السودان الان السودان عاجل

كسلا والقضارف: معاناة إنسانية تحت الأشجار والمباني المهجورة

مصدر الخبر / موقع التغيير

سمع علي ود حمد دوي إطلاق النار في سوق البشاقرة القريب من منزله، ورأى كيف أصيب أحد شباب القرية شرق الجزيرة برصاص قوات الدعم السريع التي اقتحمت المنطقة بمركبات عسكرية وأسلحة ثقيلة، مما تسبب في انتشار الفوضى والرعب وعمليات السرقة في المنازل والمحلات التجارية. لم يكن أمام ود حمد خيار آخر سوى أخذ أطفاله وزوجته وترك كل ما يمتلكه، لينضم إلى مئات النازحين الذين هربوا نحو قرية التكينة، تاركًا وراءه منزلًا خاليًا ومحلاً تجاريًا تم نهب جميع محتوياته. وجد ود حمد وعائلته أنفسهم يعيشون في ظروف صعبة، حيث يفتقرون إلى المأوى والدعم الكافي.

وذكر في حديثه مع “التغيير” غياب أي دعم رسمي، موضحًا أن الإعانات التي تلقوها جاءت نتيجة جهود فردية من المغتربين والنشطاء من أهل القرية الذين يعيشون في الخارج. وأكد أن مجتمع البشاقرة يتميز بالتعاون والتكاتف، لكن الوضع الحالي يتطلب دعمًا يفوق إمكانياتهم. لم تنته المأساة عند النزوح، حيث قرر بعض سكان البشاقرة الاتجاه نحو مدينة شندي في ولاية نهر النيل، لكنهم تعرضوا للنهب مرة أخرى على يد عناصر الدعم السريع التي استولت على الطريق وصادرت ممتلكاتهم.

كما شهدت قرية “البروراب” الواقعة شرق الجزيرة مقتل أكثر من عشرة مدنيين، من بينهم عمدة القرية، بعد أن اجتاحت قوات الدعم السريع القرية وسرقت ممتلكات السكان، وفقًا لما أبلغه ود حمد لـ”التغيير”. وفقاً لتقارير مصفوفة تتبع النزوح الصادرة عن منظمة الدولية للهجرة (IOM) في الأول من نوفمبر، فإن حوالي 135,400 شخص قد نزحوا من مناطق مختلفة في ولاية الجزيرة، موزعين على 16 محلية داخل ولايتي القضارف وكسلا ونهر النيل. وأفادت الفرق الميدانية بأن بعض النازحين لا يزالون غير قادرين على الوصول إلى مناطق آمنة بسبب القيود المفروضة على الحركة، مما يضطرهم للانتقال بين مواقع مختلفة بحثاً عن الأمان والمساعدة. وصف عمر الشيخ، أحد شهود العيان، أوضاع الفارين بأنها كارثية، حيث تدفق الناس إلى ولايات القضارف وكسلا ونهر النيل، مما زاد من العبء على هذه المناطق التي كانت مكتظة بالفعل بالنازحين.

وأوضح في حديثه مع (التغيير) أن هجوم قوات الدعم السريع على شرق الجزيرة كان جزءاً من استراتيجية لتهجير السكان بالقوة بعد انسلاخ اللواء كيكل عن صفوفهم. وأكد أن النازحين يعانون من نقص في أبسط مقومات الحياة، حيث يعيشون في خيام بسيطة مصنوعة من أغصان الأشجار والملابس، في حين لم تتمكن حكومات الولايات من تقديم المساعدات اللازمة.

في مضيفة البطاحين في القرية 6 عرب، تحدث المتطوع المحلي أبو نمارق البطحاني لـ “التغيير” عن الظروف الصعبة التي يعاني منها النازحون، موضحًا أن الدعم يعتمد بشكل كبير على التضامن الشعبي. بدأ البطحاني مع مجموعة من المتطوعين بتوزيع وجبات بسيطة ومشروبات ساخنة للنازحين الذين يمرون في الطريق. لكنه أكد أن أعداد النازحين ازدادت بشكل ملحوظ بعد هجوم قوات الدعم السريع على قرى الجزيرة، مما أدى إلى اكتظاظ المنطقة وأصبح العمل التطوعي غير كافٍ لتلبية الاحتياجات. أوضح البطحاني أن عدد النازحين في المنطقة تجاوز 15 ألف شخص، مما جعل توفير الدعم أمرًا صعبًا للغاية.

حيث استضافت بعض الأسر النازحين في منازلهم، بينما لجأ آخرون إلى المخيمات المؤقتة التي أُقيمت بفضل بعض التبرعات من المغتربين والمساعدات المحدودة من المنظمات الدولية. كما أشار إلى أن بعض المنظمات الأممية قدمت خيامًا وبعض البطانيات الخفيفة للنازحين، إلا أن هذه المساعدات لا تكفي لتلبية الاحتياجات المتزايدة في ظل الطقس البارد. أكد وزير الصحة والتنمية الاجتماعية المكلف بولاية القضارف، أحمد الأمين آدم، أن ولايته استقبلت أكثر من 10 آلاف شخص في مناطق حريرة والفاو والبطانة، حيث تم إنشاء عيادات متنقلة وتعقيم مصادر المياه وتوفير الأدوية لمستشفيات الفاو والبطانة من أجل تعزيز الخدمات الصحية للنازحين. لكن الناشطة في العمل التطوعي، أمنية محمد، أعربت عن أن موجة النزوح الكبيرة الأخيرة قد أدت إلى زيادة الأعباء على الولاية، وأشارت إلى عدم وجود دعم حكومي مباشر للنازحين، حيث يقتصر دور الحكومة على التنسيق بين المنظمات وتقديم بعض الخدمات العاجلة.

في المقابل، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا) بأن النازحين في ولاية القضارف يعانون من ظروف صحية سيئة نتيجة التنقل لمسافات طويلة تصل إلى سبعة أيام سيرا على الأقدام، مع قلة أو انعدام المساعدات الإنسانية على الطريق. وقد تم الإبلاغ عن انتشار حالات الكوليرا بين النازحين الجدد، حيث ارتفعت حالات الإصابة في القرية رقم 6 في نهر عطبرة من ستة إلى 83 حالة خلال الأيام الستة الماضية.

في ولاية كسلا، وصف مصدر حكومي، طلب عدم الكشف عن هويته، أوضاع النازحين بالكارثية، مشيراً إلى أن الاحتياجات تتجاوز الإمكانيات المتاحة في حالة الطوارئ في الولاية. وأكد أن حكومته قد طالبت السلطات المركزية بتقديم مساعدات عاجلة، حيث يعيش النازحون في العراء ويلجأون إلى ظل الأشجار هربًا من الحرارة، بينما يقيم آخرون في المباني العامة، وخاصة المدارس والمساجد، مما يعيق وصولهم إلى شبكات الدعم المجتمعي الموسعة. وقد فر الغالبية منهم داخليًا بشكل مفاجئ، تاركين خلفهم ممتلكاتهم وأصولهم الشخصية، مما أدى إلى فقدان أكثر من 70-95% من النازحين لوثائق هويتهم.

كما أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في أحدث نشرة له يوم الثلاثاء الماضي أن النازحين بحاجة ماسة إلى أدوية لمرض السكري وارتفاع ضغط الدم وصحة العقل، بالإضافة إلى ضرورة توفير مستلزمات النظافة والكرامة للنساء والفتيات لمواجهة الظروف الصعبة التي يعيشونها.

عن مصدر الخبر

موقع التغيير