أكد اللواء شرطة حيدر أحمد سليمان، المدير السابق للمكتب الوطني لمنظمة الانتربول في السودان، أن الانتربول تعتبر أكبر منظمة جنائية دولية على مستوى العالم. وأشار إلى أن الاجتماع الأخير الذي عقد قبل أيام في اسكتلندا شهد مشاركة 196 دولة عضو.
قال سليمان لراديو دبنقا إن الانتربول يختلف عن جميع المنظمات الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة، بسبب وجود شبكة اتصال تعمل على مدار الساعة تربط جميع الدول الأعضاء ببعضها البعض. ومن خلال هذه الشبكة، يمكن إرسال الرسائل والتقارير في ثوانٍ، سواء كانت موجهة إلى جميع الدول الأعضاء أو تستهدف دولاً معينة أو جهة محددة طلبت الخدمة. وأشار إلى أن من الواجبات الأساسية لمنظمة الإنتربول هو تقديم الدعم لأجهزة الشرطة أو الجهات المعنية بإنفاذ القانون في الدول الأعضاء، وذلك من خلال النشرات التي يمكن أن تصدرها الإنتربول. بالإضافة إلى ذلك، تقدم المنظمة العديد من الخدمات الأخرى المتعلقة بتدريب الموظفين، والمساعدة في التحقيقات، والتعرف على العديد من الأساليب الحديثة المستخدمة في الجرائم.
النشرة الحمراء
أوضح أن النشرة الحمراء تُعتبر واحدة من النشرات المعترف بها في الإنتربول، وهي إحدى الوسائل الضرورية لتقديم المساعدة لأي جهة. وأشار إلى أنها تمثل طلبًا تقدمه دولة ما أو المحكمة الجنائية الدولية أو مجلس الأمن الدولي إلى الأمانة العامة للإنتربول، التي تقوم بدورها بتعميمها على هذه الدول. وأكد أن الدولة لا تتواصل مع الدولة التي تظن أنها تستضيف الأشخاص المطلوبين لديها. وأضاف قائلاً: “لكن يتم التواصل مع الأمانة العامة التي تتواجد في ليون بفرنسا، ومن ثم يتم توزيعها على الدول الأعضاء أو الدولة المعنية. وأوضح أنه عندما تتقدم دولة بطلب لإصدار نشرة حمراء، لا يتم الموافقة عليه بشكل تلقائي لمجرد استلام الطلب، بل يعرض طلب الدولة المعنية على فريق خاص يُسمى ‘فريق عمل إصدار النشرات وتعميمها’.”
وفي هذا السياق، أصدر النائب العام لجمهورية السودان، الفاتح طيفور، أوامر بالقبض على 346 متهماً هارباً من قادة قوات الدعم السريع، كما طلبت الشرطة الجنائية الدولية “الأنتربول” إصدار نشرة حمراء ضد 16 شخصية أخرى من قادة وعناصر تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، وعلى رأسهم رئيس التنسيقية د. عبدالله حمدوك، رئيس الوزراء السابق. وصف الخبير القانوني والضابط السابق في الإنتربول، د. عبدالرحيم حاج الأمين، موقف تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم” التي خاطبت الإنتربول بعدم تنفيذ مذكرة النائب العام بإصدار النشرة الحمراء، بأنه قرار صحيح وخطوة مناسبة لتبرئة أنفسهم. وأكد أنهم أبلغوا الإنتربول بعدم ارتباطهم بهذا الإجراء وأنه مبني على أسس سياسية. وأشار إلى أن المادة 3 من قانون الإنتربول تحظر عليه التدخل في توقيف المطلوبين لأسباب سياسية.
المادة 3:
أشار المدير السابق للانتربول في السودان، اللواء حيدر أحمد سليمان، إلى أن هذا الفريق يتكون من ضباط شرطة ومحامين يقومون بدراسة وتقييم هذا الطلب ومدى توافقه مع النظام الأساسي للانتربول، مع التركيز على المادة 3 التي تعتبر هامة في تقييم طلبات النشرات، حيث تتعلق بعدم تدخل الانتربول في القضايا السياسية أو الدينية أو العنصرية أو العسكرية، لكنه أضاف أن “هذا الأمر كان في السابق”.
مكافحة الجرائم:
قال لـ “راديو دبنقا”: أصبح من أولويات الإنتربول اليوم مكافحة جرائم الإرهاب، التي أصبحت تتضمن دوافعًا سياسية أو عنصرية أو دينية، ولا يوجد شك في ذلك. هذه الجرائم تؤدي إلى أفعال إرهابية، خاصةً فيما يتعلق بالإبادة الجماعية والتهجير القسري وجرائم الاغتصاب. بغض النظر عن المادة 3 في النظام الأساسي، يبدأ الإنتربول بإصدار نشرات حمراء، كما حدث في رواندا خلال حرب المئة يوم التي انطلقت في أبريل وانتهت في يوليو 1995، حيث بلغ عدد الضحايا حوالي مليون. وأضاف قائلًا: “تم اعتقال عدد كبير من المتهمين وتقديمهم للمحاكم الثابتة في العاصمة الرواندية كيجالي، وفي إقليم أروشا بتنزانيا، وكذلك في مدينة ليون في فرنسا. وما ترتب على ذلك يشبه ما يحدث الآن في السودان، ولكنه أخطر بكثير وأشد فظاعة مما حدث في رواندا”.
اعتبر أن القيمة القانونية للنشرة الحمراء تختلف من دولة لأخرى، حيث تُعد واحدة من أهم نشرات الانتربول. وأرجع السبب إلى عدم وجود اتفاقيات أو معاهدات دولية تنظم هذه النشرات، مما يؤدي إلى أن بعض الدول تعطي للنشرة الحمراء قيمة قانونية أكبر، بينما قد لا تعطيها دول أخرى نفس المستوى من الأهمية. رأى أنه من الضروري وجود معاهدة دولية تشبه المعاهدات الموقعة بين الدول الأعضاء، تتعلق بكيفية التعامل مع النشرات الحمراء.
وأوضح أنه بالرغم من وجود اتفاقيات لتسليم المجرمين بين الدول، كان هناك دولة في الماضي تستخدم عدم وجود اتفاقية كذريعة لتفادي تسليم المجرمين، لكن الانتربول شجع الدول على اتخاذ خطوات للتعامل بالمثل. بيّن أن المطلوب الآن من جميع الدول هو أن لا تكون أي دولة ملاذًا آمنًا أو مكانًا يختبئ فيه مرتكبو الجرائم، بحيث يتمكنون من الإفلات من الملاحقات القانونية والقضائية. ولذلك، لم يعد من الضروري أن توجد اتفاقية، بل يجب أن تتعامل الدول بالمثل.
النشرة الزرقاء:
قال اللواء سليمان لـ “راديو دبنقا” إن النشرة الزرقاء صدرت بخصوص اثنين من المطلوبين من قادة قوات الدعم السريع، لكنه غير متأكد مما إذا كانت قد صدرت بناءً على طلب من مجلس الأمن الدولي أم لا. وأوضح أن المجلس والمحكمتين الدوليتين (“العدل الدولية” و”الجنائية الدولية”) لديهما اتفاقية مع الانتربول، أو أنه يمكن أن يكون قد تم إصدار النشرة بناءً على طلب حكومة السودان.
وأضاف: “إن الغرض الأساسي من النشرة الزرقاء هو الكشف عن مواقع الأشخاص الذين يمثلون أهمية في تحقيق جنائي تطلبه الجهة التي أصدرت النشرة. هذه النشرة تهدف إلى تحديد مكان وجود الأشخاص المطلوبين في أي دولة، بالإضافة إلى التعرف على الهويات التي يحملونها بغض النظر عن جنسيتهم الأصلية، حيث يمكن أن يحصل الشخص على جنسية جديدة من خلال الإقامة. ومع ذلك، تطلب النشرة الزرقاء من الدول الأعضاء تحديد موقع الشخص المطلوب الذي يعتبر ذا أهمية في التحقيقات التي تجريها الدولة الطالبة، سواء من حيث هويته أو حضوره أو مكان تواجده أو حركته.”
نشرات أخرى:
في نفس السياق، أوضح الخبير والضابط السابق في الانتربول د. عبدالرحيم حاج الأمين لـ”راديو دبنقا” أن هناك عدة نوعيات من النشرات التي تصدر عن الانتربول بخلاف الحمراء والزرقاء. فعلى سبيل المثال، النشرة الخضراء تُستخدم لتنبيه الدول عن الأشخاص الذين يمثلون خطراً على السلامة العامة، مثل المجرمين الذين تم الإفراج عنهم ويُعتقد أنهم قد يعاودون ارتكاب الجرائم.
وهي بذلك تُعد تحذيراً للدول الأخرى بشأن شخص معين. وأضاف أن هناك أيضًا النشرة الصفراء التي تُصدر بهدف البحث عن المفقودين، خاصة القُصر، أو للتعرف على الأشخاص الذين لا يستطيعون تحديد هويتهم. أشار إلى أن الإنتربول يمتلك النشرة السوداء التي تُصدر أو تُستخدم للإعلان عن الجثث التي لا يُعرف أصحابها. تُستخدم النشرة البرتقالية أيضاً للتحذير من حدث أو شخص أو مادة تُشكل خطرًا على السلامة العامة.
تُستخدم النشرة البنفسجية لتبادل المعلومات المتعلقة بالأساليب الإجرامية، مثل أساليب الهروب أو تنفيذ الجرائم. أشار الخبير القانوني في مجال الإنتربول حاج الأمين إلى وجود ملف الاسترداد، وهو الملف الذي ترسله الدولة التي تطالب بالتسليم إلى الدولة التي تم فيها تنفيذ أمر القبض، ويتم إرساله عبر القنوات الدبلوماسية بعد عملية القبض. يبدأ الأمر بفتح الدعوى الجنائية واستكمال التحريات وإصدار أمر القبض بحق الشخص المتواجد خارج السودان، حيث يتم تصوير ملف التحريات بصورة واحدة بالإضافة لأمر القبض. وأوضح أنه يتم ختم جميع الصفحات (حالياً) بختم النيابة المعنية، ثم تُرسل نسخة من الملف إلى (لجنة مختصة) في ديوان النائب العام للتحقق من اكتمال الإجراءات الشكلية.
بعد ذلك، يُرسل الملف إلى إدارة الإنتربول في (الشرطة السودانية) التي تتولى إرسال أمر القبض إلى الإنتربول في الدولة المعنية، وعند القبض على الشخص، تطلب تلك الدولة الملف الذي يُرسل بالطرق الدبلوماسية كما تم الإشارة إليه. بين الخبير القانوني والضابط السابق في الإنتربول أن هناك طريقتين لتسليم المطلوبين، الأولى هي التسليم الإداري الذي يتم خارج الإطار القضائي (المحكمة المختصة)، وذلك بموافقة الشخص المطلوب للعودة إلى السودان، أو يمكن إبعاده إذا انتهك قوانين الإقامة. الطريقة الثانية للتسليم القضائي تتم بعد عرض المتهم والملف على المحكمة المختصة التي تبت في طلب التسليم، لكنه أشار إلى أن المقبوض عليهم غالبًا ما يتذرعون بأنهم مطلوبون في قضايا سياسية. قال د. حاج الأمين، استنادًا إلى خبراتنا في مجال المحاماة، قمنا بإجراءات ثلاثة ملفات، حيث قمنا بتسليم اثنين إداريين والملف الثالث قضائي في كل من لبنان ومصر.
تجارب في توقيف متهمين:
في الثالث والعشرين من سبتمبر 2004، تم القبض على العميد عبدالعزيز خالد، رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني السوداني وعضو هيئة قيادة التجمع الوطني الديمقراطي، بناءً على طلب من الإنتربول العربي في مطار أبوظبي الدولي. وتم إحالته إلى النيابة العامة للتحقيق معه بشأن مذكرة اعتقال صادرة بحقه من السلطات السودانية بتهمة القيام بأعمال إرهابية، وقد تم تسليمه إلى السودان بعد شهر من اعتقاله.
في يناير، أعلنت الإمارات أنها قادت عملية كبيرة بالتعاون مع الشرطة الدولية في السودان، أسفرت عن اعتقال رئيس شبكة ضخمة لتهريب البشر. ويدعى “كيدان زكرياس حبت مريم”، المعروف باسم “كيدان”، وهو إريتري الجنسية، وتم توقيفه في الأول من يناير في السودان، حيث تُوجه إليه اتهامات تشمل تهريب المهاجرين والاتجار بالبشر وغيرها من الجرائم. سبق أن تم اعتقال كيدان في إثيوبيا عام 2020، لكنه تمكن من الهرب بعد عام واحد، وتم الحكم عليه لاحقًا غيابيًا بالسجن المؤبد. وفقًا للإنتربول، فإن كيدان “مطلوب لقيادته منظمة إجرامية قامت على مدى سنوات عديدة باختطاف ومعاملة وإيذاء وابتزاز المهاجرين من شرق إفريقيا من أجل تهريبهم إلى أوروبا”، حيث قام بتهريب “مئات من الضحايا”.