حذر الخبراء من انتشار السلاح بين المليشيات القبلية في السودان، مما ينذر بإشعال نيران الحرب الأهلية في البلاد نتيجة تصرفات قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان. أفاد الخبراء في حديثهم لـ “إرم نيوز” أن البرهان يسعى لإدخال القبائل في الصراع العسكري، وهي خطوة قد تؤدي إلى جر البلاد نحو حرب أهلية من شأنها أن تفاقم الأوضاع الكارثية التي يعاني منها السودانيون حالياً.
وفي هذا السياق، صرح المحلل السياسي عمار الباقر بأن “الأمر كان واضحًا منذ البداية أن جنرالات الجيش السوداني يرغبون في تحويل النزاع إلى حرب أهلية، بهدف استقطاب أطراف متعددة لتقاتل بالنيابة عنهم”. استند في حديثه إلى عمليات تسليح المدنيين بشكل واسع، من خلال تسميات مثل “المقاومة الشعبية” وغيرها من الميلشيات القبلية.
وأوضح لـ”إرم نيوز” أن “البرهان عمل على جذب القبائل وتزويدها بالسلاح لمواجهة قوات الدعم السريع، كما حدث في دارفور، وخاصة في مدينة الجنينة حيث قام بتسليح قبيلة المساليت ودفعها للقتال ضد قوات الدعم السريع على مدار شهرين”.
بينما كانت قوات الجيش في ذلك الوقت مختبئة في مقر الفرقة الخامسة عشرة في المدينة، بعد أن تمكنت استخباراتها من تحويل الصراع إلى مواجهة بين قبيلة المساليت والقبائل العربية التي ينتمي إليها معظم مقاتلي قوات الدعم السريع، وفقاً لما ذكره. حاول البرهان نقل نموذج الجنينة إلى الفاشر وتحويل النزاع هناك إلى صراع داخلي بين قبيلة الزغاوة والقبائل العربية، لكنه لم ينجح في ذلك بسبب وعي السكان الذين كانوا على دراية بتجربة الجنينة، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من مقاتلي الزغاوة ضمن قوات الدعم السريع، بحسب قوله. تجارب سكان دارفور المؤلمة مع الجيش السوداني الذي استمر في استخدام القوة بينهم على مدى أكثر من عشرين عامًا، هي التي حالت دون تحول الصراع إلى حرب أهلية. لذا، هم يعيشون الآن في أفضل حالاتهم من حيث الأمن، ولا يخافون سوى من غارات الطائرات الحربية التابعة للبرهان، كما يقول الباقر.
مجازر مدنية
أشار الباقر إلى أنه بعد فشل خطة دارفور، بدأ البرهان في تسليح القبائل في وسط السودان، واستعدائها ليس فقط ضد الدعم السريع، بل أيضًا ضد المكونات الاجتماعية القادمة من كردفان ودارفور، حيث تم تصويرهم من خلال إعلان الجيش بأنهم حواضن ومتعاونون مع الدعم السريع.
وأفاد أن نتيجة هذا التحريض كانت مجازر ضد المدنيين في عدة مناطق دخلها الجيش خلال الفترة الماضية. في أواخر أكتوبر الماضي، اتهمت منظمات حقوقية وزعماء محليون الجيش السوداني بقتل أكثر من 350 مدنياً في مدينة الدندر وقرى شرق سنار، زاعمين أنه كان يتذرع بالتعاون مع قوات الدعم السريع التي كانت تسيطر على تلك المناطق ثم انسحبت منها. أكدت تقارير حقوقية في ذلك اليوم أن الجيش، بالتعاون مع كتائب الحركة الإسلامية، نفذوا حملة اعتقالات واستهداف في مدينة “الدندر”، استهدفت مدنيين أبرياء وفقًا لمعايير العرق والانتماء القبلي.
وقد أسفرت هذه الحملة عن مقتل المئات، جميعهم من أبناء قبائل غرب السودان، بزعم تعاونهم مع قوات الدعم السريع خلال فترة سيطرتها على المدينة. أكدت التقارير أن المجزرة استهدفت 72 عائلة، جميع أفرادها من المدنيين الذين ليس لهم أي علاقة بالصراع. كما تم قتل بعض أصحاب المطاعم وبائعات الشاي بسبب تقديمهم الطعام أو الخدمات لقوات الدعم السريع خلال فترة سيطرتها على المدينة.
سبق أن وقعت العديد من الانتهاكات في مناطق مختلفة من السودان ضد أفراد ينتمون إلى عرقيات تمثل قاعدة اجتماعية لقوات الدعم السريع في دارفور وكردفان، بعد توجيه اتهامات لهم بالانتماء للقوات التي تحارب الجيش منذ 15 من أبريل/نيسان الماضي.
شرق الجزيرة
بدوره، أبدى المحلل الأمني عادل بشير قلقه من تزايد خطاب الكراهية في الآونة الأخيرة، والذي تروج له الجماعات الداعمة للجيش، حيث تُصوَّر فيه الحرب وكأنها تستهدف قبائل غرب السودان، بدلاً من كونها موجهة ضد قوات الدعم السريع.
قال بشير لـ”إرم نيوز” إن “خطاب الكراهية الذي يتزامن مع عملية تسليح القبائل في وسط السودان، وخاصة في شرق ولاية الجزيرة، قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على مستقبل السلام في المنطقة”. وأشار إلى أن البرهان أعلن سابقاً عن تزويد قبيلة الشكرية في شرق الجزيرة بالسلاح لمواجهة قوات الدعم السريع. حثّ البرهان على الحرب الأهلية أثناء زيارته لمنطقة البطانة في وسط البلاد لتقديم التعازي لعائلة قائد الجيش العميد أحمد شاع الدين، الذي قُتل في معارك مع قوات الدعم السريع.
تعهد البرهان للسكان في منطقة البطانة بتسليح أي فرد قادر على استخدام السلاح، مشيرًا إلى أنه قام سابقًا بتسليح من طلبوا ذلك، والآن سيتم تسليح قبيلة الشكرية كما طلبت، حسب ادعائه. قال البرهان موجهًا حديثه للقبيلة: “نحن نعرف الشكرية إذا أطلقنا لهم العنان، وقلنا لهم انطلقوا دون أن يتوقفوا”، في إشارة إلى تسليحهم ودفعهم للقتال ضد قوات الدعم السريع بدلاً عن الجيش.
تمليش القبائل
وأكد المحلل السياسي صلاح حسن جمعة أن الجيش السوداني أصبح الآن مدمجاً في “التمليش المناطقي والقبلي” الذي يتبعه جنرالات الجيش، مما يشكل خطرًا بحدوث حرب شاملة بين جميع الأطراف، بحسب قوله.
قال جمعة، في تصريح لـ”إرم نيوز”، إن “الجيش السوداني تحول إلى حارس لمصالح بعض الجهات الإقليمية، مما يعزز من توجه القبائل لتسليح نفسها وتشكيل مليشيات خاصة بها للدفاع عن حقوقها في الثروات والسلطة.” وأفاد أن “التسلح القبلي المنتشر حالياً يحدث تحت إشراف البرهان أو بمعرفته وموافقته، ولكنه سيتحول ضده في يوم من الأيام، مهما حاول التملص من ذلك”. وأنهى بالقول: “لقد أصبح السودانيون متأكدين من أن البرهان يواصل تكوين مجموعات مسلحة خارج نطاق الجيش، بهدف حماية سلطته.”