اخبار الاقتصاد السودان عاجل

تغيير العملة في السودان ..خطوة لتقسيم البلاد أم محاولة  لمعالجة آثار الحرب؟ سيناريوهات قادمة – خبراء يتحدثون

مصدر الخبر / راديو دبنقا

احدث قرار بنك السودان المركزي بتعديل فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه جدلاً واسعاً بين الاقتصاديين والمصرفيين والمواطنين، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وقد زادت المخاوف من أن يؤدي هذا القرار إلى تفاقم الانفصال الإداري والاقتصادي في البلاد، مما يعكس حالة من القلق العام حول مستقبل الاقتصاد السوداني.

منذ بداية النزاع المسلح، تزايدت المخاوف من أن تؤدي القرارات الحكومية المتخذة في بورتسودان، بالإضافة إلى الإجراءات التي تتبناها قوات الدعم السريع، إلى تقسيم البلاد. ومن بين هذه القرارات، الإعلان عن تشكيل حكومة في بورتسودان، مما قد يستدعي رد فعل من الدعم السريع بتشكيل حكومة موازية، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع السياسي والاقتصادي.

كما أن استئناف الدراسة جزئياً في المدارس والجامعات، بالإضافة إلى تحديد مواقع امتحانات الشهادة السودانية، قد أثار قلقاً مشابهاً بين المواطنين. هذه التطورات تشير إلى حالة من عدم الاستقرار، حيث تتزايد المخاوف من أن تؤدي هذه القرارات إلى تفكيك الوحدة الوطنية وتعميق الانقسامات في المجتمع السوداني.

خطوة لتقسيم السودان

وفي أول رد لها، أعلنت قوات الدعم السريع رفضها قرار بنك السودان المركزي بشأن تغيير فئتي الألف والخمسمائة جنيه. اعتبرت في بيانها أن القرار يعد خطوة أولى في إطار خطة لتقسيم السودان وفصل مناطقه، مشددة على أنها ستعارض هذا القرار. حثت المواطنين على عدم التعامل بالعملة الجديدة حيث أنها لا تفي بالالتزامات المالية. وأكدت أن هذا القرار غير قانوني ويخالف نظم الحماية المالية للأفراد في أوقات الكوارث والحروب، واعتبرت أنه تصرف متهور اقتصاديًا لتحقيق أهداف سياسية معروفة. يُشير الخبير المصرفي والمسؤول السابق في بنك السودان محمد عصمت إلى أن قرار تغيير العملة قد يؤدي إلى تعميق الانقسام في البلاد إلى منطقتين تعتمد على الجهة المسيطرة (الحكومة والدعم السريع). وأشار إلى أن للقرار أهداف معينة تتعلق بالحرب، حيث يسعى إلى “إسكات” الانتقادات الموجودة بين الجمهور في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. تشهد مناطق واسعة في دارفور نقصاً في السيولة النقدية، مما تسبب في ارتفاع عمولة التحويل من التطبيقات المصرفية مثل بنكك إلى النقد لأكثر من 25 في المئة، بينما تجاوزت هذه النسبة بكثير في بعض الأماكن.

في نفس السياق، يعتقد المحلل المالي أحمد بن عمر، خلال مقابلة مع راديو دبنقا، أن قرار بنك السودان قد يفضي إلى مزيد من التعقيدات السياسية، مشيراً إلى أنه يعزز الانفصال الإداري وقد يؤدي إلى تأسيس حكومة ذات قيادتين أو نظامين ماليين مختلفين. ورأى أن تغيير العملة يُعتبر خطوة تصعيدية مماثلة لما قامت به قوات الدعم السريع سابقاً من توقف تدفق السلع والبضائع إلى المناطق التي تسيطر عليها الجيش ومصر. في نفس الإطار، يوضح الدكتور حافظ الزين، أستاذ الاقتصاد في عدة جامعات والمقرب من قوات الدعم السريع، أن تغيير العملة يعد تمرينًا على الانفصال النقدي، والذي يتبعه انفصال سياسي ثم انفصال جهوي.

معالجة الآثار السالبة

وفقًا للبيان الصادر عن البنك المركزي، فإن قرار تغيير الفئات النقدية يهدف إلى معالجة الآثار السلبية الناتجة عن الحرب المستمرة في البلاد. وقد اتهم البنك قوات الدعم السريع بتنفيذ عمليات نهب واسعة لمقر بنك السودان المركزي ومطبعة السودان للعملة في الخرطوم. كما أشار إلى انتشار كميات كبيرة من العملات غير المعروفة المصدر و غير المطابقة للمواصفات الفنية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في مستوى السيولة النقدية، مما أثر سلبًا على استقرار الأسعار العامة. أكد بنك السودان المركزي أنه سيحدد لاحقاً موعد إنهاء التعامل بالطبعات الحالية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه، مع اعتبارها عملة غير مبرئة للذمة. وقد دعا المواطنين لفتح حسابات في المصارف. استجابة لبيان بنك السودان، قامت مجموعة من المصارف بتسهيل إجراءات فتح الحسابات واستلام العملات النقدية من فئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه. وفقا لبيانات البنك المركزي، يتألف الجهاز المصرفي في البلاد من 38 مصرفًا، منها 16 بنكًا سودانيًا و22 بنكًا مختلطًا، ويبلغ إجمالي عدد فروعها 833 فرعًا و77 نافذة و73 مكتبًا للتوكيل. وكانت الخرطوم تحتوي وحدها على 435 فرعًا، مما يمثل 49% من إجمالي الفروع في السودان. أظهر تقرير سابق صادر عن بنك السودان المركزي أن 70% من فروع البنوك في مناطق النزاع قد توقفت عن العمل. وبعد مرور عام ونصف على بدء الحرب، يوجد حالياً حوالي 427 فرعاً يعمل في الولايات الآمنة، مما يمثل نصف العدد الإجمالي للبنوك.

أسباب نظرية

من الناحية النظرية، يرى محمد عصمت أن الدول تتجه إلى تغيير العملة عندما تنتشر ظاهرة تزوير العملة بشكل واسع يتجاوز المعدلات المعتادة. كما أشار إلى أن من بين الأسباب الرئيسة هو ازدهار السوق السوداء للعملة، وخاصة في ما يتعلق بتجارة المخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر والأعضاء، بالإضافة إلى عمليات التهريب. يمكن أيضًا أن تلجأ الدول إلى تغيير العملة بسبب سياسات اقتصادية وتجارية خاصة بها. ويضيف أن من بين الأسباب الأخرى هو الارتفاع الكبير في معدلات التضخم، الذي يؤدي إلى تدهور قيمة العملة وفقدانها قيمتها، أو زيادة تهريب الأموال إلى خارج البلاد من خلال استخدام الذهب والعملات الأجنبية كمخازن للقيمة. كما أن بعض الدول قد تلجأ إلى تغيير العملة في حال حدوث إفلاس وعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها. وقد ذكر أيضًا أسبابًا فرعية أخرى مثل خروج الكتلة النقدية من النظام المصرفي.

آثار  متوقعة

يعتقد المحلل المالي أحمد بن عمر أن القرار قد يثمر عن نتائج إيجابية، مثل تقليل عرض النقود وتنظيم بعض عمليات الطباعة. لكنه، في الوقت نفسه، قد يؤدي إلى زيادة التعقيدات السياسية والفصل الإداري. وأكد على ضرورة تنظيم المؤسسات المالية والإدارية لتجنب تفاقم هذه التعقيدات. من ناحيته، فقد قلل الخبير المصرفي محمد عصمت من تأثير تغيير العملة على الوضع الاقتصادي في البلاد، مشيرًا إلى أنه (من الجانب الاقتصادي، لا أعتقد أن هذا سيساهم في تحسين الوضع). مؤكدًا في الوقت نفسه أن تغيير العملة لن يكون له تأثير إيجابي إلا في حالة استقرار البلاد. لم يستبعد عصمت أن ينجم عن القرار آثار إيجابية على المدى القصير في بدايته، ولكنه أشار إلى أن ذلك لن يؤثر على الوضع الاقتصادي بشكل عام في البلاد. وأكد أن تعافي الاقتصاد مرتبط بوقف الحرب وتحريك التنمية. وأكد أن هناك كتلة نقدية كبيرة ظلت خارج النظام المصرفي لمدة 30 عاماً نتيجة للتدهور المستمر وعدم الاستقرار السياسي. يعتقد الدكتور حافظ الزين أن الفئات الجديدة لن تقدم شيئًا جديدًا، وستكون مشابهة للفئات السابقة من حيث قيمتها الاقتصادية التبادلية، في ظل معدلات التضخم العالية والغير منضبطة قبل وبعد الحرب. يواجه الاقتصاد السوداني معدلات تضخم مرتفعة تجاوزت 300% وفقًا لأحدث التقديرات، في ظل وجود 95% من الكتلة النقدية التي تُقدّر بحوالي 900 تريليون جنيه خارج النظام المصرفي.

تحديات في مناطق سيطرة الدعم السريع

يصرح الخبير المالي أحمد بن عمر لراديو دبنقا أن تغيير العملة سيؤدي إلى خروج دارفور وكردفان من دائرة التداول النقدي. يتفق محمد عصمت مع أحمد بن عمر حول تأثير القرار على الأوضاع في دارفور وكردفان، مشدداً في الوقت ذاته على صعوبة التنبؤ بحجم هذا التأثير. يقول عصمت إن الولايات الحدودية في شرق وغرب السودان تلجأ أحيانًا إلى تبادل السلع باستخدام عملات البلدين، مشيرًا إلى الفرنك والجنيه في التجارة الحدودية بين دارفور وتشاد وإفريقيا الوسطى، وذلك بعد توقف تجارة المقايضة.

سيناريوهات

يتوقع محمد عصمت أن الفئات الجديدة قد تتمكن من التسلل إلى إقليمي دارفور وكردفان بسبب صعوبة السيطرة على تدفق الأموال، إلا إذا تم تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي والنقدي. ويشير أيضًا إلى إمكانية أن يلجأ الدعم السريع إلى خيارات مثل اعتماد العملة السودانية المتداولة كوسيلة لتبرئة الذمة والاستمرار في استخدامها. يتوافق أحمد بن عمر مع محمد عصمت حول إمكانية استمرار الدعم السريع في التعامل بالنقود الورقية التي ألغتها الحكومة في بورتسودان، وأشار إلى أن بعض التجار لا زالوا يستخدمون الفرنك في تعاملاتهم مع تشاد وأفريقيا الوسطى بسبب نقص السيولة. اعتبر الدكتور حافظ الزين تغيير العملة بمثابة انتحار اقتصادي، موضحًا أن قوات الدعم السريع ستستفيد من هذه القرارات إذا تم تطبيقها من خلال تنفيذ خطط تتعلق بالاقتصاد النقدي و اقتصاديات الحرب لمواجهة التحديات المتعلقة بهذه الحرب النقدية. بإيجاز، يتفق الخبراء على أن جميع المشكلات الاقتصادية والقضايا المصرفية لا يمكن حلها إلا من خلال إنهاء الحرب، وتحقيق السلام، وتأسيس حكومة مدنية.

عن مصدر الخبر

راديو دبنقا