السودان الان السودان عاجل

أكثر من 55 فناناً لقوا حتقهم في حرب السودان: دموع الجيتارات وصراخ المتاحف

مصدر الخبر / قناة الجزيرة

قُتل أكثر من 55 فناناً في السودان منذ بدء النزاع في منتصف أبريل 2023، بما في ذلك فنانون توفوا نتيجة للقتل خارج نطاق القانون أو نتيجة نقص الرعاية الصحية أو التعذيب خلال فترة احتجازهم، وذلك وفقاً لتقرير أصدره المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام ومركز أبحاث الموسيقى السوداني. يوثق التقرير الذي صدر يوم أمس الأربعاء بعنوان “دموع الجيتارات وصراخ المتاحف” الانتهاكات التي تعرض لها الفنانون، من خلال شهادات ميدانية ومقابلات مع عائلات الضحايا، بالإضافة إلى تحليلات مفتوحة المصدر وصور من الأقمار الصناعية. ومن بين الوفيات المسجلة، وفاة الشاعرة والمغنية والناشطة “شادن حسين”، المعروفة بلقب “شادن غردود”، والتي اكتسبت شهرتها من خلال دفاعها عن حقوق الإنسان عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وقد تم قتلها في 13 مايو 2023، وكانت قد نشرت في اليوم الذي سبق وفاتها رسائل تدعو للسلام وتوثق أهوال الحرب. في البداية، كان يُعتقد أنها فقدت حياتها في قصف، لكن التقرير يوضح عكس ذلك، حيث تم استهدافها من قبل قناص أثناء وجودها على سطح منزلها في “الأبيض”، عاصمة شمال كردفان، برفقة ابنها وأفراد آخرين من عائلتها. جاء في التقرير أنه “بينما حاول رفاقها الحصول على سيارة من أحد الجيران لنقلها إلى المستشفى، اُطلقت 3 رصاصات إضافية بالقرب منهم. بالإضافة إلى ذلك، تعرضت مسيرتهم لعقبات أكبر عند نقطة تفتيش تابعة للقوات المسلحة السودانية، مما أدى إلى تأخير كبير”.

ومن بين الفنانين الآخرين الذين تم ذكرهم في التقرير، يأتي المغني والملحن حمدان أزرق، الذي لقي حتفه في تفجير بأم درمان، وآسيا عبد المجيد، أول ممثلة مسرحية سودانية، التي فارقت الحياة نتيجة لرصاص عشوائي في الخرطوم “بحري”. تشير التقديرات إلى أن حوالي 10 ملايين سوداني قد اضطُروا للفرار من منازلهم نتيجة الحرب، ومن بينهم مليونا شخص أصبحوا لاجئين، بالإضافة إلى أكثر من 25 مليوناً يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء، وفقاً لتقارير المنظمات الدولية.

استهداف الفنانين

قُتل بعض الفنانين بشكل مباشر جراء إطلاق النار والقصف، بينما توفي آخرون في ظروف غير مناسبة بسبب نقص الرعاية الصحية، مثل عازف البيانو إبراهيم ميكو والملحن بشير عبد المجيد، اللذين فقدا حياتهما نتيجة إصابات لا يمكن معالجتها بسبب انهيار النظام الطبي. توفي عدد آخر تحت وطأة التعذيب والاعتقال التعسفي، مثل عازف الإيقاع كامل حسن، الذي “توفي متأثراً بإصابات التعذيب” في سجن سوبا بالخرطوم في 30 أغسطس/آب من هذا العام، بعد أن تم اعتقاله من قِبل قوات الدعم السريع في مايو/أيار 2023. لم تتمكن القوى السياسية في السودان، بمختلف توجهاتها، من الاجتماع ومناقشة الأزمة في البلاد لأكثر من عام بعد اندلاع الحرب في منتصف أبريل/نيسان 2023. وزاد الاستقطاب، حيث انحازت بعض الفصائل السياسية إلى الجيش، بينما وقعت فصائل أخرى مذكرة تفاهم مع قوات الدعم السريع، اعتبرتها خصومها تحالفًا.

التراث الثقافي في أتون الحرب

يمتد تأثير النزاع إلى ما هو أبعد من الأرواح البشرية ليطال التراث الثقافي للسودان. ويندد التقرير بالهجمات التي تستهدف المواقع الثقافية والتاريخية، موضحًا أنها محاولات عمدية لطمس تراث السودان. بحسب تقرير المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام، تم نهب المتحف الوطني السوداني، مع تداول مقاطع فيديو تظهر قوات الدعم السريع داخل المبنى. كما أفيد أن متحف التاريخ الطبيعي في الخرطوم دُمر نتيجة للقصف، مما أدى إلى فقدان عينات ليس من الممكن تعويضها.

وتعرض متحف بيت الخليفة في أم درمان لأضرار، بالإضافة إلى أن المسارح الوطنية تعرضت للقصف أو أعيد استخدامها كقواعد عسكرية. ذكرت إذاعة دبنقا في مايو/أيار أن القصر الجمهوري القديم في الخرطوم تعرض لقصف جوي من قبل الجيش السوداني، مما أدى إلى اشتعال بعض أجزائه. وقد تضرر القصر نتيجة غارات جوية في مايو/أيار 2023 ومرة أخرى في أغسطس/آب 2023. كما وقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع مع بداية الحرب في أبريل/نيسان 2023. في ولاية نهر النيل، أدت الاشتباكات القريبة من المواقع الأثرية في مروي، شمال البلاد، إلى إثارة القلق بشأن موقع التراث العالمي المعتمد من اليونسكو، خاصة مع ظهور جنود من قوات الدعم السريع في المنطقة.

وذكر المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام: “نظرًا لوصول قوة عسكرية إلى المنطقة وتواجد ألغام أرضية، فإن الوضع الحالي لهذه الآثار وأي أضرار ممكنة قد تكون تعرضت لها يظل غير مؤكد”. امتدت الحرب إلى الذاكرة الثقافية للبلاد التي كانت شاهدة على فترات تاريخية طويلة، حيث تسببت المعارك المستمرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي في تضرر وتدمير العديد من المباني الحكومية، بما في ذلك المعالم التاريخية والأثرية والثقافية.

انقسام الوسط الفني

يُبرز التقرير الفنانين الذين اتخذوا موقفًا قويًا ضد الحرب. ومن بين هؤلاء الفنانين أبوعركي البخيت، ونانسي عجاج، ويوسف الموصلي، الذين استغلوا فنهم لتنديد بالعنف وتعزيز رسائل الوحدة. لكن التقرير يعبر عن أسفه لأن بعض الفنانين “وقعوا في فخ الاستقطاب”، حيث استخدموا فنهم لدعم الفصائل المتنازعة.

ويشير التقرير إلى ندى الجلاء وكامل سليمان كأمثلة على الفنانين الذين أنتجوا أعمالاً لصالح القوات المسلحة السودانية، في حين أصدرت فنانون مثل إبراهيم إدريس أغاني تؤيد قوات الدعم السريع. ويختتم المركز الأفريقي لدراسات العدالة والسلام تقريه بتوجيه نداء إلى المجتمع الدولي من أجل إعطاء الأولوية لحماية الفنانين والتراث الثقافي. ويدعو إلى اتخاذ إجراءات أقوى لضمان حرية التعبير، ودعم المبادرات التي تهدف إلى تعزيز السلام، والحفاظ على الهوية التاريخية للدول.

عن مصدر الخبر

قناة الجزيرة