هل تستدعي مجازر الجزيرة تدخلا دوليا لحماية مدنيي السودان؟
تأمل “تقدم” في أن تتبنى الحكومة البريطانية طرح الأمر على مجلس الأمن الدولي
ملخص
وجه القطاع الإنساني في تنسيقية “تقدم” نداءً عاجلاً للمنظمات الإقليمية والدولية المختصة بحقوق الإنسان والحماية الإنسانية، من أجل إنقاذ أرواح المدنيين العالقين والنازحين في السودان، وخاصة في مناطق شرق الجزيرة، حيث يعانون من أوضاع كارثية تتفاقم بشكل مستمر.
زادت خلال الفترة السابقة الدعوات الدولية لاتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين في السودان، وظهرت القضية مرة أخرى من خلال اقتراح تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية “تقدم” لإنشاء مناطق آمنة للحماية. وتأمل “تقدم” أن تقوم الحكومة البريطانية بطرح هذه المسألة على مجلس الأمن الدولي في إطار مشروع قرار جديد يضع آليات تضمن التزام الأطراف المتحاربة بتعهداتها وفقاً لاتفاق جدة. ما هي آفاق هذا الاقتراح، وهل سيحظى بقبول دولي باعتبار المناطق الآمنة هي الحل الأخير على الصعيد الدولي لضمان حماية المدنيين في السودان، خاصة في ظل تزايد القتال والعنف والحملات الانتقامية التي تنفذها قوات “الدعم السريع” في ولاية الجزيرة؟
الانتهاكات والحماية
دعا الأمين العام لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” الصديق الصادق المهدي إلى إقامة مناطق آمنة لحماية المدنيين في البلاد، مشيراً إلى أن الحرب تحولت من صراع بين قوى شبه نظامية إلى حرب أهلية شاملة قد تؤدي إلى تمزق البلاد وإضعاف المؤسسات المدنية والعسكرية، بالإضافة إلى تعدد الجيوش. وفي تصريح له عبر لجنة الإعلام بالتنسيقية، أوضح المهدي أن المدنيين العزل يتعرضون لانتهاكات خطيرة لا يمكن تجاهلها، مما يتطلب التحضير لإنشاء مناطق آمنة لحمايتهم، بشرط وقف الأعمال العدائية واستخدام الطيران.
المقترح والآليات
في نفس السياق، أوضح المتحدث باسم التنسيقية بكري الجاك أن موضوع المناطق الآمنة لا يزال قيد الاقتراح، مشيرًا إلى أن هناك اجتماعات ومشاورات جارية مع بعض الجهات الإقليمية والدولية حول كيفية التعامل مع هذا الاقتراح والآليات اللازمة لتنفيذه، كما يتطلب الأمر تفاهمات مع الأطراف المعنية في النزاع. واعتبر الجاك أن الوضع الراهن يستدعي اتخاذ خطوات عملية تتجاوز مجرد الحديث عن حماية المدنيين، مشددًا على أن الحل الأمثل لحماية المدنيين يكمن في التوصل إلى اتفاق يتيح وقفًا فوريًا لإطلاق النار والأعمال العدائية، ومن ثم العمل على توسيع هذا الاتفاق ليشمل وقفًا شاملاً لإطلاق النار. كشف متحدث باسم “تقدم” أن التنسيقية تعمل على تحسين المقترح المتعلق بإنشاء المناطق الآمنة، وذلك بالنظر إلى أن الأطراف المعنية لا تزال ترفض الاتفاق على وقف لإطلاق النار، حيث يعتقد كل طرف أنه يستطيع تحقيق انتصار عسكري حاسم على الطرف الآخر.
3 مناطق
يستند الاقتراح، حسب الجاك، إلى إقامة ثلاث مناطق آمنة داخل الأراضي السودانية، على الحدود مع ثلاث دول مجاورة هي مصر وجنوب السودان وتشاد. ويتطلب ذلك جهودًا دولية وإقليمية بالإضافة إلى تنسيق ضروري بين مجلس السلم والأمن الأفريقي والدول المعنية لإنشاء المعسكرات في تلك المناطق. أشار متحدث باسم “تقدم” إلى إمكانية نشر قوات من الدول المجاورة لتأمين حدود المناطق الآمنة، مما سيسهل وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين. كما أكد على أهمية مواصلة الجهود لفتح ممرات آمنة تتيح الوصول إلى الأشخاص المحاصرين في مناطق النزاع. ووضح الجاك أن إنشاء هذه المناطق الآمنة قد لا يستلزم بالضرورة وقف إطلاق النار، لكنه يحتاج إلى اعتراف الأطراف المتنازعة وكذلك الأطراف الأخرى المعنية، حيث يُعتبر هذا الاعتراف أساسياً لضمان نجاح المقترح.
خارج السياق
من جهة أخرى، اعتبر مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير الحارث إدريس أن مفهوم المناطق الآمنة يتجاوز نطاق القانون الدولي، كما أنه لا يتمتع بقبول في الممارسات الدولية، متسائلاً في هذا السياق، “لماذا لم يتم المطالبة بإنشاء مناطق آمنة في إسرائيل مثلاً، مع أنها ترتكب إبادة بحق الفلسطينيين وجرائم مؤكدة في هذا الشأن؟” رأى المتخصص في القانون الدولي أحمد المفتي أن المناطق الآمنة هي تلك التي تحميها قوات أممية، مما يعني أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين القوات الأممية وهذه المناطق. لذا، لا يمكن فصل الأمرين، إذ لا يمكن أن توجد مناطق آمنة دون وجود قوات أممية لحمايتها، مع العلم أنه يمكن دخول قوات أممية دون تحديد مناطق آمنة لها. وأشار إلى أن عدد القوات المتحاربة تضاعف بشكل كبير الآن، كما أصبح انتشارها أوسع بكثير مما كان عليه في السابق، وبالتالي فإن أي قوات أممية تدخل البلاد بدون موافقة الحكومة قد تواجه صعوبة في الخروج من السودان.
الموافقة أولاً
أعرب المتخصص في القانون الدولي عن رفضه الكامل لإقامة مناطق آمنة أو نشر قوات دولية في السودان، ما لم يكن ذلك بموافقة واضحة من الحكومة السودانية. وتمنى ألا تعطي الحكومة مثل هذه الموافقة، حيث إن التجربة السابقة لدخول قوات دولية بموجب الفصل السابع لم تحقق أي نتائج إيجابية، بل كانت تلك القوات تطلب الحماية من الجيش السوداني. وأشار المفتي إلى أن الحل الأمثل والأسهل يكمن في الدخول في حوار يؤدي إلى التوصل إلى اتفاق سلام بين الجيش و”الدعم السريع”، مؤكدًا أن “هذا الاتفاق آتٍ لا محالة، سواء طالت فترة الانتظار أم قصرت”. كما اقترح أن يتبع ذلك مباشرة “تشكيل حكومة انتقالية تنتهي بإجراء انتخابات عامة، تمامًا كما جرى في تجربة حكومة الفريق سوار الذهب الانتقالية عام 1985، بعد أن فشلت النخب السياسية في التوصل إلى توافق حول حكومة مدنية منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021”.
تصعيد ممنهج
أدانت وزارة الخارجية السودانية التصعيد المنهجي للمذابح والانتهاكات التي ترتكبها الميليشيات ضد المدنيين، وذلك بهدف استدعاء التدخل العسكري الدولي في السودان تحت ذريعة حماية المدنيين. وأشارت إلى أن هذا يتيح للميليشيات الفرار من الهزيمة العسكرية والحفاظ على المواقع التي تسيطر عليها، بما في ذلك مئات الآلاف من منازل المواطنين في العاصمة وعدد من المدن الأخرى، فضلاً عن استمرار احتجاز آلاف المدنيين كرهائن في معتقلات سرية. وأوضح بيان الخارجية أنه بدلاً من استجابة المجتمع الدولي لهذا الابتزاز الإرهابي من الميليشيات بفكرة التدخل الدولي، يجب تصنيفهم كجماعة إرهابية وملاحقة قياداتهم وعناصرهم كأشخاص مطلوبين للعدالة الدولية، كما يجب اعتبار كل من يساعدهم أو يدعمهم أو يستضيف قياداتهم والمتحدثين باسمهم راعياً للإرهاب وشريكاً في جرائمهم.
تفاعل دولي
في نفس الصدد، توقع الخبير في العلاقات الدولية عبدالمجيد التجاني أن تزداد الإدانات الإقليمية والدولية للحملة الدموية والانتهاكات التي ترتكبها قوات “الدعم السريع” في ولاية الجزيرة، مما سيؤدي إلى تفاعل فعلي من المجتمع الدولي لحماية المدنيين في السودان. وأوضح أن “العالم بدأ يدرك أن المدنيين في السودان لا نصير لهم في ظل تصاعد المعارك وارتفاع معدلات الانتهاكات واستهتار الأطراف المتصارعة بالقوانين الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وكل الدعوات والمناشدات الأممية والدولية، مما يعتبر مبررا قويا لاتخاذ خطوات جادة من الأمم المتحدة لحماية المدنيين، سواء عبر إنشاء مناطق آمنة أو التدخل الدولي المباشر”. وأشار التجاني إلى أن “هناك قناعة دولية وإقليمية بدأت تتبلور الآن بأن المدنيين هم الضحايا الحقيقيون في هذه الحرب، وأن كلا الطرفين المتقاتلين لا يهتمان بحمايتهم، مما يجعل الضمير الإنساني العالمي عاجزا عن السكوت أكثر بشأن ما يتعرض له المدنيون”.
تحولات مرتقبة
توقع المتخصص في العلاقات الدولية أن تواجه السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس الجمهوري المنتخب دونالد ترمب تغييرات كبيرة تتعلق بالسودان، وذلك في إطار التزام ترمب بإنهاء الحروب. وسيكون أمام طرفي النزاع خياران مشتركهما هو حماية المدنيين في السودان، وهما: إما العودة إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، أو توفير حماية دولية للمدنيين. وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تغييرات على الساحة الدولية تقلل من الدور الخارجي لقوات “الدعم السريع” وحركتها سواء على الساحتين الدولية أو الإقليمية، وقد ينعكس ذلك على مواقف بعض الدول الداعمة والقوى السياسية الأخرى داخل تنسيقية “تقدم”، مما سيعزز الضغوط الدولية والسياسية عليها، الأمر الذي قد يساهم في تحسين فرص إنهاء الحرب في السودان.
حشد الدعم
عقد وفد رئيس تنسيقية “تقدم” برئاسة عبدالله حمدوك، خلال زيارة إلى المملكة المتحدة، سلسلة من الاجتماعات مع شخصيات رسمية بريطانية مؤثرة، شملت أعضاء من مجلسي العموم واللوردات من الأحزاب المحافظين والعمال والديمقراطيين الليبراليين، بالإضافة إلى أعضاء من حكومة الظل في بريطانيا. وتركزت مناقشات التنسيقية في لندن على حشد الدعم الدولي لوقف الحرب وحماية المدنيين السودانيين، بالإضافة إلى أهمية اتخاذ خطوات عملية لحماية المدنيين، والتشاور حول إنشاء مناطق آمنة لهم، واحتمالية نشر قوات دولية لحمايتهم، في ظل خطورة الأوضاع وحجم المأساة الإنسانية والانتهاكات الجسيمة التي يتعرضون لها في هذه الحرب.
المحاكمة الدولية
وجه القطاع الإنساني في تنسيقية “تقدم” نداءً عاجلاً إلى المنظمات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان والحماية الإنسانية لإنقاذ الأرواح المدنية العالقة والنازحة في السودان، وخاصة في مناطق شرق الجزيرة، التي تعاني من أوضاع كارثية متزايدة. وطلب النداء من المجتمع الدولي، بقيادة منظمات الأمم المتحدة والصليب الأحمر والهلال الأحمر، وبالتعاون مع الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، اتخاذ إجراءات عاجلة لإجلاء المدنيين العالقين في مناطق النزاع وتوفير ممرات آمنة لهم بشكل فوري. في سياق متصل، دعا المكتب القيادي للتجمع الاتحادي، بعد مجموعة من الاجتماعات مع قضاة المحكمة الجنائية الدولية، إلى بدء تحقيق في الجرائم التي حدثت بعد حرب منتصف أبريل (نيسان) من العام الماضي. وطالب القوى الوطنية والمختصين في القانون الدولي وقضايا المحكمة الجنائية الدولية بتشكيل منصة مدنية تكون مرصداً وطنياً للانتهاكات وتحقيق العدالة، وذلك للبدء في خطوات عملية لدعم المحكمة.
فتح الباب
افتتحت توصية بعثة تقصي الحقائق التابعة لمجلس حقوق الإنسان بشأن إنشاء قوة مستقلة محايدة لحماية المدنيين، فرص التدخل الدولي لحماية السكان المدنيين في السودان. أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن أن الظروف الراهنة لا تتيح الفرصة لنشر قوة تابعة للأمم المتحدة في السودان. وأشار في ذات الوقت إلى أن الشعب السوداني يعاني من كابوس يتمثل في العنف والجوع والأمراض والنزوح، بالإضافة إلى زيادة حدة العنف العرقي، محذراً من الآثار السلبية للصراع على الاستقرار الإقليمي. منذ بداية الصراع بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في منتصف أبريل من العام الماضي، لم تنجح أي من الجهود الدبلوماسية أو المبادرات أو الوساطات الإقليمية والدولية والمحلية في إنهاء الحرب. يعاني السودان من أكبر أزمة نزوح في العالم نتيجة الحرب، حيث أجبرت المعارك أكثر من 11.3 مليون شخص على ترك منازلهم والنزوح داخليًا. وقد توقعت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أن يتجاوز عدد الفارين إلى خارج البلاد 3 ملايين شخص في ظل استمرار الصراع، بينما يواجه أكثر من نصف سكان السودان، البالغ عددهم 46 مليون نسمة، نقصًا حادًا في الغذاء.