تزداد معاناة اللاجئين السودانيين في ليبيا بسبب تزايد الجرائم المرتبطة بالاتجار بالبشر، مثل الاحتيال والابتزاز والاستغلال الجنسي، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن محاولات الهجرة باستخدام قوارب غير آمنة. أظهرت تقارير محلية ودولية أن الأزمة قد تفاقمت نتيجة غياب الحماية القانونية، بالإضافة إلى التشريعات القاسية في ليبيا المتعلقة بتواجد الأجانب والهجرة غير النظامية. نشرت منظمة “العالم” لمناهضة التعذيب تقريرًا يتضمن حقائق وأرقام هامة حول أزمة النزوح السوداني منذ بداية الصراع في أبريل 2023، ومن أبرز ما فيه. ذكر التقرير أن أكثر من 10 ملايين سوداني قد هجروا مناطقهم، ولجأ العديد منهم إلى دول مجاورة.
أفاد 41.7% من النازحين الذين تم استطلاع آرائهم أنهم تعرضوا للتمييز العنصري أو للعنف. وأشار 36.2٪ من هؤلاء إلى أن الانتهاكات تعود إلى المواطنين والسلطات المحلية، في حين أشار 25.2٪ إلى مشاركة الجماعات الإجرامية والميليشيات وتجار البشر. فيما يتعلق بأوضاع الدول المضيفة، أورد التقرير أن مصر تستضيف ثاني أكبر عدد من النازحين السودانيين في العالم، حيث يبلغ عددهم 1.2 مليون، ما يسبب لها ضغطًا كبيرًا على الموارد والخدمات.
أشار التقرير إلى أن ليبيا وتونس تواجهان صعوبة في استقبال النازحين، حيث يصل العديد منهم عبر طرق تنطوي على مخاطر كبيرة. أشار التقرير إلى زيادة التوترات الاجتماعية والهجمات العنيفة ضد المهاجرين واللاجئين منذ يوليو 2023، حيث سجل حالات طرد جماعي ونزوح قسري إلى مناطق صحراوية قرب الحدود. ذكرت المنظمة أيضًا في تقريرها أن هناك خطرًا لانتشار الأمراض المعدية في ظل الظروف القاسية ونقص الخدمات الصحية. وخلص التقرير إلى مجموعة من التوصيات، منها تقديم الحماية والمساعدة للنازحين، وإنشاء طرق آمنة وقانونية للجوء، والتطرق إلى الأسباب الأساسية للنزوح لضمان استدامة الحلول. وقد قدم بعض الشهود واللاجئين صورة مظلمة لما يواجهونه في ليبيا. روى إبراهيم، وهو شاب سوداني في الثلاثينيات من عمره، لمراسل راديو دبنقا جزءاً من معاناته بعد مغادرته السودان. قال لراديو دبنقا: “غادرت السودان بسبب ظروف صعبة واجهت عائلتي. كنت أدرس في الجامعة، لكنني اضطُرِرت للترك لمساعدة أهلي. فقدت والدتي بسبب مرض الكبد الفيروسي نتيجة نقص العلاج، كما فقدت والدي بسبب مرض السكري”.
بعد مغادرته السودان مرورا بتشاد ثم ليبيا، واجه إبراهيم صعوبات الحياة في معسكرات التهريب بالقرب من منطقة قربولي، حيث كان الطعام نادرًا وكانت الحياة تفتقر للإنسانية. خلال إحدى محاولاته للهجرة، تم إعادته إلى الشاطئ بعد أن اعترض حرس السواحل القارب الذي كان مليئاً بالمهاجرين. على الرغم من تعرضه لكسر في ساقه أثناء محاولة الهروب، يعمل إبراهيم حالياً في مصنع صغير، لكنه لا يزال يطمح للوصول إلى أوروبا. أما الشاب محمد فقد غادر السودان بعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وذهب إلى ليبيا عبر طرق مليئة بالمخاطر. عاش محمد تجارب مأساوية، مثل حالات الوفاة في الصحراء بسبب الجوع والعطش، بالإضافة إلى أنه تعرض للاحتجاز والابتزاز من قبل مجموعات مسلحة.
لكن على الرغم من ذلك، يقول محمد إن “كل قصة تعزز من عزيمتي على الاستمرار في المحاولة، رغم أن كل محاولة قد تنتهي بالموت.” يقول مالك الديجاوي، مدير منظمة تقليل الهجرة والعودة الطوعية للجاليات السودانية، إن عدد اللاجئين السودانيين في ليبيا قد زاد ليصل إلى حوالي مليونين بعد اندلاع الحرب، حيث يعبرون عبر طرق خطيرة مثل طبرق والكفرة. يعاني اللاجئون السودانيون من مخاطر متنوعة على المسارات التي يسلكونها، مثل الألغام، والابتزاز، وانفجار خزانات الوقود.
يعانون أيضًا من مشكلات أخرى عند وصولهم، مثل نقص الوثائق الدراسية، مما يعيق تسجيل الأطفال في المدارس. تتفاقم معاناتهم حالياً مع دخول فصل الشتاء بسبب نقص الملابس الشتوية ووسائل التدفئة. يعانون أيضًا من الارتفاع في تكلفة إصدار وتجديد الجوازات، مما يعيق تسوية أوضاعهم. أشار الديجاوي إلى أن مبادرة “استجابة” لدعم اللاجئين تعاني من صعوبات نتيجة لعدم اعتماد الروابط السودانية وغياب الدعم الحكومي، مما أدى إلى توقف مشاريع إنسانية هامة. أوصى التقرير باتخاذ بعض الخطوات التي من شأنها تحسين أوضاعهم، مثل خفض رسوم الوثائق الرسمية وتعزيز دور مجلس الجاليات السودانية. وفقًا لتقرير منظمة العالم لمناهضة التعذيب (OMCT)، تُعتبر ليبيا، التي تواجه صراعات وانعدام الاستقرار، من أخطر ممرات العبور للمهاجرين.
يساهم نقص وجود حكومة مركزية قوية وفوضى انتشار الجماعات المسلحة في إيجاد بيئة تسود فيها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان. أوضح تقرير منظمة “العالم” أن هناك مجموعة من القوانين الليبية التي تسهم في الأزمة، ومنها القانون رقم (19) لعام 2010، الذي يجرّم الهجرة غير الشرعية وي يمنح السلطات صلاحيات كبيرة للاحتجاز والترحيل. أشار التقرير أيضًا إلى القانون رقم (24) لعام 2023، الذي يحظر توطين الأجانب، وكذلك القانون رقم (19) لعام 2001، الذي يقيد قدرة المنظمات غير الحكومية على تقديم المساعدة. وانتهى التقرير في ختامه إلى أن اللاجئين السودانيين في ليبيا يواجهون ظروفًا قمعية تستهدف المهاجرين من خلال قوانين صارمة وظروف غير إنسانية في مراكز الاحتجاز، بالإضافة إلى القيود المفروضة على المنظمات الإنسانية. أشارت المنظمة إلى أن تحسين ظروف اللاجئين يستلزم تعاون الجهود على المستويين المحلي والدولي لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة وتعزيز العودة الطوعية.