السودان الان السودان عاجل

تقرير بريطاني : الذهب السوداني.. من مناجم الحرب إلى أسواق مصر عبر التهريب وسط غض الطرف لدعم الجنيه المصري

مصدر الخبر / وكالات

ترجمة وتحرير: نون بوست  

بعد مرور أكثر من 18 شهرًا على الصراع القائم بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، تنمو تجارة تهريب الذهب بشكل ملحوظ على الحدود بين السودان ومصر.

تعتبر هذه التجارة، التي يشارك فيها عشرات الآلاف من الأفراد وتجتذب أشخاصًا من دول أخرى بخلاف السودان ومصر، جزءًا من شبكة من الجرائم المنظمة التي تمتد عبر الحدود. يوجد في مصر تقريبًا 125 منطقة تعدين تقليدية في النوبة بجنوب البلاد، كما يمكن العثور على الذهب في الصحراء الشرقية، وهي منطقة تمتد على 223,000 كيلومتر مربع من الصحراء الكبرى شرق نهر النيل، وعبر ساحل البحر الأحمر، ومنطقة المثلث الحدودي بين مصر والسودان وليبيا.

وفقًا للهيئة المصرية للثروة المعدنية، فإن الشركات الرائدة في مجال التعدين هي شركة شلاتين المملوكة للدولة، بالإضافة إلى شركتي حمش مصر والسكري، اللتين تعود ملكيتهما لشركة سنتامين، وهي شركة تعدين ذهب متعددة الجنسيات ومقرها في جزيرة جيرسي التي تعتبر ملاذًا ضريبيًا.

تشارك شركات بريطانية وروسية وأسترالية بالإضافة إلى شركات دولية أخرى في التنافس على الذهب في المنطقة؛ حيث قامت مصر مؤخرًا بفتح مناطق جديدة لتعدين الذهب في الصحراء الشرقية ضمن منطقة “المثلث الذهبي”.

أفاد أحمد حسين، وهو عامل تعدين سوداني وصل حديثًا إلى أسوان، بأنه تم فتح أكثر من 10 مناطق جديدة لاستخراج الذهب في محافظة أسوان مؤخرًا، من قبل عمال المناجم المحليين الذين قاموا بهذه المبادرة من تلقاء أنفسهم دون أي إشراف من الحكومة. على الجانب الآخر من الحدود، تم فتح أو توسيع مناطق تعدين جديدة في ولايات البحر الأحمر والشمالية ونهر النيل منذ بداية الحرب في أبريل 2023. وتحقق المواقع القريبة من الحدود المصرية نجاحًا كبيرًا بسبب عوامل لوجستية، خاصةً سهولة نقل الإمدادات من مصر.

قال عامل التعدين إبراهيم: “تم فتح مناطق تعدين جديدة أو توسيع مناطق قديمة في ولاية البحر الأحمر بالقرب من الصحراء التي تفصل بين مصر والسودان. وقد شهدت هذه المنطقة ازدهارًا، حيث يتم التعدين في مناطق مثل ‘المطار’ و’الميرج’ و’جبل نمير’ و’نورايا’ و’الأنصاري’ و’التبريدة’ و’العبار’ وغيرها.” وأبرز إبراهيم منطقة “صلاح” للتعدين الواقعة في جنوب مصر، والتي شهدت توسعاً بالقرب من شلاتين، أكبر مدن مثلث حلايب، وهو إقليم متنازع عليه بين مصر والسودان. تأسست المنطقة في عام 2017، وعمل إبراهيم فيها حتى عام 2023. وقال إنه كان هناك نحو 20,000 سوداني آخر يعملون معه، بالإضافة إلى آلاف المصريين.

قال لموقع ميدل إيست آي: “عملت في ذلك المكان لمدة تقارب الثلاث سنوات، كنا نأخذ الذهب إلى البلدان التي تكون فيها الأسعار أعلى. في السابق كنا نتوجه إلى السودان، لكن مؤخرًا أصبحت مصر خيارًا أفضل لنا لأن الأسعار هناك أعلى في الوقت الحالي.”

تكتيكات منظمة

يأتي عدد كبير من عمال مناجم الذهب السودانيين إلى أسواق الذهب في أسوان لبيع الذهب الذي يمتلكونه للمشترين، لكن بسبب أن هذا النشاط غير قانوني، يتم تهريب الذهب غالباً إلى مصر بواسطة عصابات منظمة ومهربين. وفقًا لعدة مصادر، تم تهريب كميات كبيرة من الذهب من السودان إلى مصر، بينما يتم نقل الوقود الرخيص والأسلحة والسّلع الأخرى في الاتجاه المعاكس.

قال أحد المهربين السودانيين لموقع “ميدل إيست آي” إنهم يقومون بشراء الذهب إما مباشرة من صغار المعدنين أو أحياناً من الأسواق في ولايتي نهر النيل والبحر الأحمر بالسودان. وشرح الطرق التي يعتمدها المهربون لنقل الذهب عبر الحدود من السودان إلى مصر، حيث تختلف الأساليب المستخدم حسب كمية الذهب التي يتم تهريبها.

قال المهرب لموقع ميدل إيست آي: “يحاول الأفراد الذين يأتون عبر الحدود بشكل قانوني إخفاء الذهب في ملابسهم، أو تخفيه النساء على أجسادهن”، وأضاف أنه عندما يتم تهريب الأشخاص أنفسهم إذا كانوا يعبرون الحدود بطريقة غير قانونية، فقد يطلب منهم المهرب الذي يقود السيارة التي يستقلونها إخفاء الذهب، وفي بعض الأحيان قد يكون ذلك مقابل الحصول على توصيلة مجانية. ذكر عامل آخر في مجال التنقيب عن الذهب أن جبال وصحاري شمال السودان وجنوب مصر توفر الظروف المثلى لشبكة تهريب البشر، ليس فقط من السودان، بل أيضاً من إثيوبيا وإريتريا ومناطق أخرى في إفريقيا.

وأشار عامل المنجم إلى أن رجالًا أقوياء ومسلحين من قبائل العبابدة والرشايدة والبشارية، الذين يتواجدون حاليًا على جانبي الحدود، هم التجار الأساسيون الذين يقومون بنقل الذهب من السودان إلى مصر. قال المُنقّب لموقع ميدل إيست آي: “أعتمد على هؤلاء الرجال القوياء في نقل الذهب. هم يعرفون جيدًا الطرق السرية التي تمر عبر الجبال والصحاري، ويتلقون عمولة عن كل شحنة تصل من السودان”.

وأشار إلى أنه يتم تسليم الذهب في مواقع محددة مسبقاً في المناطق الجبلية في جنوب مصر، مثل أسوان والأقصر وكوم أمبو وإدفو، حيث تُعقد الاتفاقات مسبقاً بين المهربين والجهة المسؤولة عن النقل. أوضح المُنقّب أن طريقة الدفع تعتمد على نوع الصفقة، مشيراً إلى أن “الدفع بالدولار يتم أحياناً بشكل مُسبق، وفي حالات أخرى يتم بالتزامن مع تسليم الذهب. كما قد يتم استبدال الذهب أحياناً بسلع غير قانونية، مثل الوقود، والزئبق، والسيانيد، وغيرها”. وفي سياق متصل، أفصح أحد السائقين المنخرطين في أنشطة التهريب عن استراتيجيات جديدة لتفادي اكتشاف السلطات، حيث قال: “من الطرق المألوفة تغيير السيارة التي تُستخدم لنقل الذهب فور اجتياز الحدود، ففي بعض الأحيان أبيع السيارة مباشرة بعد دخولها لمصر، وفي أحيان أخرى أعمل على تفكيكها وبيعها كقطع غيار.”

السلطات المصرية تُتهم بغض الطرف

مع تزايد تجارة تهريب الذهب وتحولها إلى نشاط اقتصادي كبير ومربح، تتعرض السلطات المصرية لانتقادات بسبب اتهامات بالتجاهل لهذه الممارسات غير القانونية. تأتي هذه الانتقادات في وقت تسعى فيه البلاد لزيادة احتياطياتها من الذهب لدعم الجنيه المصري، الذي شهد انخفاضًا حادًا أمام الدولار. ففي يناير 2023، قامت الحكومة المصرية بخفض قيمة عملتها بنسبة 40%، مما أدى إلى وصول سعر صرف الجنيه إلى 0.03 دولار، ثم اعتمدت سياسة التعويم في مارس 2024، مما تسبب في انخفاض جديد لقيمته إلى 0.02 دولار. ورغم هذا الانخفاض، حققت مصر زيادة ملحوظة في احتياطياتها من الذهب التي ارتفعت في عام 2023 إلى 126 طناً، وهو أعلى مستوى في تاريخ البلاد. وفقاً لمعلومات وزارة البترول والثروة المعدنية، عملت الحكومة منذ عام 2019 على تعزيز إنتاج الذهب كجزء من استراتيجيتها لدعم الاقتصاد الوطني.

وشملت هذه الجهود إصدار تشريعات جديدة تهدف إلى جذب الاستثمارات المحلية والدولية من خلال طرح مناقصات، مما يعكس أهمية هذا القطاع الحيوي في تعزيز الاقتصاد المصري. حتى عام 2023، شاركت 11 شركة فقط، محلية ودولية، في المناقصات المتعلقة بالتنقيب عن الذهب في مصر، حيث كانت جهودها مركزة على مناطق الصحراء الشرقية وساحل البحر الأحمر. ومع ذلك، لم تتجاوز العائدات 65 مليون دولار خلال ثلاث سنوات تقريباً.

ولكن، بناءً على إحصائيات متنوعة، حققت الإيرادات زيادة كبيرة منذ ذلك الحين؛ إذ ارتفعت عائدات مصر من إنتاج الذهب بشكل ملحوظ من 6 مليارات دولار في عام 2022 إلى 8.4 مليارات دولار في سبتمبر 2023، لتصل إلى 9.5 مليارات دولار في النصف الأول من عام 2024.

أفاد تقرير أصدره مجلس الذهب العالمي في يناير 2024 أن مصر تنتج حوالي 15.8 طن من الذهب سنوياً، حيث يأتي الجزء الأكبر من هذه الكمية من منجم السكري الموجود في الصحراء الشرقية، والذي يعتبر من المناجم الرئيسية في المنطقة.

أفاد باحث سوداني أن السياسة التي تتبناها مصر لتعزيز احتياطياتها من الذهب أسفرت عن زيادة الطلب على المعدن النفيس وارتفاع أسعارها في السوق المصرية خلال السنتين الماضيتين. أوضح الباحث، الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته لأسباب تتعلق بالأمان، أن هذه السياسة أدت إلى أن تتجاوز أسعار الذهب في مصر الأسعار العالمية. كما أضاف: “منذ عام 2022، ارتفعت الأسعار العالمية للذهب بحوالي 2 في المئة فقط، بينما قفزت الأسعار في مصر بنسبة 16 في المئة”.

أكد تاجر ذهب سوداني كان ينشط في سوق الخرطوم قبل بداية الحرب أن أسعار الذهب في مصر أعلى من تلك في السودان، لا سيما الذهب عيار 21، الذي يُعتبر نادرًا في السوق المصرية. وأوضح أن سعر جرام الذهب عيار 21 في السودان حوالي 60 دولارًا، بينما يتعدى 80 دولارًا في مصر.

أشار التاجر إلى أن الذهب عيار 21 يتمتع بشعبية واسعة في السوق المصرية بالمقارنة مع الأنواع الأخرى المنتجة محلياً مثل عيار 24. وفي حديثه لموقع ميدل إيست آي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، قال التاجر: “نتيجة لهذا الطلب المرتفع، أصبح الذهب السوداني مطلوباً بشدة في مصر، مما ساعد في تعزيز طموحات التجار والمهربين الذين يسعون لتحقيق أرباح مالية.” وقال: “الموضوع لا يقتصر على الأفراد فحسب، بل تعمل السلطات المصرية أيضاً على زيادة احتياطيات الذهب في البنك المركزي المصري كجزء من مساعيها لتعزيز استقرار العملة والاقتصاد.” المصدر: ميدل إيست آي

عن مصدر الخبر

وكالات