت قيادات شعبية وقبلية في شرق السودان عن هذه المسألة بشكل علني. وفقًا للصحفي محمد المختار محمد، فإن التسريبات الأخيرة قد أضرت بوضع الحركات المسلحة، وأحرقت صورتها، وجعلتها تبدو بمظهر “المتسرعة”. يوضح، في حديثه مع “إرم نيوز”، أن “التسريبات قللت من هامش المناورات السياسية للحركات، وأثرت على قدرتها في المطالبة بنصيب أكبر من السلطة، مما تركها أمام خيارات ضيقة في ظل توجه الجيش نحو إقامة تحالفات جديدة”.
ويشير المختار إلى أنه “بدأ الجيش يعتمد على ميليشيات أخرى كان قد احتفظ بها لمثل هذا اليوم، وعمل على تنشيط القوى الاجتماعية والسياسية في شرق السودان لمهاجمة حركتي جبريل ومناوي، وتصويرهما كحركات تسعى لطلب المال والمناصب”. يعتقد المختار أن حركتي جبريل مناوي فقدتا الكثير من المصداقية والاتساق السياسي، لكنه يلاحظ أن الوضع العسكري والسياسي لا يزال مفتوحاً على جميع الاحتمالات والسيناريوهات الممكنة.
خيارات صعبة
سعت بعض الجهات لإنهاء الخلاف، لكنها لم تنجح، مما يزيد من تعقيد السبل الممكنة للخروج من الأزمة بدون تكبد خسائر كبيرة.
وأظهرت تقارير رفض البرهان الوساطة التي قادها شخصيات مدنية ودبلوماسية لحل النزاع. في ظل التعقيدات الكبيرة التي تترافق مع الأزمة وظهور عناصر سياسية وميدانية خطيرة، تتقلص أمام الحركات المسلحة فرص العثور على حل آمن. أصبح أمام الحركات خيارات إما الاستمرار في التحالف القائم، أو العودة إلى الحياد، أو الانخراط في سيناريو يعمق الانقسامات، وهو الخيار الأكثر احتمالاً.
في هذه الحالات الأربع، ستكون تكلفة الخروج مرتفعة جداً. فبالنسبة للخيار الأول، فهذا يعني الاستسلام لأي وضع جديد قد يفرضه الجيش للحد من الأنشطة والتحركات والامتيازات التي حصلت عليها الحركات منذ انضمامها لتحالف الجيش.
إذا قررت الحركات العودة إلى الحياد، فإنها ستصبح عرضة للكشف العسكري، خاصة بعد فقدانها آلاف المقاتلين في النزاعات التي حدثت مؤخراً. على الجانب الآخر، يُعتقد أن الحركات قد تواجه المزيد من الانقسامات والانشقاقات، مما سيؤدي إلى إضعافها أو اختفائها بالكامل من الساحة.
انعدام الثقة
يشير المراقبون إلى أن أحد النتائج السلبية للأزمة الراهنة هو تعزيز حالة انعدام الثقة.
ويعتقد الكثيرون أنه بغض النظر عن السيناريو الذي ستصل إليه الأزمة، سيكون الطرفان بحاجة إلى وقت طويل ومعجزات كبيرة لاستعادة الثقة. وبالفعل، بدأ كل طرف في اتخاذ الاحتياطات اللازمة والاستعداد للمرحلة المقبلة.
وفقًا لمصادر موثوقة، يعمل الخبراء الأمنيون على إعداد خطة تهدف إلى إنهاء وجود قوات حركتي جبريل ومناوي في ولايتي نهر النيل والشمالية، مع تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن. تتهم جهات في الجيش السوداني الفصائل المسلحة بانتقاء أساليب الابتزاز ومحاولة تحقيق مكاسب مالية وسياسية من خلال الحرب. بينما ينتقد القيادي في حركة مناوي، نور الدائم، هذه الاتهامات، يشير إلى أن تمسك الحركات بحقوقها في السلطة يتماشى مع مخرجات اتفاق السلام الذي وُقع في جوبا عام 2020. من جانبه، يبرز الهادي إدريس، رئيس الجبهة الثورية الموقعة أيضًا على الاتفاق، والذي اتخذ موقفًا محايدًا منذ بداية الحرب، أن اتفاق جوبا حدد مدة ثلاث سنوات للمشاركة، مفسرًا الصيغة الحالية في بورتسودان بأنها اتفاق “سلطة ومال مقابل القتال وإفشال السلام”.