توقع خبراء عسكريون أن تشهد الساحة السودانية تصعيدًا ملحوظًا في العمليات القتالية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وذلك في ظل عدم وجود حلول واضحة للأزمة الحالية. وأشاروا إلى أن الجهود التي بذلها مجلس الأمن والمبعوث الأمريكي لم تحقق النتائج المرجوة لوقف النزاع المستمر في البلاد.
وأوضح الخبراء، في تصريحاتهم لوكالة “إرم نيوز”، أن منطقة النيل الأبيض، التي تقع جنوب الخرطوم وغرب الجزيرة، قد تصبح مركزًا رئيسيًا للعمليات العسكرية المتوقعة في الفترة المقبلة. ويعكس هذا التصعيد المحتمل تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد، مما يزيد من معاناة المدنيين.
من جهة أخرى، فشل مجلس الأمن الدولي قبل أسبوع في إصدار قرار يدعو الجيش وقوات الدعم السريع إلى الالتزام بإعلان جدة المتعلق بحماية المدنيين. وقد شمل هذا الإعلان ضرورة اتخاذ جميع التدابير اللازمة لتقليل الأضرار التي تلحق بالمدنيين، مما يبرز التحديات الكبيرة التي تواجه المجتمع الدولي في معالجة الأزمة السودانية.
تصعيد
رأى المحلل الأمني عادل بشير أن جميع المؤشرات تدل على أن السودان يتجه نحو تصعيد عسكري جديد قد يكون الأكثر شراسة، وذلك بعد عدم نجاح الجهود الدولية والإقليمية في إيجاد حل للأزمة المتفاقمة، بالإضافة إلى تعنت قائد الجيش السوداني ورفضه الاستجابة للحلول المقترحة.
وقال في تصريح لـ”إرم نيوز”: “من الواضح أن قائد الجيش السوداني يعتمد على الخيار العسكري الحاسم، وقد يكون قد حصل على إمدادات عسكرية جديدة يتوقع أن تساعده في تحقيق تقدم عسكري في الجزيرة أو الخرطوم”. أضاف قائلاً: “في الجهة المقابلة، استمرت قوات الدعم السريع لمدة تقارب الشهر في تجميع المقاتلين، ولا يُعرف بالضبط إلى أين ستكون وجهتها التالية، باستثناء مدينة الفاشر التي أصبحت مهددة بالسقوط بعد مقاطع الفيديو التي تُظهر تقدمها نحو السوق ومواقع قريبة من مقر قيادة الجيش هناك”. توقع المحلل الأمني أن تقوم قوات الدعم السريع بهجوم على مدينتين رئيسيتين في ولاية النيل الأبيض خلال الفترة القادمة، وهما “كوستي وربك”، نظراً لأهميتهما الاستراتيجية، حيث تقعان على جسر رئيسي يربط شرق وغرب السودان.
القوات المسلحة السودانية قامت بقصف جسر جبل أوليا في جنوب الخرطوم الأسبوع الماضي، مما أدى إلى تدمير العمود الرئيسي للجسر، الذي كانت قوات الدعم السريع تعتمد عليه في التنقل بين الخرطوم وكردفان ودارفور. ذكرت تقارير إعلامية أن قوات الدعم السريع بدأت في إصلاح الجسر، إلا أن الجيش قصفه مرة أخرى أثناء محاولات الصيانة. وكان الجيش قد دمر أجزاء من جسر جبل أوليا في نوفمبر 2023، إلا أن قوات الدعم السريع استطاعت إعادة تأهيله وإعادته للخدمة مجددًا.
خيارات مفتوحة
اعتبر الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أبوعبيدة برغوث أن جميع الخيارات أصبحت متاحة أمام أطراف الصراع في السودان، موضحًا أن التصعيد العسكري سيكون العنصر الأكثر بروزًا في المشهد القادم، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية، سواء كانت سلمية أو عسكرية، حسب رأيه.
وأشار في تصريح لـ”إرم نيوز” إلى أن الانقسام الذي حدث في مجلس الأمن بشأن وقف الحرب في السودان لن يجعل المجتمع الدولي يقف مكتوف الأيدي، لأنه ليس الأول من نوعه، حيث شهد المجلس تجارب مشابهة في قضايا تعكس الأوضاع في السودان ومع ذلك تدخل بطرق أخرى، حسب قوله.
وأضاف: “بعد عجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار بوقف الحرب في السودان، قد تلجأ القوى الدولية إلى المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقي، بحيث يتم التدخل من خلاله بدعم من الاتحاد الأوروبي”. وأشار برغوث إلى ظهور تحالف دبلوماسي كبير بدأ يتكون بهدف إنهاء الحرب وإنقاذ الشعب السوداني، موضحًا أن الأوضاع قد تشهد حالة من الاستقطاب الدولي والإقليمي قد تؤدي إلى سيناريوهات غير متوقعة للأزمة السودانية، وفقًا لما قاله.
جبهات مختلفة
توقع برغوث زيادة العمليات العسكرية في جبهات متنوعة، مشيرًا إلى أن تصريحات الأطراف مؤخرًا كانت تدعو للتصعيد العسكري، بما في ذلك تصريحات البرهان الذي رفض التفاوض إلا وفق شروطه، بالإضافة إلى تصريحات قوات الدعم السريع التي أكدت أنها لن تعود للتفاوض إلا بضمانات دولية وأنها ستواصل الحرب التي يسعى الجيش لشنها. استمر قائد الجيش السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان في رفض جميع المبادرات التفاوضية التي تم إطلاقها على الصعيدين الإقليمي والدولي، والتي تهدف إلى إنهاء الحرب والتخفيف من الكارثة الإنسانية التي يعاني منها السودانيون.
في أحدث تصريح له خلال اليومين الماضيين، صرح البرهان بأنه لن يتوجه إلى التفاوض، وأن القتال سيستمر حتى القضاء على قوات الدعم السريع، التي تسيطر فعليًا على أكثر من نصف أراضي السودان. صدرت تصريحات البرهان بعد أن حال “الفيتو الروسي” دون تبني مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي، الذي يدعو إلى إنهاء الحرب في السودان وحماية المدنيين المحاصرين في خضم النزاع، وقد لاقى هذا المشروع تأييد جميع الدول الأعضاء في المجلس باستثناء روسيا.